الوقوف الى جانب مصر لاسترداد عافيتها هو الوقوف الصادق مع الشعب من خلال دعم اقتصاد البلاد، وليس تأجيج الشارع المصري والدفع نحو المزيد من الانقسام والتشرذم.
ليس هناك عربي، يحترم وعيه، لا يقر لمصر بأنها كانت المشعل الذي انار الطريق لاغلب الدول العربية. فهي الدولة والمؤسسة، التي سبقت قيام اية دولة عربية حديثة بقرون، مصر الجامعة والمكتبة، والفن والمدنية، التي انجبت الكبار في مختلف المجالات الابداعية، وهي ايضا، التي تحملت عبء واستحقاقات التحرر للكثير من الدول العربية، بعد قيام ثورة 23 تموز /يوليو التي كانت بداية جديدة لمصر، الاكثر اقترابا من عمقها العربي والحضاري والذي دفعت لاجله الكثير من شبابها ومن تقدمها ونهضتها الحديثة التي تعثرت، بعد الحروب العدوانية عليها في عامي 1956 و1967 ناهيك عن دخولها حرب العام 1948 مع الجيوش العربية بعد تقسيم فلسطين، ومن ثم حرب 1973 التي اعادت للعرب شيئاً من هيبتهم وكرامتهم بعد تلك الهزيمة او النكسة!
للحق نقول، ان مصر ظلت في موقعها هذا مثار حسد وغيرة بعض الحكام الذين وجدوا انفسهم اثرياء بفعل ثروة النفط، وتوهموا، انهم قادرون بامكاناتهم المادية هذه ان يكونوا بديلاً لمصر ودورها الذي تخلت عنه طوعاً اثر توقيع اتفاقية كامب ديفيد العام 1978 بعد ان استنزفتها حروب مدمرة، انهكت اقتصادها المنهك أصلاً، بينما بعض الدول العربية، النفطية، تبني وتتطور من حولها.
في العام الماضي، سقط حسني مبارك، اثر ثورة شعبية لم تكتف باسقاط النظام، وان لم يسقط باكمله، بل مازال بعض "الثوار" يسعى لاسقاط الدولة باكملها، وهو أمر ترك امام المتابعين علامات استفهام كبيرة، حول الجهات التي تقف وراء هذا المسعى المحموم ولا أحد يدري كيف سيكون عليه الوضع في مصر التي تعيش الآن مرحلة تاريخية صعبة للغاية، بعد ان وصلت القوى السلفية والاخوان المسلمون الى مركز القرار، وهو ما يهدد هوية مصر الحضارية والمدنية، وربما يهدد وحدتها ايضا.
الارقام تشير الى ان مديونية مصر بلغت ارقاماً قياسية، بسبب ضعف السياحة التي غدت شبه معطلة، اثناء الثورة، وبعد ان وصل الاسلاميون المتشددون الى مجلس الشعب، وارتفاع اصوات بعضهم في اعادة هيكلة الدولة، وفقا لقناعاتهم الدينية، وهو ما ادى الى تأثر ليس السياحة وحدها بل كافة قطاعات الحياة، وتدهور الاقتصاد بشكل عام.
لقد كانت هناك دول عربية معروفة بثرائها تتمنى ان يتراجع دور مصر او يضعف لكي تحل هي محلها، وقد وقفت بشكل او بآخر خلف الاحداث التي اطاحت بالنظام، ويا ليتها وقفت لاحقا مع الشعب، من خلال دعم الخزينة المصرية، وانتشال الاقتصاد المصري الذي تدهور بعد سقوط مبارك، الا ان هذا لم يحصل، بل حصل العكس ومن خلال دعم الاسلاميين السلفيين وارباك المعادلة السياسية، التي غدت اشبه باللغز اليوم.
ان الوقوف الى جانب مصر لاسترداد عافيتها هو الوقوف الصادق مع الشعب من خلال دعم اقتصاد البلاد، وليس تأجيج الشارع المصري والدفع نحو المزيد من الانقسام والتشرذم، كما تفعل بعض الفضائيات، التي تعكس أجندة باتت معروفة للأسف، ان مصر تحتاج الى وقفة لأن سقوطها في الفوضى يعني كارثة كبرى للعرب جميعا.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com