قطع 50 شابا طريقا مؤديا الى قاعدة عسكرية دولية صغيرة في صحراء سيناء المصرية ولم يعلنوا شيئا عن هويتهم لكن مظهرهم أوحى بالكثير، كان الشبان الملتحون يرتدون الزي العسكري ويحملون بنادق كلاشنيكوف مما يشير الى صورة المتشددين الإسلاميين الذين يعلو صوتهم كثيرا في هذه المنطقة في مصر.
ولا يلاحظ الخارج المنبهر بالثورات في مصر ودول عربية أخرى أن هذا التيار يبني وجودا له في سيناء التي قد تصبح ملاذا جديدا للتشدد المناوئ للغرب في هذه المنطقة الإستراتيجية الفاصلة بين أفريقيا وأسيا والمطلة على البحر المتوسط، وعندما تكلم أحد هؤلاء المتشددين أخيرا مع صحفي شرح له مطالبهم وهي أن تطلق الحكومة المصرية سراح خمسة أشخاص سجنوا في قضايا تفجيرات بمنتجعات سياحية في سيناء قبل أكثر من ست سنوات.
وأضاف المتشدد الذي لم يذكر اسمه وردد شعارات إسلامية بينما كان يجوب مواقع أقامها المتشددون لمحاصرة القاعدة التي تضم عشرات الجنود التابعين لقوة المراقبة متعددة الجنسيات "نحن مستعدون للموت تحت الدبابات في سبيل هذا"، وتشكلت القوة في 1979 لمراقبة معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والتي أبرمت بوساطة أمريكية، ورفض المتشددون في ليلة من الليالي الممطرة النادرة في مارس الحديث قبل الحصول على اذن من رجل أشاروا إليه بلقب "الشيخ" وخرق صوت ذئب هدوء المشهد خارج القاعدة النائية التي تضم مراقبي سلام أجانب من فيجي والولايات المتحدة واسبانيا.
ولم تطلق رصاصة واحدة ورفع المتشددون حصارهم الذي استمر ثمانية أيام في اليوم التالي. ولم يكن السبب في قرار رفع الحصار عن القاعدة هو خوفهم من الاعتقال أو التعرض للهجوم من السلطات المصرية لكن تمت تلبية مطالبهم حيث وافقت الحكومة على إطلاق سراح الرجال المتهمين بالضلوع في هجمات في 2004 و2005 أسفرت عن مقتل نحو 125 شخصا في منتجعات سياحية مطلة على البحر الأحمر في شرم الشيخ ودهب وطابا.
ولم يكن هذا السيناريو للأحداث يخطر على بال أحد قبل عام واحد فقط، لكن سلطة الحكومة المصرية انهارت في مناطق كثيرة في سيناء بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك بعد 30 عاما قضاها في الحكم ليخلف فراغا نشطت فيه جماعات تشدد إسلامي مما يمثل خطرا أمنيا على مصر وعلى قناة السويس الشريان الحيوي الذي يربط أسيا بأوروبا وكذلك على دول مجاورة لمصر مثل إسرائيل، وتنشط جماعات متشددة في الطيف الإسلامي في شبه جزيرة سيناء التي تتساوى في المساحة مع ايرلندا لكن يعيش فيها أقل من مليون شخص وذلك على الرغم من دخول التيار الإسلامي الذي ظل محظورا لفترة طويلة في المشهد السياسي المصري حيث يهيمن الآن على البرلمان ويستعد لتشكيل حكومة.
ويفرض إسلاميون متشددون سلطتهم في بلدات مازالت مراكز شرطة مهجورة فيها منذ الثورة ويروجون تفسيرا أكثر تشددا للإسلام لا يدع مجالا للتسامح الديني بل ويصدم بعض القوى الأكثر تحفظا في العالم الإسلامي، ويلقى باللائمة على متشددين في تفجير ضريح للصوفيين العام الماضي، وهذه الهجمات مألوفة بشكل أكبر في دول مثل باكستان.
وعلى الرغم من أن بعض المتشددين يبدو أنهم يستلهمون فكر تنظيم القاعدة فان الخبراء لا يعتقدون حتى الان أن التنظيم له نشاط في شبه جزيرة سيناء، لكن مع مرور الوقت ومع سعي الدولة المصرية الحثيث لفرض سلطتها يبدو أن هناك خطرا متناميا من احتمال تنظيم الجماعات المتشددة في سيناء صفوفها بشكل أكثر وثوقا مع التنظيم العالمي الذي أصبح المصري أيمن الظواهري زعيمه.
ودفعت مصر ثمنا من اقتصادها لحالة الانفلات الأمني في سيناء بعدما تم تفجير خط أنابيب ينقل الغاز الطبيعي شرقا الى الأردن و إسرائيل 13 مرة خلال العام الماضي، وهناك مخاوف من تفاقم الإضرار الاقتصادية لهذه الحالة، والمنتجعات المطلة على البحر الأحمر في محافظة جنوب سيناء واحدة من الأرصدة الحيوية للسياحة في مصر والتي يعمل بها واحد من بين كل ثمانية مصريين، وقد تتضرر السياحة في هذه المنطقة كثيرا بسبب انعدام الأمن بشكل أكبر.
