خلال السنوات الأربع الأخيرة من نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، قام المرشح الحالي لجماعة «الإخوان المسلمين» في انتخابات الرئاسة المصرية محمد مرسي بدور صلة الوصل بين الجماعة وجهاز أمن الدولة السيئ السمعة.
تفاوض مرسي مع أمن الدولة لتأمين مشاركة «الإخوان» في العملية السياسية، بما في ذلك الترشح للانتخابات البرلمانية. وبحسب النائب السابق لمرشد الجماعة محمد حبيب فإن «لدى محمد مرسي علاقات جيدة مع جهاز الأمن»، مشيراً إلى أن «أمن الدولة يفضل أن يكون الشخص الذي يتواصل معه لإقامة علاقات جيدة مع أعضاء الجماعة».
دفع قادة الجماعة بمرسي باتجاه أمن الدولة، لأنهم يعتبرونه صاحب أيديولوجيا محافظة، ما يضمن عدم تقديم تنازلات كبيرة في المفاوضات مع النظام، فضلاً عن أنه يملك خبرة سياسية قديمة، ومن بينها عضويته في الجناح السياسي للجماعة منذ العام 1992، وترأسه الكتلة البرلمانية لـ«الاخوان» بين العامين 2000 و2005.
وورث مرسي دوره في التفاوض مع الأجهزة الأمنية من خيرت الشاطر بعد إدانة الأخير بتهمة الانتماء إلى «الجماعة المحظورة». وفي العام 2005، ساعد مرسي الشاطر في التفاوض مع النظام حول عدد مرشحي الجماعة في الانتخابات التشريعية. وأغضب فوز الجماعة بـ88 مقعداً من أصل 454 نظام مبارك، لذلك يعتبر البعض أن هذا النظام عاقب الشاطر بعدما فشلت المفاوضات في تقليص عدد مرشحي «الإخوان».
ولعل استعداد مرسي للتفاوض مع السلطات يعبر عن سياسة الجماعة المتأرجحة تجاه النظام. وفي مقابلة في العام 2010، قال مرسي «برنامجنا طويل الأمد.. لذلك فإن استعجال الأمور لن يؤدي إلى استقرار حقيقي للوضع».
خلال حكم مبارك، كانت الجماعة تسعى للحفاظ على وجودها، وهذا هو سبب تعاونها مع النظام، ورفضها المشاركة في الاحتجاجات التي برزت خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك، بالإضافة إلى أول أيام ثورة «25 يناير» التي أطاحت بمبارك. وبالرغم من الاعتقالات الكثيرة في صفوف الجماعة في الأيام الأولى للثورة، فقد شارك مرسي في المفاوضات مع نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان التي هدفت إلى وقف الاحتجاجات.
أما دوره الثاني فهو الدفع بالجماعة لتتبنى برنامجاً أكثر تشدداً، بل كان يدعو إلى الإطاحة بالقادة الذين لا يوافقونه الرأي.
وبطريقة التفكير هذه، قاد مرسي جهود «الإخوان» لصياغة البرنامج السياسي في العام 2007، والذي تضمن أحكاماً تحصر رئاسة الجمهورية بالرجال المسلمين، وتأسيس مجلس للعلماء المسلمين يقوم بدور استشاري لمجلس الشعب حول توافق الشريعة والقوانين. وفي العام 2009، عمل مرسي على الإطاحة بمحمد حبيب وعبد المنعم أبو الفتوح من مكتب الإرشاد لاعتراضهما على البرنامج السياسي.
ولا يزال مرسي اليوم صلة الوصل الأساسية مع النظام. وقد تفاوض مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول مواضيع عديدة من بينها شكل الانتخابات البرلمانية وموعدها، فضلاً عن إنهاء مرحلة المليونيات المتكررة.
إلى ذلك، استخدم مرسي نفوذه لضمان أن يلتزم أعضاء الجماعة بـ«حزب الحرية والعدالة» فقط. ولذلك، فقد أمر الشباب الذين عارضوا تأسيس الحزب وبدأوا تشكيل حزب آخر شبابي بالتراجع عن مخططاتهم. ويقول إسلام لطفي، الذي طرد من الجماعة مع زملاء آخرين إن «بعض الأشخاص ومن بينهم مرسي يعتبرون أنفسهم حراس الهيكل».
ومن المتوقع أن يصوت لمرسي في الانتخابات الرئاسية أعضاء الجماعة ومؤيدوها، بينما أصوات السلفيين لا تزال غير واضحة. ومن شأن النزعة المحافظة لمرسي أن تجذب السلفيين الذين يتبنون نسخة أكثر تشدداً للإسلام، ولكن من الممكن أن يؤثر دوره كـ«رجل التنظيم» سلباً على أصوات السلفيين الذين يعتبرون الجماعة جزءاً من التركيبة الوطنية التي تتناقض مع هدفهم في تطبيق متشدد للشريعة.
ومهما كانت نتيجة الانتخابات، فإن مرسي سيحافظ على موقع قوي في الحياة السياسية خلال السنوات المقبلة، عبر سيطرة حزبه على مجلس الشعب، ما سيسمح له بمواصلة توجيه مسار الجماعة نحو اليمين الديني المتطرف، والقيام بدوره كصلة وصل مع السلطات العليا.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com