بقلم نسيم عبيد عوض
النداهة اسطورة منتشرة فى ربوع بلدنا ‘ويقصد بها شخصية مؤنثة وهمية تأخذ من ترغبهم بندائها عليه‘وإذا إنجذب إليها تاه هائما فى حياته ‘لا يعرف له هدف يحيا به ولا يرى غير نفسه ‘ ويعيش وسطنا لا يشعر بمن حواليه ‘يعيش فى وادى والعالم كله فى وادى آخر ‘ ليس مجنونا ولكنه أخذته النداهة ‘ ولا علاج لهذه الحالة وأغلبهم يقعون فى براثن الدجالين والعرافين الى نهاية حياتهم ‘وقد رأيت أنا يوما ما شخصا مثل هذا فى شوارع كوم أمبو تائها فى الطريق ولا يعبأ به أحد ‘وعندما سألت ‘قالوا أصله مع النداهة. ولعل قصة العبقرى يوسف أدريس المشهورة بهذا الإسم ‘ أوضحت مفهوم هذه الاسطورة فى حياة بعض البشر.
وفى رحلتى الأخيرة الى مصر بلدى الذى دائما أفتخر به‘وقضيت فيه أكثر من خمسين يوما من أواخر مارس الماضى ‘ كنت أعيش وسط الناس وأتجول بين مناطق كثيرة فى القاهرة وبين مدن أخرى عديدة فى مصر سواء فى جنوب البلاد أو فى دلتاها ‘ فى وسط المكاتب الحكومية وغيرها ‘ ورغم المعاناة فقد عشت كمصرى فى بلده وحياته اليومية ‘أستمع طويلا وأتناقش قليلا ‘عينات مختلفة من بشر بلدى‘ صور مضيئة وأخرى مختلفة الألوان ‘ ولكنها تجربة ثرية أفادتنى الكثير‘ وهى متعة أن تتجول بين الناس وتتحدث معهم وتتجادل مع آرائهم ‘والذى عاشرته أن الجميع يتشوق للتكلم والنقاش ‘ومن هنا كان السمع أفضل للمعرفة.
ولكن ماعلاقة "النداهة " بهذا الكلام ‘فلقد إكتشفت أن مصر كلها أخذتها النداهة ‘ ولكل فئة نداهة خاصة به ‘ فمنذ 25 يناير 2011 والبلد كلها هائمة وأحيانا تائهة ‘لا تعرف الطريق ولا الهدف والمسار ‘تكلمها ولا تستمع ولا تسمع لأنها مع النداهة ‘ وأية نداهة أخذت مصر ‘ ثورة الشباب فى ميدان التحرير ‘ومازال يملئ الميدان كثيرون أخذتهم النداهة وتلف بهم الدنيا ‘ يعتقدون أنهم قد صنعوا ثورة ومازالوا فى هذا الثوب حتى اليوم ‘ وآخرون أصعدتهم النداهة من تحت الأرض حيث كانوا يترقبون ‘فخرجوا ليحصدوا الثمرة ‘وبذقونهم وبطاعة مرشديهم ‘خرجوا وتاهوا فى البرارى والبقاع يحصدون أصوات الناس ‘فحصلوا على أغلبية مجلسى الشعب والشورى ‘ وفى طريقهم ليكملوا المشوار حسب قيادة "النداهة " لهم فالخلافة الإسلامية هدفهم للسيطرة الكاملة على مصر البلد والتاريخ والحضارة ‘ ويقدموها هدية للمرشد العام يتصرف فيها كيفما شاء .
ولا أستطيع أن أفهم حقيقة مايدور فى عقول غالبية شعب مصر ‘ على إختلاف طوائفهم وفئاتهم وثقافتهم ووضعهم الإجتماعى ‘ هذه الغالبية يقال أنها فقيرة معدمة ‘ولكنك لاترى بعينيك أين يقبع هذا الفقر ‘ فالخير تراه فى كل شوارع مصر ‘والجميع متكالبون على الأكل والشرب ‘ ويتزاحمون على الشراء بشراهة عجيبة ‘ وتخرج مئات الجنيهات من الجيوب بسهولة و كثرة ‘ وحتى السايس وهو يشخص تصطدم به فى كل شبر من شوارع مصر ‘ لو حسبت دخله اليومى ستجده بالمئات ‘ والواقع أن الغالبية الآن يحيون ة فى شوارع مصر ومكاتبها ‘قد عاشوا مع النداهة طوال حياتهم ‘ أو على الأقل منذ مالايقل عن سبعين عاما الماضية من حياتهم‘ فأصبحت نداهتهم حقيقة واقعة ‘وهم راضيين ويحيون يومهم ولا يعبئون بغدهم ‘ لأنه مجهول بالنسبة لهم ولا يفكرون فيه .
ومنذ أكثر من شهر مضى وكل شخص تقابله فى أى مكان ‘ ليس لديه إلا سؤال واحد لا غير ‘ "حضرتك هتنتخب مين ؟" ويقصدون لرئاسة الجمهورية ‘وستجد أن كل مصر تسأل هذا السؤال ‘ وعندما تتمادى فى النقاش مع هؤلاء وهم غالبية الناس ‘ تجد أنهم فى حيرة لمن سيعطون صوتهم ‘فالناس الذين صوتوا بنعم على الإستفتاء المشهور "غزوة الصناديق " نادمون أشد الندم على قولهم نعم ‘والذين أعطوا صوتهم للسلفيين ولجماعة الإخوان المسلمين فى إنتخابات مجلسى الشعب والشورى ‘أكثرهم آسفين ويعذبون أنفسهم كيف صوتوا لهؤلاء البشر ‘والإعلام المصرى تائها أيضا بين هذا وذاك ‘ وقد سألنى الأستاذ هانى الجزيرى فى برنامجه التلفزيونى نفس السؤال ‘وقد تحيرت كثيرا فى الإجابة ‘ فأنا لا أتمنى أن ينتخب محمد مرسى أو عبدالمنعم ‘ وإذا نجح أحدهم ستكون مصر فى حالة لم يسبق لبلد فى العالم أن مر به ‘ حيث تكون السلطة التنفيذية (الرئيس)والتشريعية (البرلمان ) وبالتالى القضائية فى يد الإسلاميين ‘ يسيرهم شخص واحد هو المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ‘ولا أيضا عمرو موسى المتلون والمتسلق ‘ شخصية لم يحدث طوال مناصب كبيرة وخطيرة منحت له ولم يصنع فيها شيئا يذكر ‘ فكيف سيسير أمور مصر ‘ وأيضا الفريق أحمد شفيق ‘ ومدنيين أمثال حمدين صباحى وخالد على المفضل عندى من جميعهم ‘ حيرة مابعدها إلا "النداهة" وترحم شعب مصر وتنتخب له شخص قائد حازم ‘مدنى يقاوم تيار الإخوان والسلفيين ‘ويسحب الغطاء الأسود من فوق رأس مصر ‘ ويعيدها الى الأمن والأمان ‘يحيى الديمقراطية ويعيد الحريات للشعب ‘ويجمع طيور الظلام فى سلة واحدة ويسقطهم فى ماجور مغلى ‘ليتنفس شعب مصر هواء نقيا خاليا من كل فساد ‘وإذا لم تكن قد أخذتنى أنا أيضا النداهة ‘أقول أن هذا الشخص المناسب لقيادة مصر على الأقل الأربع سنوات القادمة هو شخص أحمد شفيق. والكلمة الأخيرة لإلهنا المبارك دائما لشعبه مصر.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com