Birds of Darkness – The Movie
بقلم- أنطوني ولسن
عندما خرج الزعيم "عادل إمام" للجماهير منددًا بتفجيرات "شرم الشيخ" قائلاً: "لا للإرهاب... لا لطيور الظلام"، شعرت بعودة تلك الرغبة الملحة للكتابة عن فيلم "طيور الظلام"، إنتاج وتأليف السيناريست الأستاذ "وحيد حامد"، وتمثيل الزعيم "عادل إمام" فنان "مصر" الأول، وشاركته الفنانة القديرة "يسرا"، مع الممثل الكبير "نظيم شعراوي"، وكل من: "جميل راتب"، و"أحمد راتب"، و"عزت أبو عوف"، و"نهال عنبر"، والذي أخرجه المخرج "شريف عرفة"، ووضع الموسيقى التصويرية "مودي الإمام".
هذا الفيلم شد انتباهي كغيره من أعمال السيناريست العظيم "وحيد حامد"، الذي يملك هذه الملكة التي يستطيع بها أن يغوص في أعماق المجتمع المصري، ممسكًا بيد مشرطًا وبيد أخرى مصباحًا قويًا يسلطه على الجرح قبل أن تمتد يده الأخرى الممسكة بالمشرط لتبدأ عملية فتح كل موضع يسبب الألم الحاد في جسد هذا المجتمع المثقل بالأمراض النفسية منها والاجتماعية والدينية والاقتصادية.. يقطع بالمشرط ويترك القطع أمام المشاهد ليرى ما بداخل هذا الجرح من صديد وقيح وأورام، بعضها خبيث لا يمكن علاجه والبعض الآخر يحتاج ليد جراح ماهر يستطيع استئصال الداء الذي يكاد أن يفتك بهذا الجسد المريض الذي أعياه الإهمال وعدم الرعاية أو العناية به.
في بداية الفيلم، وفي شقة المحامي "فتحي نوفل"- عادل إمام- نراه ممسكًا بكوب شاي يحتسي منه، وشباب الحي يلعبون كرة أمام المنزل، ويضرب أحدهم الكرة بقدمه فتطير وتدخل شقة المحامي الذي يلتقطها ثم يضربها بقدمه فتطير في الهواء، وتسقط فوق زجاج سيارة فتحطمه، ونعرف أن سائق السيارة كان في طريقه إلى "فتحي نوفل" المحامي مرسلاً من طرف الأستاذ "شوكت عطية"- نظيم شعراوي- الأستاذ الكبير في القاهرة.
يقدم "حسونة"- عزت أبو عوف- القضية المرسلة من الأستاذ إلى المحامي "فتحي نوفل"، ويعرض عليه مبلغ ألفين جنيه ليطلع على القضية ويدرسها ويكتب حيثياتها، التي بناءًا عليها يستطيع الأستاذ "شوكت" الترافع في هذه القضية بأسلوبه وشهرته في الوسط القضائي.
يرفض المحامي "فتحي نوفل" القضية طالبًا عشرة آلاف جنيه، على الرغم من أن معظم أتعابه عن أي قضية يترافع عنها "كيلو كباب وكفتة وزجاجة خمر مغشوشة".
يعود "حسونة" بالقضية إلى "القاهرة" ليخبر الأستاذ الكبير بما قاله "فتحي نوفل" المحامي.
في اليوم التالي يذهب المحامي "نوفل" إلى المحكمة الإبتدائية في المدينة التي يعيش فيها، والتابعة لإحدى محافظات "مصر"، ليترافع عن "مومس" قٌبض عليها في قضية آداب.
جلس في قاعة المحكمة يشاهد سير القضايا ومزاج القاضي، فيُفاجأ بقاضٍ متشدد دينيًا لأنه حكم على رجل بغرامة 500 جنيه لأنه قبل ابنة شقيقته التي لم يرها منذ 4 سنوات، وعندما اعترض محامي المتهم مؤكدًا أن الرجل قبل الفتاة في الطريق العام، فكان رد القاضي وكيف يعرف الناس أنه خالها؟.. هذه قضية حقيقية حدثت في "القاهرة"، وصدر حكم بالغرامة بالفعل.
