بقلم- عبدالمنعم عبدالعظيم
كان "نظير جيد"- البابا "شنودة الثالث" مصريًا يحمل كل صفات المصري الأصيل، ابن نكته، متواضع، فنان أصيل، تناولت بعض أشعاره كشاعر رومانسي كان يمكن أن يثري الحركة الأدبية في العالم العربي، تحس فيه ببساطة "إيليا أبو ماضي" وفلسفة "جبران خليل جبران" وصوفية "ابن الفارض" في المرحلة الجامعية.
برز "نظير جيد"- البابا "شنودة"- في فن الزجل، ذلك الفن الأصيل الذي نبت في التربة الشعبية، وتحدث بلغة الناس في الشارع فصار قريبًا من القلوب حتى خشي اللغويون منه على اللغة العربية، وشهدت محافل كلية الآداب بجامعة "القاهرة" الطالب "نظير جيد" يعبِّر عن أحاسيسه بأزجال رائعة اتسمت بالبساطة والفكاهة، يقول:
يا مَنْ ستتركنا كَم بدي أهديكا طبلة وكمنجة وزمارة ومزيكا، حتى تُزَمِّرَ في لهوٍ وفي طربٍ وترقصُ الجو فوقيكَ وتحتيكا، فاليوم تخرج من لومانِنا فرحًا ونحن نُترَك للتأبيد عاديكا، إني عَجِبتَ لِقسمٍ لا نصيب له إحتت لا خيرَ لي فيه ولا ليكا، وقد بصرت لباب النحسِ مُنْفَتِحًا بضلفتيهِ وباب الحظ مسكوكا، كم بدّي مبخرةٌ حتى أُبَخِّرَكَ من عين هيئة تدريس تُعاديكا، من عين نصحي وعوّاد ومن بدوي ومن خفاجة ومن قومٍ تحدوكا، جماعةٌ يهلك التلميذُ بينهمُ مهما اشتغلتَ لهم شغل البلوتيكا..
في هذا الزجل نحس أنه تأثر بمدرسة الشعر الحلمنتيشي الذي برع فيه "حسين شفيق" المصري، والذي اعتمد على السخرية والفكاهة. ونلاحظ كيف نحت "نظير" حروفه ومعانيه من لغة الشعب.
نعيش معه في قصيدة زجلية أخرى بعنوان "كان نفسي أبقى عميد":
يا ما نفسي شهر واحد بس مش عايزه يزيد، يعملوني فيه عميد أو حتى نائب للعميد، كنت أعمل للسكاشن كلها ترتيب جديد، كنت أخلي الشخص يتخرج تقول زي الحديد، كنت أمشي الشخص منكم عالعجين مايلخبطوش، كنت ألغي قسم جغرافية ومش ناقصين مضايقهْ، متنا من كتر المذاكرة ومش لاقيين ذاكراتنا حايقهْ، من غير الجغرافيا تبقى دراسة الكلية رايقهْ، مش ظريف الاقتراح ده يخليكم ما تسقطوش. بس أنا يا خسارة عايش وسط ناس مايعبروش، لو كانوا يعرفوا مقداري كانوا مايسيبونيش. يعني لو ما كنتش أعرف المناخ ده استوائي أبقى جاهل، يعني لو ما كنتش أعرف الجبل ده إلتوائي أبقى جاهل، يعني لو ما كنتش أعرف بيليزوي وكيتيزوي وميليزوي أبقى جاهل، ده كلام فارغ صحيح، ده مقرر مش مريح، دي مضايقه دي سماجه بس لما أبقى عميد، والأمل ده مش بعيد، ها أبقى ألغي كل حاجه..
كان يكره الجغرافيا ويتمنى أن يلغيها من المنهج، واعتبرها حشوًا لا طائل منه، فقد كان كل عشقه للتاريخ. وفي زجل عن الجغرافيا يقول:
حاجة غريبة بأدخلها بالعافية في مخي ما تدخلشي، بنشوف في الأطلس أمريكا وألمانيا وبلاد الدوتشي، ماتقول لي بأي فوتوغرافيا وتقول ما تقول ما هاصدقشي، حاجة غريبة بأدخلها بالعافية في مخي ما تدخلشي، ورياح مبلولة تجيب ميه ورياح جافة متمطرشي، ورياح بتساحل في الساحل تتبع تعريجة وتمشي، ورياح بتغير وجهتها ورياح تمشي متحودشي، أنا عقلي اتلخبط فين ديا وديا وبين ديا وديا ما أفرقشي، حاجة غريبة بأدخلها بالعافية في مخي ما تدخلشي..
هذا غير قصائد كثيرة جعلت منه شاعر الكتلة الوفدية، اتسمت بالطابع السياسي انتقد فيها "مصطفى النحاس" زعيم الوفد. ومن حسن الطالع أن هيئة قصور الثقافة تجمع التراث الشعري للبابا "شنودة" لتصدره في كتاب تذكاري أعتقد أنه سيضيف كثيرًا للمكتبة الشعرية.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com