بقلم: عزمي إبراهيم
ليس من عادتي عرض أو نقاش أموري العائلية بين جيراني وأصدقائي. وليس من عادتي انتقاد رجال الكهنوت في موضوعات خاصة بالطائفة بصورة بحتة على صفحات الجرائد أو المواقع المتاحة للعامة. ولي تعليقات سابقة عارضت فيها إتاحة النقاش العلني لكل من هب ودب ليدلي بدلوه عن خبرة أو غير خبرة في أمور داخلية بحتة. ولكن هنا موضوع يختلف تماماً حيث أنه يتعلق بموضوع أعتقد أنه يكتسب اعتراض الفصيل المسيحي المصري بأجمعه، عرض للعامة فاستوجب الرد على نفس المستوى.
قرأت مدونة من د. نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصرى لحقوق الانسان، الذي أثق في مصداقيته، أن "جاء في تصريحات نيافة الانبا بيشوى مطران دمياط وعضو المجمع المقدس مطالبته الفتيات المسيحيات بالاقتداء بملابس المسلمات".
وأسأل، هل من حق الأنبا بيشوي مطالبة المسيحيات بالاقتداء بملابس المسلمات؟؟
لا.. وألــف لا.
إن من حق نيافة الأنبا بيشوي كرجل دين، كما أنه من حق أي رجل دين مسيحي أو مسلم أو يهودي أو هندوسي أو كنفوشيوسي أو غيرهم من رجال الأديان أن ينصح البنات والسيدات بأن يلتزمن بالحشمة أو التحشم وعدم التبرج في ملابسهن بصفة عامة إلتزاما بتعاليم الدين وتحفظاً على التقاليد العائلية والاجتماعية. هذا حق من حقوق نيافته كرجل دين وواجب من واجباته ومسئولياته.
ولكن دعوة نيافته للمسيحيات للتشبه بالمسلمات في زيهن، أو الاقتداء بهن، أمر بعيد عن الصواب بكل المقاييس ويصعب على مسيحيَ قبوله. ولست أدرك أي منطق أو حكمة دفعا صاحب النيافة للإدلاء بمثل هذا التصريح الغريب، وبهذه الصورة، وفي هذا الوقت!!!
أسأل: هل يرى نيافته أن المسيحيات مبتذلات متبرجات عاريات، ويستوجب ردّهُن إلى صوابهن بالتحشم؟؟ لو الأمر كذلك، ألم يكن أولى بنيافته أن يعظ أو يجند حملة للوعظ بذلك في داخل الكنائس والاجتماعات التعليمية وقاعات الخدمات المسيحية على مستوى الدولة.
أو من زاوية أخرى أسأل: هل يري نيافته أن ملابس المسلمات من برقع وحجاب ونقاب أنسب للمسيحيات من الملابس المتحضرة المحتسشمة، وأنه يستوجـب على المسيحيات تقليد المسلمات والاقتداء بهن؟؟
يا صاحب النيافة: المسيحيات والمسلمات المتحضرات وان كنَّ سافرات لسن متبذلات ولا متبرجات ولا يسرن في الشوارع والمكاتب والأسواق عرايا أو أنصاف عرايا أو حتى أقل من ذلك. على العكس، فهن محتشمات معتدلات محترمات لأنهن أولاً تربوا ونشـأوا على ذلك، وثانياً هن يعلمن أن العيون الخبيثة متربصة لتصيد ما يؤخذ عليهن من ذوي الأغراض والنوايا السياسية والاجتماعية والدينية بعيدة المدى. وأزيد أن المسيحيات كما يعلم نيافته يغطين رؤوسهن داخل الكنائس احتراما وتقديراً لقداسة الطقوس والتقاليد.
مع التقدير الكامل لحرية المسلمين في اختيار ما يفضلون لنسائهن من ملابس، أعتقد أن نيافته كامل الدراية بأن مصر في السنوات الحديثة قد فاضت وتفيض بها موجة قاسية من السلفيين الوهابيين المتشددين ينادون بتخزين السيدات المسلمات داخل خيام من الملابس كالعباءة، وتقييدهن بالحجاب والبرقع والنقاب (علاوة على قيود أخرى لإلغاء المرأة ودورها السياسي والعملي والتعليمي والاجتماعي والتقليل من حرياتها بقيود عديدة) وهناك فصيل كبير من المسلمين المثقفين المتحضرين رجال ونساء، بل وبعض رجال الدين الأفاضل، من يحارب هذه الموجة بلا كلل على أساس أنها موجة متخلفة ونابعة من حياة بدوية في عصور انطوت واندثرت ولا تناسب التطور العصري المتمدن.
مرة أخرى، لست أدرك أي منطق أو حكمة دفعا صاحب النيافة للإدلاء بمثل هذا التصريح الغريب، وبهذه الصورة، وفي هذا الوقت!!!
يبدو من تصريح نيافته وجهتي نظر:
أنه يحاول استرضاء أو مجاراة الأغلبية السياسية المتشددة والمتعسفة على حساب المسيحيات.
أو أنه فعلا يستحسن قيود يفرضها متشددون على نساءهم وإن كانت لا تناسب نساءنا المسيحيات.
في كلا الأمرين جانب نيافته الصواب.
مصر والمصريون مسلميها ومسيحييها يعانون في وقتنا الحالي من موجات التزمت والتشدد والتعسف. والأقباط بصفة خاصة والمسيحيات بصفة أقوى، في حاجة للتشجيع والمساندة لا للذبذبة والخلخلة. في حاجة للوقوف عمالقة والاعتزاز بهويتنا والتمسك بها، والصمود لمبادئنا وتقاليدنا المصرية المسيحية السمحة التى اكتسبناها من حضارات مصر العريقة وحضارات العالم المتنور ما دامت مغلفة بالدين والخلق الطيب والآداب الاجتماعية. ولسنا في حاجة لتقليد او الاقتداء بملابس بدوية صحراوية نؤمن أنها لا تناسب مصر ولا بناتها ونساءها من أي دين.
عادة، أسأل نفسي مرتين من المستفيد بمقالي مرة قبل أن أكتبه ومرة قبل أن أرسله للنشر.. وجوابي: المستفيد: أمي وأختي وبنتي وحفيدتي أينما كانوا.
لا يا صاحب النيـــافة... ليس على حساب بنات المسيح.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com