بقلم: أحمد صبح
لا أدري لماذا يصر الإخوان المسلمون على غسل أيديهم من خروج الأمريكان في قضية التمويل الأجنبي ، بعدما أعلن الجانب الأمريكي شكره لجماعة الإخوان المسلمين ، وللمجلس العسكري الحاكم في مصر ؟! قد يقول قائل - يصر أيضاً على جعل تصديق قيادات الإخوان من أمور العقيدة - أنني مشكوك في إيماني ، جيث أنهم مسلمون بل ينتمي بعضنا لبعض كأصحاب للتيار الإسلامي ، وبالتالي فقهم صادقون بناءً على هذه الوكالة التي يريد البعض أن يمنحها للتيارات الإسلامية في مسائل الإيمان ، ولكن يجب أن نعلم أن الصدق صدق ، سواء كان في أمر العقيدة أو السياسة ، وإن كانت الأخيرة تخضع لمواءمات وتقوم على الخداع بينما الدين له قداسته السامية التي يجب أن نضع لها مكانتها التي تليق به ، الإخوان المسلمون لهم تضحياتهم لمدة عقود كثيرة ، وفيهم كوادر سياسية واقتصادية واجتماعية لا بأس بها ، ولكن لابد من مواجهة أنفسنا بحقيقتين :
1. أن الجانب الأمريكي هو الذي كشف هذه المنظمات ، وذلك بإعلانه بكل شفافية أن هذه المنظمات قد حصلت على تمويلات كذا وكذا ، وبالتالي فلا مصلحة لهم في الكذب ، ولا أظن أن رجلاً مثل جون ماكين سوف يقضي على تاريخه السياسي من أجل أن يلصق تهمة بالإخوان المسلمين ، وهو الذي اجتمع ببعض القيادات النافذة في الجماعة ، قبل اللإفراج عن الأمريكان المتورطين في قضية التمويل الأجنبي ثم وجه الشكر للجماعة وللمجلس العسكري الحاكم في مصر عند عودته إلى أمريكا .
2. إن جماعات الإسلام السياسي كانت تنطلق بطريقة سرية في عهد الأنظمة الديكتاتورية ، وهذا أمر مفهوم ، خاصة في ظل الملاحقات الأمنية المتواصلة ، وبالتالي فالجماعات الإسلامية تعودت على ممارسة إخفاء الحقيقة ، وتكريس العزلة الجماهيرية فيها وحولها ، ومن ثم إضعاف مافيها من قدرة على النقد والتمحيص والبلورة والتطور ، ومنعها من التعرض لضوء الشمس الذي يكقل بتطهيرها من التشويشات العادية والمتوقعة في مثل هذه المهمات الكبيرة والبعيدة المدى ، لأن العلانية تؤدي إلى توسيع دائرة المشاركين للاتساق مع أنفسهم والتذكير بأصالة توجهاتهم والاستمرار في الطريق ، بينما العمل السري يؤدي إلى ممارسات تجعل المشاركين يصابون بمختلف ألوان القلق والخوف والاحباط ، والبحث عن مبررات للتخلي عن الأمانة التي نهضوا لحملها ، عند أول إشارة توحي بمضايقات نفسية أو مادية ، فكيف الحال إذا كانت ستؤدي إلى السجن والتعذيب أو قطع سيل العمل ؟ هكذا كنا نفكر في ظل النظم الاستبدادية ، فلماذا نعيش على خيال تلك الصورة التي انقشعت بزوال هذا النظام المستبد إلى غير رجعة إن شاء الله ؟!