وقال هنري ويلكنسون المسئول عن التحليل والمخابرات في مجموعة ريسك ادفايزوري "أرى أن هناك احتمالا حقيقيا أن ينمو هذا التهديد ويصبح قضية أكبر بكثير مما هو الآن، "أخشى أن القاعدة، ترى فرصة كبيرة في سيناء"،وحتى الآن يقتصر نفوذ الإسلاميين المتشددين على بلدات فقيرة في الأغلب في شمال سيناء، ويشير البعض الى أن الجماعات التي تنشط حاليا تشبه الجماعات التي جعلت هناك الكثير من المتشددين مصريين والتي تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية.
وتطلق احدى هذه الجماعات على نفسها اسم التوحيد والجهاد وهو الاسم الذي كان يستخدمه جناح تنظيم القاعدة في العراق في أول الأمر، ويلقى باللوم على الجماعة في هجمات عامي 2004 و2005 واتهمت العام الماضي بشن هجوم على مركز للشرطة في بلدة العريش قتل فيه خمسة من أفراد قوات الأمن المصرية، ومن الجماعات المتشددة الأخرى في سيناء جماعة التكفير والهجرة وهو اسم تردد للمرة الأولى في مصر في الستينات من القرن العشرين عندما وجدت جماعات في مصر أرضا خصبة لأفكار إسلامية متشددة تخطت الحدود وأيدت القاعدة وغيرها أيديولوجيا.
ويقول سكان محليون ان نفوذ جماعة التكفير والهجرة نما في شمال سيناء العام الماضي. وقال شاب في الثلاثينيات انضم الى الجماعة قبل عام "أحيانا يكون العنف هو الطريقة لتحقيق أهدافك"، وينحدر الشاب من قرية جبلية خارج العريش وهي البلدة الرئيسية في شمال سيناء. ويشتكي سكان شبه الجزيرة المصرية منذ وقت طويل من إهمال الدولة المصرية لهم، ولم يذكر الشاب ذو اللحية القصيرة اسمه بينما كان يحكي قصصا لأشقاء من أعضاء الجماعة أجبروا والديهم على الانفصال بعدما قالوا أن أباهم كافر.
وأضاف "أنا مستعد للمشاركة في تفجير خطوط الأنابيب، ومهاجمة مراكز الشرطة" لكن عند سؤاله بشأن أهدافه بدا الشاب غير متأكد فتحدث بمواربة وخلط تحرير القدس من السيطرة الإسرائيلية بإقامة إمارة إسلامية في شبه جزيرة سيناء، وفي بلدة الشيخ زويد الواقعة على بعد كيلومترات قليلة عن الحدود مع قطاع غزة بدا أن الفكرة قد اقتربت من التحقق على أرض الواقع، وبدا مركز للشرطة تم تجديده لكنه لا يزال فارغا في الميدان الرئيسي بالبلدة رمزا قويا على انهيار سلطة الدولة. وكتبت شعارات على الجدران تعلن أن سيناء إمارة إسلامية مستقلة.
وقال سعيد عتيق وهو نشط سياسي في الشيخ زويد في إشارة الى اختفاء قوات الشرطة من الشوارع بعد يوم جمعة الغضب أثناء الثورة المصرية "غادرت الشرطة المدينة في الساعة الرابعة عصرا يوم 29 يناير 2011 متجهة الى القاهرة ولم تعد قط" ويقول سكان في الشيخ زويد أن إهمال الدولة وانهيار الهياكل التقليدية للسلطة القبلية سمحا بانتشار نفوذ المتشددين، ويطبق رجال دين في سيناء تفسيرهم للشريعة الإسلامية في محاكم شرعية مستقلة عن سلطة الدولة، ورفعت لافتة تقول "ان الأمر الا لله" على باب إحدى هذه المحاكم.
وقال حمدين أبو فيصل وهو رجل دين سلفي يقوم بدور قاض في الشيخ زويد "الناس بحاجة الى شخص لحل نزاعاتهم ويجدون الحل في المحاكم الدينية"، وأصبح حزب النور السلفي ثاني أكبر حزب في البرلمان المصري بعد حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين بعد الانتخابات الحرة التي أجريت في أواخر العام الماضي،وينبذ الحزب استخدام العنف لتحقيق هدفه وهو تطبيق الشريعة الإسلامية في مصر التي يعيش فيها قرابة 80 مليون شخص.
لكن البعض في الشيخ زويد لا يعجبه نهج حزب النور، وقال محسن أبو حسن وهو عضو في الحزب ان شابا من جماعة التكفير والهجرة وصفه بأنه كافر خلال حشد انتخابي في البلدة العام الماضي،وقال أبو حسن الذي أصبح عضوا في البرلمان لرويترز إن الأمر تحول الى ظاهرة يجب مواجهتها ويجب عدم غض الطرف عنها، وأظهرت كومة الركام عند ضريح الشيخ زويد المدى الذي سيذهب إليه المتشددون في سبيل فرض رؤيتهم للدين، وكان خمسة رجال قد فجروا الضريح الذي يقدسه الصوفيون يوم 15 مايو، ورفع الصوفيون علما أبيض فوق ما تبقى من ضريح الشيخ زويد وهو من أوائل من دخلوا في الإسلام في مصر.
