بقلم: جرجس وهيب
عندما اشتعلت معركة التعديلات الدستورية، خلال مارس قبل الماضي، من كان يتابع الفضائيات أو يستمع للحوارات سواء في المواصلات العامة أو داخل المصالح الحكومية أو الخاصة وعلى المقاهي، كان يرى تقاربًا كبيرًا بين الرافضين والمؤيدين لتلك التعديلات، وإذا بنا نفاجئ بوجود فارق مهول بين المؤيدين عن الرافضين للتعديلات، وكأننا كنا في دولة أخرى.
ونفس الوضع ينطبق على انتخابات مجلس الشعب الأخيرة التي أجريت منذ عدة شهور، وأعقبها انتخابات مجلس الشورى.
وقد يتكرّر ذلك الوضع في انتخابات رئاسة الجمهورية التي تمثل الفرصة الأخيرة في وقف المشروع الإسلامي لإقامة إمارة إسلامية بـ"مصر"، وهو المشروع الذي تسعى إليه جميع التيارات والأحزاب الإسلامية، وبخاصة "الحرية والعدالة" الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، إذا لم يدرك المرشحون لماذا يحصل التيار الديني على هذه الأغلبية ومن خلال مَنْ؟
جماعة الإخوان المسلمين لديها ورقة رابحة استخدمتها وسوف تستخدمها في انتخابات رئاسة الجمهورية، وهي قطاع الأميين، وبخاصة السيدات الأميات من كبار السن، فمن خلال متابعتي الصحفية للانتخابات والتعديلات الدستورية ومجلسي الشعب والشورى، وجدت أن أكثر من 60 % من الذين يدلون بأصواتهم هم من السيدات الأميات من كبار السن، وخاصة بالقرى، وتركيزًا أكثر في القرى التوابع (العزب والنجوع)، وهي تمثل جزءًا كبيرًا من "مصر"، وذات كثافة سكانية عالية بسبب ارتفاع معدلات المواليد.
فهؤلاء السيدات يُستخدم معهن أحط أنواع الدعاية الانتخابية، وأخطر أنواع وأساليب التأثير الانتخابي والتجاوزات الانتخابية التي يجب إن تجرَّم، سواء بشراء أصواتهن بالسكر والزيت أو استخدام الشعارات الدينية، حيث يتم تلقينهن معلومات حماسية ومضللة من جانب من يقومون بإحضارهن من المنازل للجان الانتخابية، سواء بالسيارات الخاصة أو وسائل النقل الجماعي أو حتى بالتوكتوك بأنهن أمام اختيارين: إما يريدون إعلاء كلمة الله أو يريدون إشاعة الفوضى والرذيلة.. أو بين الجنة والنار.
فكل استطلاعات الرأي التي تجرى الآن عبر الانترنت أو الفضائيات أو الرسائل القصيرة، كلها استطلاعات لا تعبر عن الواقع الحقيقي واتجاه الانتخابات القادمة، فهناك فئة الأميين بصفة عامة والسيدات كبار السن الأميات بصفة خاصة، وهم بطبيعة الحال والوضع الاقتصادي والثقافي ليسوا من مستخدمي الانترنت، بل لم يسمعوا عنه تمامًا، وقد يكون بعضهم ممن لا يملكون تليفون محمول أو تليفزيون، وهم نسبة جديرة بقلب نتائج الانتخابات القادمة رأسًا على عقب، كما حدث خلال الانتخابات الماضية.
فالسيدات كبار السن الأميات هن الورقة الرابحة لجماعة الإخوان المسلمين، والتي يجب أن يحاول باقي المرشحين، وخاصةً مرشحي التيار المدني، اختراقها والوصول إليها، حتى لا نفاجئ بعد ذلك بنتائج غير متوقعة وعكس استطلاعات الرأي، وبتفوق الدكتور "محمد مرسي"- مرشح حزب "الحرية والعدالة"-.
والوصول لهذه الفئة، من السيدات كبار السن الأميات، لا يكون عن طريق الانترنت أو الفضائيات، وإنما عن طريق حملة لطرق الأبواب من خلال المرشحين، أو على الأقل من أعضاء الحملات الانتخابية لهم، لشرح برامج المرشحين، وتحذيرهن ممن يحاولون شراء أصواتهن عن طريق كيس سكر وزجاجة زيت أو التلاعب بالشعارات الدينية.
فإذا لم يدرك مرشحو التيار المدني خطورة هذه الفئة من الناخبين، فستكون نتائج الانتخابات الرئاسية مثل نتائج انتخابات التعديلات الدستورية وانتخابات مجلسي الشعب والشورى، وفي هذه الحالة ستقع "مصر" في أسر التيار الديني لمدة أربع سنوات، والذي سيعود بنا للخلف وسيمحو الهوية المصرية ويعلي الهوية القومية. ومن يتخيل أن "مصر" ستكون أفضل حالاً في ظل الأحزاب الدينية هو واهم، ويحلم، وسيتحول حلمه إلى كابوس.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com