لذلك فإن مصر بعد الثورة تقتضي العمل في العلانية ، ولسنا محكومين من ديكتاتور بل الإسلاميون في صدارة المشهد ، فما الذي سيحملنا على أن نعيش في الحاضر بعقلية الزمن الماضي ؟ لأن ذلك سوف لا يجعلنا ننمو بشكل جماهيري ، فالمطلوب هو تقوية مشاعر الثقة بالذات لدى الجماهير ، وليس تعريضها لمزيد من اليأس والشلل والشك وسيادة عقلية التآمر وتنمية النفاق ، الأمر الذي يؤدي إلى سيادة روح الاستسلام والتخلي عن المسئولية ، بل يؤدي إلى أكثر من ذلك عن طريق توجيه انتقادات تصل لدرجة الاتهام والإدانة لأتفه الأسباب ، بل قد يؤدي الأمر بعد ذلك أن أكثر الأعمال شجاعة وبطولة وإخلاصاً تصير مصدراً للتشكك بهم ، وبالتالي يؤدي إلى إحباط الطاقات وردة الفعل السلبي ، الأمر الذي يؤدي إلى تآكل النفس وقتل الطموح ، إننا يجب أن نتلون بلون الوعاء الاجتماعي المنفتح الصادق بعد الثورة ، ونستعد لإغلاق ملف المتاجرة بالتضحيات.
فقد كنا في زمن نظام يعيش مرحلة تحجر وتكلس ضمن قواقعه ، فعاد بنا إلى خط متهابط ، وهذا وضع يلائمه ويلائم شخصياته ، التي كانت ترى الجمود هو الاستقرار ، بالضبط مثل الحيوانات القطبية التي تدخل في مرحلة سبات شتوي طويلة تتباطأ فيها حركة الدم ونبض القلب وبالتالي تنقص الحاجة إلى الغذاء ، كما أن النباتات الصحراوية تتخذ أشكالاً تقلل المساحات المتعرضة للشمس ، وتقاوم الجفاف بأوراق على شكل إبر وبألوان جافة ، وتداوى بالذي كان هو الداء فتتحدى الجفاف مثله ، ونحن الآن أيها السادة في حالة ثورة والشمس قد أشرقت على الجميع ، فما كان يمارس من عمل سري في عهد مبارك لمصلحة البقاء ، وأصبحنا نحن في الصورة ، فلا يمكن بحال ألا تكون هناك شفافية مع هذا الشعب العظيم ، والذي يساند الصادقين مهما غلب الضعف البشري ، فماذا كان يضيرنا لو قلنا اننا تعرضنا لضغوطاً مثلاً " إن لم تفعلوا كذا سنفعل بكم كذا " ، والشعب سيراعي مسائل الأمن القومي ، وإنني أتعجب ..
الإخوان ليسوا سبباً فيما وصلنا إليه ، فلماذا نصر على التعامل مع الشعب بنفس الأسلوب السابق من النظام الهالك ؟ لقد كان القدر رحيماً بمصر لما خرج أحد أعضاء حزب النور في مجلس الشعب بكذبة كبرى ملأت الآفاق ، وذلك بالتعدي عليه وسرقته بالإكراه ، الأمر الذي دفعه إلى إجراء عملية تجميل جراء هذه الحادثة ، قم تم اكتشاف هذا الأمر أنها عملية تجميل خلقي بحتة ولم تكن ثمة جريمة ، وحسناً فَعَل حزب النور بفصل هذا العضو لأن الله لا ينصر الكذابين ، هل مازلنا ننظر للشعب المصري نظر الجماعات السرية الضيقة التي من مصلحتها العمل السري ؟ وأنني على ثقة أن الأمور ستسير إلى الأفضل والشفافية في مصر ستصل أسمى معانيها ، والكل يتعلم ، ولكن يجب أن نعلم أن الثورات كالأزهار الناضرة ، جياتها وبشاشتها في النور ، وأن شفافيتها في التي تصحح بها أغلاط الزمن في أهله ، أو أغلاط الناس في زمنهم .
لازلت أذكر كيف أن إيران قام ثوارها منذ عقود باحتجاز الرهائن الأمريكيين داخل سفارة أمريكا في طهران ، الأمر الذي أطاح بالرئيس كارتر عندما فشل في استنقاذهم ونحن اليوم ننبطح من أجل معونات تأتينا من دول الخليج بضغط أمريكي ، ونمارس العنجهية على المصريين ونصفهم بالعمالة في كذب منظم واضح ، من اجل قتل الأشخاص معنوياً ، فماذا جنينا الآن ؟ لانستطيع أن نقول للسيد الأمريكي لا ، بينما إيران في عزلتها تقف شامخة أما أمريكا والغرب !
