ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

سن المراهقة

دولا إندراوس | 2012-03-24 00:00:00
بقلم: دولا اندراوس
ألقيت نظرة سريعة علي المكان علني أجد مقعدين شاغرين في تلك الكافيتيريا الصغيرة في وسط البلد ..ولكن يبدو أنها كانت ملاذا لكثيرين مثلنا هرعوا إليها إحتماء من لسعة الشمس الحارقة والرطوبة الخانقة بالخارج. كدت أنصرف لولا أن لمحت فتي وفتاة يهمان بمغادرة مقعديهما فسارعت نحوهما وبمجرد إنصرافهما بادرت بالجلوس علي أحد المقعدين وأمسكت بالآخر خشية أن يأتي من يجلس عليه، ثم نظرت نحو الباب مشيرة لإبني كي يدخل.. كان متكئاً علي الباب في تراخٍ.. واضعاً يديه في جيوبه.. مرتدياً ملابس فضفاضة تكاد لوسعها أن تسقط من عليه.. وفي أذنيه إلتصقت سماعاتان سوداوان لا أتذكر علي وجه التحديد آخر مرة رأيته بدونهما. كان يحاول قدر إمكانه أن يتجنب النظر في اتجاهي خشية أن يتهمه أحد بأنه يعرفني .. ولكنه لمحني أتهيأ لأن أناديه فلم يجد بدا من التحرك نحوي تجنباً لوقوع الكارثة. 
 
بداية غير مشجعة لا توائم الغرض الذي أتينا لأجله..ولكن لنحاول علي أية حال! 
كان يوماً من أيام شهر يوليو شديدة الحرارة.. وقد قررت أن أصطحبه لتناول الآيس كريم في أحد الأماكن اللطيفة في محاولة لإضفاء نوعاً من الحميمية والتقارب علي علاقتنا التي بدأ يشوبها نوع من التوتر في الآونة الأخيرة. 
أعترف بأنني ساهمت في أن تزداد الهوة التي بيننا عمقا حين سمحت للأيام أن تجرفني بعيداً عن نفسي وعنه.. وأنني بدون قصد مني سقطت في الدوامة التي سقط فيها كثيرون .. دوامة اللهث وراء المأكل والمشرب والملبس ..فلم أنتبه لذلك البرعم وهو يتفتح بين يديّ يوماً بعد يوم.. ولما أفقت عليه وجدته علي مشارف المراهقة، وإذا بقامته قد إشتدت حتي كاد يفوقني طولاً، وإذا به.. بعيدا عني كل البعد. 
 
في الاسبوع الماضي بذلت إحدي المحاولات الفاشلة للتقرب منه.. فذهبت إليه وسألته أن يُسمعني بعض الأغنيات الأثيرة لديه وقد أثار طلبي هذا دهشته لأن كلانا يعلم علم اليقين أنني ليس لدي أي ميول موسيقية علي الإطلاق ولكن سرني أن لمحت الإهتمام في عينيه وهو يسارع باصطحابي إلي غرفته ويجلسني علي كرسي مكتبه ليُسمعني ״أفضل״ تسجيلاته.وبينما أنا أعتدل في جلستي إستعداداً لسماع الموسيقي الجميلة إذ بي أنتفض فجأة علي صوت ظننته في بادئ الأمر إنفجارا ًولكن سرعان ما تكشف لي أنها الأغنية لما نظرت إليه فوجدت وجهه تعلوه الإبتسامة ورأسه يتمايل في انسجام مع إيقاع شديد الإزعاج.. هذا عن اللحن.. أما عن الكلمات فحدث ولاحرج فبرغم المجهود غير العادي الذي بذلته في الإنصات إلا أني بالكاد استطعت تمييز بعض الكلمات من هنا ومن هناك وقد يكون هذا من فضل ربي الذي أراد أن يجنبني سماع ما قد تشيب لهوله الولدان.. المهم أني ظللت حبيسة الكرسي لبعض دقائق متخذة مظهر الإنسجام بينما عقلي يتسابق في كل إتجاه باحثاً عن ذريعة للهروب من هذا الموقف.. وأخيراً نهضت واقفة مدعية أن ورائي الكثير من الأعمال المنزلية ..ثم أومأت بالإيجاب وأنا أهرول خارج الغرفة لما سألني إن كانت الأغاني قد أعجبتني.
 
واليوم ها أنا أكرر المحاولة وها هو يجلس قبالتي بوجه يعلوه الضجر وأنا عاجزة لا أدري من أين أبدأ..ولكني رفضت الإستسلام للفشل مرة ثانية وقلت :"أعلم أنك جئت معي مرغماً".. فقال:"ماذا دعاكِ لأن تقولي هكذا؟״.. فأجبته بابتسام :"لأني أستطيع قراءة مايجول بخاطرك". لم يعلق وعاد الصمت يسود بيننا من جديد.. وبينما أنا أفكر في مادة للحوار، إذ بصوت موسيقي صاخبة يعلو في المكان.. فتشتت تفكيري واغتظت وقلت: "المفروض أن يوفروا جواً هادئاً للناس كي تستطيع أن تسمع بعضها.. ثم أن هذه الموسيقي مزعجة جداً".. ما أن قلت هذا حتي فوجئت به ينفجر في موجة من الضحك.
 
لم أدر سببها ثم قال -بعد أن هدأت حدة ضحكه- "علي فكرة أنا أعلم أن الأغاني التي أسمعتها لك الأسبوع الماضي لم ترق لك" فابتسمت محاولة مداراة إحراجي وسألته: "كيف عرفت؟".. فقال: "هذه التي نسمعها الآن هي إحداها"..ثم أضاف وهو يغمز بعينيه "لست وحدك التي تستطيعين قراءة الخواطر.. أنا أيضاً أفهمك بغير كلام.. وشد ما أكره أن أعترف بذلك ولكننا تجمعنا الكثير من الصفات المشتركة". وكتأثير الآيس كريم في عز الحر نزلت هذه الكلمات علي قلبي إنه أنضج مما ظننت ويبدو أن الطريق إلي قلبه أسهل كثيراً مما كنت أتوقع! 
 
dandrawes@yahoo.ca

 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com