ويقول عبد الوهاب مبروك محافظ شمال سيناء ان الجماعات الدينية مسئولة عن الاضطرابات لكنه ينفي أي وجود للقاعدة أو لعناصر وصفها بأنها "إرهابية"، وتشعر إسرائيل بالقلق وتبني جدارا على طول حدودها الممتدة لمسافة 266 كيلومترا مع شبه جزيرة سيناء، ووصف ضابط إسرائيلي الحدود المصرية الإسرائيلية اليوم بأنها "حدود ساخنة" وألقت إسرائيل باللائمة في أغسطس على إسلاميين متشددين من سيناء في هجمات أسفرت عن مقتل ثمانية اسرائيليين، وأدى رد بهجوم اسرئيلي أسفر عن قتل خمسة من أفراد حرس الحدود المصريين الى توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل.
وانسحبت إسرائيل من سيناء بعدما احتلتها في حرب عام 1967، واستعادت مصر شبه الجزيرة بموجب اتفاقية السلام، وتخشى إسرائيل أن تستخدم حركة المقاومة الإسلامية حماس التي تسيطر على قطاع غزة سيناء كفناء خلفي لشن هجمات على جنوب إسرائيل، لكن الفكر المتشدد الذي أصبح منتشرا في سيناء قد يمثل تهديدا أيضا على مصر نفسها وعلى حماس التي تحارب تشددا يستلهم فكر القاعدة في غزة، وقتل إسلاميون متشددون الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1981 ويعتقد خبراء أن أساليب عنيفة استخدمتها الشرطة المصرية لم تنجح الا في زيادة الوضع سوءا.
وكانت حملة شنتها قوات الأمن المصرية بحثا عن منفذي تفجيرات سيناء في عامي 2004 و2005 قد خلفت غصة في الحلق حيث اعتقلت الشرطة الكثير من الأشخاص واحتجزت زوجات بعض المشتبه بهم لإجبارهم على تسليم أنفسهم، وجنوب سيناء يختلف عن المنطقة الشمالية منها، ويعيش البدو في المنطقة الجنوبية الجبلية المطلة على البحر الأحمر حياة بدوية تختلف عن الحضر في الشمال الذي سكن فيه الكثير في بلدات على طول ساحل البحر المتوسط واختلطوا مع مصريين من الوادي وأجانب كذلك من غزة.
لكن البدو في جنوب سيناء منعزلون أيضا بسبب سنوات من إهمال الدولة وقمعها لهم، ويظهر البدو في الجنوب أيضا مؤشرات على التمرد لكنها لا تتخذ الطابع الإسلامي الذي يظهر في الشمال، وكان بدو قد خطفوا أمريكيين وثلاثة كوريين وبرازيليين في الشهرين الماضيين سعيا لإطلاق سراح أقارب محتجزين، ويعتقد البدو أن هذه هي الطريقة الوحيدة لجذب انتباه الحكومة في القاهرة، ولم يطلب البدو الحصول على فدى وتم الإفراج عن المخطوفين دون أن يلحق بهم أذى بعد إجراء محادثات مع السلطات.
ويقول البدو ان الهياكل التقليدية القبلية في الجنوب وفرت حماية من تسلل الأفكار المتشددة العنيفة لكن مشاكلهم مع الدولة لا تقل جدية، وأنهم لم يشعروا بمكاسب المنتجعات السياحية في شرم الشيخ والتي توفر الوظائف للآلاف من أبناء وادي النيل، وقال الشيخ أحمد حسين العضو في قبيلة قرارشة وهي من كبرى القبائل في جنوب سيناء ان البدو لا يشعرون أنهم مواطنون مصريون، وقال تقرير للحكومة المصرية في عام 2010 ان ربع سكان سيناء البالغ عددهم نحو 600 ألف شخص لا يحملون بطاقة تحقيق شخصية. ولا يسمح للبدو بامتلاك الأراضي أو أداء الخدمة العسكرية.
واستشعرت حكومة رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري المشكلة واتخذت خطوات في الشهور القليلة الماضية في هذا الصدد منذ أن تولت السلطة في نوفمبر تشرين الثاني،وفي محاولة لتهدئة التوتر أمر الجنزوري بإعادة محاكمة المسجونين بعد تفجيرات سيناء،كما أمر الجنزوري بإحياء مشروعات تنمية في المنطقة من بينها طريق للسكك الحديدية وقناة لتوصيل المياه الى وسط سيناء، وقال عبد الله أبو جهامة وهو نائب في البرلمان المصري عن سيناء انه يجب على الدولة تسريع عملية التنمية وإلا ستقع المشكلة الأخطر وهي زيادة أعداد المتشددين في شبه الجزيرة.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com