الحل أيها السادة ليس بالاستخفاف بالشعوب والتملص من المسئولية ، بل إن أول طريق للاستقلال هو أن تصدق الناس لأنهم رصيدك ، وفي الحديث النبوي الشريف أن " الملك الكذاب لاينظر الله إليه ولايزكيه وله عذاب أليم "، أرجو أن أكون مخطئاً في حكمي على الإسلاميين الذين يتصدرون المشهد الآن ، ولكن الشواهد تقول جميعها أننا لازلنا نعاني من عقد الماضي وآفات العمل السري .
ولا يفوتني أن أندد بالحملة المنظمة التي تمارس ضد الشخصيات الوطنية من أجل قتلها معنوياً أمثال د/ محمد البرادعي ، والذي كان له أكبر الأثر في نجاح ثورتنا المباركة بل كان لها أكبر الأثر في تحويل نظرة الغرب للإسلاميين ، وضرورة التعامل معهم ، وإبطال فزاعتهم والتي كان يستعملها مبارك ونظامه " سبوبة " من أجل اضطهادهم الأمر الذي أدى إلى نجاح ثورة 25 يناير ، ولو كان في اليمن أو سوريا مثل البرادعي ما آلت الأمور إلى ما آلت إليه ، ثم نصفه الآن بالعمالة والخيانة ، وهذا ميراث يجب أن نتخلص منه لأننا عندنا عداء ثقافات ، الإسلامي من يصف الليبرالي بالخائن والعميل ، والليبرالي يصف الإسلامي بالمتخلف والرجعي ، نحن نريد ثقافات مكملة ًوليست متناقضة كما نعشها اليوم ، ثم لماذا الحملة المبررة للأديب العالمي المرحوم نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل في الأدب ؟ الأمر الذي أدى إلى محاولة اغتياله في نهاية عام 1994.م من القرن الماضي ، واليوم نريد اغتيال أعماله ، لماذا نحن ضد النجاح دائماً ؟ هل كل فصيل معين دائماً ليس فيها إلا ديك واحد - كما يقول أمن الدولة السابق - ولمصلحة من هدم هذه الشخصيات العالمية والتي تحصل على أعلى الجوائز العالمية ، بل الأعجب من ذلك وهو ماهزني شخصياً أن أجد حملة شرسة على الدكتور العظيم صاحب نوبل أحمد زويل ، أيها السادة اتقوا الله في الناس وارعوا الوطن في المواطنين ، ومن عجز عن البناء فلا يشغل نفسه بالهدم !!
أجد شخصية صديقة أخرى وقفت ضد الظلم والبغي ، وعانت في المعتقلات وأصدرت كتاباً عن التعذيب باسم " عاصمة جهنم " وفي عهد النظام السابق صدر الكتاب ، وتم اعتقاله معي في قضية واحدة ، بسبب هذا الكتاب ومحاولة محاكمة حسني مبارك شعبياً عام 2007.م ، الآن يتم سرقة أفكاره واغتيال تاريخه من بعض المنتفعين ، والمزايدين على الآخرين ، وما زال الاستاذ محمد الدريني يمارس دوره الوطني رغم هذه المعوقات والتي تلمح فيها أصابع الطرف الثالث في النظام السابق ، والذي يريد قتل كل الوطنيين والذين كانوا اكسيراً لمصر الثورة ، ولكن أقول لهم جميعاً أيها الشرفاء الوطنيون سوف يستقيم لمصر كلها ما تحاولون ، ويتسق لها ما تؤملون ، أما أنتم أيها الجبناء الذين تريدون تخريب مصر من أعضاء النظام السابق ، فتنتمون إلى الماضي ولن تستطيع الطحالب الصغيرة أن توقف سير السفن العملاقة في عرض البحر ولو اجتمعت ، اللهم ارزقنا الشفافية والوضوح والإنصاف .. آمين .
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com