بقلم : مهندس عزمي إبراهيم
فلنشكر الله صانع الخيرات. ولتشكره مصر الغالية، مسلموها ومسيحيوها، فكل شيء يتم بمشيئته لأمر هو يعلمه ويدبره لصالح البشر حتى وإن بدى لبعض الناس مكروهاً.
فقد دبر الله أن يثور شباب مصر على حكم الطغاة في ثورة يناير 2011، ثم دبر الله أن ينقضُّ الأخوان والسلفيين والجماعات على الثورة بعد امتناعهم عن الاشتراك فيها انقضاض الذئاب على الفريسة فاقتنصوها عنوة من بين أصابع الثوار الأحرار حين كانت دماء الكثيرين منهم ما زالت حارة تصيغ أسفلت ميدان التحرير بلون الحرية الحمراء. ثم دبر الله أن ينتخب شعب مصر مدخلاً لدستورها بهوجة الارهاب والتخويف والترغيب عازفين نغمة الدين (محرفين أوتارها) في آذان الأميين والبسطاء مثل ("لا" ستؤدي إلى جهنم) و("نعم" ستؤدي إلى الجنة) و(الليبرالية ضد الإسلام) و(الديموقراطية كفر).
ثم دبر الله أن ينشر الأخوان والسلفيين والجماعات الفوضى الأمنية في أركان الوطن، فعمت به موجات إرهاب وقتل أبرياء، وتدمير وحرق منشئات، وتهجير مواطنين من مواطنهم، وقطع السكك الحديدية وفصل جنوب مصر عن باقيها، ورفع رايات دول أجنبية والهتاف باسمها على أرض مصر وفي أعظم ميادينها (وهي خيانة عظمى)، وفساد القضاة بعفن الطائفية مما أساء إلى سمعة قضاء مصر وعدالته وكرامته بل وسمعة مصر وكرامتها بين دول العالم.
ثم دبر الله أن تنتخب مصر برلمانها الحالي من نواب وصلوا على شعارات وارهابات دينية مغرضة وحملات تضليل ورشوات وتزويرات شملت البلاد من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها. فانتهينا ببرلمان ديني وأقول "ديني" تجاوزاً، فليس بهذا الوصف من الدين ذرة. برلمان سطحي وتظاهري تفتتح جلساته بالآذان الكريم من "نائب" معجب بصوته ناسياً أن الآذان لدعاء البعيدين وإيقاظ النائمين لأداء الصلاة، إلا إذا ظن سيادة النائب الهمام أن قاعة المجلس قرية أو عزبة وأن النواب بالمجلس نيام.
دبر الله لنا برلماناً لمصر اليوم تجلس على كراسي مجلسَيه "كفاءات تشريعية" تدرس وتناقش أهم مشاكل مصر الجنسية مثل ختان الأناث وتحليل زواج الصغيرات في سن الثانية عشرة ومضاجعة الزوجة الميتة، وارجاع المرأة إلى منزلها كماعون لاستيعاب افرازات الرجل. وربما أمامهم ملفات مواضيع هامة مماثلة كإثبات عذرية البنات وارضاع الكبير وأنواع الزواج وأوضاع الممارسة وغير ذلك كثير من الجنسيات التي تهمهم أكثر من مشاكل مصر الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والأخلاقية والانتاجية والأمنية والفقر والجوع والبطالة، وغيرها.
أقزام سكنوا برلمان مصر الذي شرَّف كراسيه عمالقة وطنيون فطاحل وعظماء في كل مجال في عصر زعيم الأمة وعظيمها سعد زغلول ومصطفى النحاس وجمال عبد الناصر وزملائهم من قادة مصر المسلمين المؤمنين والمسيحيين المخلصين الجادين غير المتشدقين بالدين ولا مستعملينه وسيلة لتحقيق أطماعهم في عصر نهضتها المشرِّفة.
أعود لبدء المقال. فلتشكر مصر الله ، فكل شيء يتم بمشيئته ولأمر لا يعلمه إلا هو. يدبره لصالح البشر حتى وأن بدا لبعض الناس مكروهاً. فقد قيل "الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه" كما قيل "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم" وأيضاً "رُبَّ ضارةٍ نافعة"
شاء الله أن يرينا أمثلة حية واقعية من تصرفات وقدرات من انتخبناهم نحن (راغبين، أو مرغمين، أو مخدوعين). انتخبناهم ليرعوا مصالحنا ويحلوا مشاكلنا الاقتصادية والتشريعية والأمنية والاجتماعية والصحية والتعليمية والسياسية خارجياً وداخلياً... فاكتشفنا ما توقع العاقلون منا أنهم مُدَّعوا دين سلطويون دنيويون متسترون خلف الدين، خاوين من الخبرة والكفاءة، فكل ما يهمهم أن يصلوا إلى الحكم والسلطة بكل وسيلة ممكنة من اقتناص وسرقة وارهاب وترغيب ووعود وعهود وزيف وغش وخداع وتضليل وتعاقدات سرية مع بعضهم البعض، وحتى مع أعداء البلاد من دول الغرب والشرق، وحتى مع من يسمونه العدو الأول إسرائيل.
أراد الله أن نرى الأخوان على حقيقتهم بعد أن وصلوا ألى أشرف وأعظم مجلسين بمصر مجلسي التشريع وبعد أن خلعوا الأقنعة. رأيناهم ورأينا ما لديهم من كفاءات وقدرات وخبرات أو بالأصح اللا كفاءات واللا قدرات واللا خبرات.واللا إخلاص لمصر والمصريين.فمبدأهم كمبدأ مرشدهم الأعلى القائل "طظ في مصر واللي في مصر."
الشكر والحمد لك يارب.
رشحت الأخوان محمد مرسي لرئاسة مصر. وكلنا نعلم أن مرسي لو نجح لن يكون الرئيس الفعلي لمصر بل هو مجرد عضو أخواني كباقي أعضاء "الجمعية" أو "الجماعة" تابع وتابعين سامعين مطيعين لمرشد الأخوان الذي يعطي (وسيعطي مرسي رئيس مصر المستقبل لا قدر الله) تعاليمه وتوجيهاته وأغراضه وأهدافه. سيكون رئيس مصر حينئذ دمية تتحرك بأصابع يد سلطوية عليا. وستكون مصر ليست جمهورية مصر الحرة المستقلة، بل ستكون "ولاية مصر الاسلامية" التابعة لمخيم الخلافة الاسلامية العليا. شأنها شأن ولاية الصومال وولاية اليمن وولاية السودان وولاية نيجيريا وولاية أفغانستان وغيرهم.. ويحكمهم جميعاً الخليفة، الحاكم الديني الأعلى، مرشد الأخوان الذي قال قولته الشهيرة على ملأ من الاعلام المحلي والعالمي: "طظ في مصر واللي في مصر."
لماذا؟؟ لماذا قال المرشد ذلك؟؟ لأنه في حقيقة الأمر وجوهره لا تهمه مصر ولا الصومال ولا نيجيريا ولا السودان ولا أفغانستان.. ولا شعوبهم.. بل كل ما يهمه ويهم الأخوان الســــــلطة والسلطـــان.
أستسمح القاريء في سرد تجربة شخصية حقيقية لها علاقة بموضوع المقال.
في عام 1977أرادت الشركة الهندسية الأمريكية التي أعمل بها بأمريكا فتح فرعاً لها بإيران للهندسة الاستشارية وتصميم المشروعات والمنشئات المعمارية. وفعلا تم افتتاح الفرع بطهران وتعيين مهندسين ومساعدين إيرانيين. وعرضَتْ عليّ الشركة رئاسة ذاك الفرع والإقامة بطهران بمرتب ثلاث أضعاف مرتبي حينئذ بالإضافة إلى فوائد عينية أخرى. رفضت العرض قائلاً إذا كان لا بد أن ينشأ أولادي بدولة غير أمريكا فلتكن وطني مصر. ولكني عرضتُ علي رئاسات الشركة أن أقوم بإرساء القواعد الإدارية والتسويقية والفنية والهندسية للفرع وادارته مؤقتاً لحين تعيين مدير دائم له. سافرت إلى طهران وكان الشاه رضا بهلوي ما زال يحكم إيران. أدهشني لأول وهلة من نزولي بالمدينة ثم الاقامة بها لمدة 29 يوماً كمية وأحجام ونوعيات المشروعات الإنشائية والمعمارية والصناعية الجارية بها وبضواحيها، علاوة على المدن الأخرى بأنحاء إيران. كانت إيران مرتعاً لنشاط كثيف لشركات إيرانية وشركات من أمريكا واليابان والصين وألمانيا وروسيا وإيطاليا وانجلترا وفرنسا وغيرها. وكان هناك خبراء وعلماء ومهندسين وفنيين وعاملين من كل تلك الدول علاوة على الدول العربية والهند وباكستان. وأذكر أني دعيت إلى حفل فاخر في منزل سفير المانيا بطهران ضم سفراءاً وضيوفاً من أرقى ممثلي دول العالم الحر وغير الحر من كل أنحاء المعمورة.
المهم. قمت بمهمتي وعدت إلى أمريكا. ومالبثت أن هبت الثورة الخومينية الاسلاميةعلى إيران في عام 1979، التي انتهت بطرد الشاه وأسرته ونظام حكمه. وتحولت إيران من حكم ملكي متفتح إلى حكم ديني متعسف (أو ما يسمى خطأ ديني) بتولي الخوميني، أو آية الله الخوميني، واسمه روح الله بن مصطفي بن أحمد الموسوي الخميني.
تسلطن الخوميني على إيران وفرض الدولة الدينية عليها. وتدريجيــــاً ذاق أهلها المثقفين والغير مثقفين الكبت والقمع والقتل والسجن والاعتقال والأحكام المجحفة الغير إنسانية كالرجم والجلد والسحل والتكفيرمنذ حينئذ وحتى اليوم. ولولا أموال البترول بإيران لسادها الفقر والجوع والمرض والخراب. وبالاضافة إلى هذا وذاك اندثرت من إيران المشروعات والانشاءات والابتكارات والمساهمات العالمية (إلا من أدوات الدمار كالأسلحة البوليسية والأجهزة المخابراتية ووسائل التجسسية والمهمات الحربية والطموح للتسلح النووي) وكلها أدوات للخراب والحرب والعداء والدمار. وكلما حاول شعب إيران أن "يتفلفص" من تحت الحكم الديني العسكري السلطوي المخابراتي التجسسي المتخلف، كلما زاد سفك الدماء والاعتقالات والقيود والجلد والرجم والسحل والتكفير على المواطنين الأبرياء ولن يُكتـَب للإيرانيين أن يروا نور الحرية إلى أجيــــــال طـــــوال.
أخوتي بنـو مصر المسلمين قبل المسيحيين.
لقد تكرَّم الله علينا بعيِّنة ملموسة من حكم الأخوان ببرلمان مصر الحالي، أثبتت عدم كفاءة وعدم قدرة الحكم الديني لتقدم مصر وبنيها. ليس من العسير عليكم أن تروا النور من الظلام، والحق من الضلال، والصدق من الخداع. لا تغركم الشعارات الدينية فلا يقصد بها الدين من قريب أو بعيد. مصر مؤمنة منذ فرعونيتها ومسيحيتها واسلامها ترعى الأديان وتقيـِّمها وتلتزم بها. أما شعارات الأخوان والمتأسلمين فمغرضة. جوهرها وترجمتها الصادقة: السلطة والكبت والقمع والمعتقلات تحت ستار الدين.
إقرأوا التاريخ واستوعبوا دروسه... تنجح الشعوب في طرد السلطات العسكرية. فشعوب كثيرة نهضت من تحت نير حكم العسكر المتعسف في أيام. وبضعة أيام بدأت في 25 يناير 2011 في مصر تشهد بذلك. وليس من السهل لشعب التخلص من السلطات الدينية حين تجثم على صدور الشعوب وتتمكن من كبنها وقمعها عقوداً وقروناً. لي اتصالات طيبة ببعض الأصدقاء الإيرانيين. وبدون مبالغة، شعب إيران يبكي اليوم دماً وندماً، ولا يمكنه النهوض من تحت نير ما يسمى بحكم الدين الذي ليس له من الدين إلا اسمه.
فيا مصر، الأمر اليوم بين أيدينا. والاختيار واضح كالنور لا لبس فيه إلا لمن يسمح للمغرضين بوضع الغمامة السوداء على عينيه بشعارات ودعايات كاذبة مضللة.
لو أسأتِ الاختيار يا مصر باختيار مرسي اصبع الأخوان السياسي الدنيـوي السلطوي.. فلن يفيـد حينئـذ نــدمٌ.. ولن يفيــد البكـاء غــداً.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com