خرج المحامي "فتحي نوفل" يبحث عن زميله المحامي الذي اتخذ الناحية الدينية طريقًا له، ليطلب منه أن يدافع عن موكلته، المقبوض عليها بتهمة الغاء.
يستطيع المحامي أن يقنع القاضي بعد أن تلا عليه بعض من الآيات القرآنية ليثبت براءتها.
يأتي الأستاذ بنفسه إلى حيث يقيم "فتحي نوفل" المحامي، ويتفق معه على أنه لو أنهى القضية سيحصل على 20 في المئة من أتعابه المتفق عليها مليون جنيه، أي نصيبه مئتي ألف جنيه. يعطي "حسونة" القضية لـ"نوفل" وعشرة آلاف جنيه وزجاجة "ويسكي".
هذا خط من ثلاثة خطوط رسمها المؤلف، كل منها يمثل شريحة من المجتمع المصري.. خطوط متوازية ولا تلتقي أبدًا، وإن اعترضتها خطوط أخرى، ولكنها لا تثنيها عن المضي في الإتجاه الذي رسمته لنفسها، وهو الاستيلاء التام على البلد.
الخط الذي اتخذه "فتحي نوفل" المحامي أستطيع أن أطلق عليه "الخط الانتهازي"، ينتظر الفرصة المواتية لينتهزها للوصول إلى الهدف، أما الخط الثاني فيمثله المحامي "علي الزناتي"- رياض الخولي- الذي ترافع عن "سميرة"- يسرا- التي ضُبطت في قضية آداب، وقد استطاع أن يقنع القاضي المتشدد ببراءتها.
هذا الخط الثاني هو الخط الديني، والذي بدأ يظهر وينمو ويكبر في "مصر" منذ عام 1976.
تعالوا نتابع هذا الحوار بين المحامي "فتحي نوفل"- عادل إمام- الانتهازي، والمحامي "الزناتي"- رياض الخولي- المحامي الديني الذي عرض على المحامي "نوفل" الذهاب إلى "القاهرة" ليكون له مكتب خاص به، فيسأله "فتحي"..
- فتحي: مع من سنعمل وما هو المقابل؟
- علي: مهمة المكتب الدفاع عن أصحاب الدعوة والمكتب هدية.
- فتحي: ماحدش بيقبل هدية من غير ما يعرف مصدرها.
- علي: مصدر شريف وطاهر، تبرعات أهل البر والتقوى، وأموال الزكاة، ودعم قوي من دول غيوره على الإسلام.
- فتحي: ومن إمتى كانت أموال الفقراء والمساكين بنعمل بيها مكاتب محامين؟.
- علي: يووه.. ما توجعش دماغي بقى.. احسب لنا كام سنة متخرجين عملين إيه لغاية دلوقتي.. أوعى تكون فاكر إحنا محامين.. إحنا شغالين على الفتافيت.. العرضحالجية بيكسبوا أحسن مننا.. الفرصة لو تجيلك علشان تعمل لك قيمة أوعى تقول لها لأ.
- فتحي: يعني المسألة..
- علي "مقاطعًا":.. مصلحتك فين.
- فتحي: ح تاخد فلوس آه، بس أوعى تنسى إنك ح تكون ضد الدولة.
- علي: وليه ما تقولش من الثائرين؟ الظاهر إنك بتحب تترافع عن المطلقات والأرامل وبنات الليل.
- فتحي "بعد فترة صمت قصيرة": أنا زيك بالضبط مستني الفرصة، بس الفرصة اللي على مقاسي وح تيجي.
يظهر نشاط محامي الجماعات الإسلامية في القضية التي رفعها على وزير الثقافة وعلى المحافظ وعلى مدير الرقابة، يطالبهم برفع إعلانات السينما من الشوارع، ويكون تعليق المحامي "فتحي نوفل" على نشاط المحامي "علي الزناتي"، والذي علق عليه الزملاء أنه دعاية عن نفسه، فيكون رد "فتحي"..
فتحي: علي الزناتي يعمل إعلان آه.. بس مش إعلان عن نفسه، دا إعلان عن تنظيم.
يكسب الأستاذ الكبير القضية، ويأخذ "فتحي" أتعابه، ويذهب إلى "القاهرة" ومعه "سميرة"، التي قبلت العمل معه، وتترك مهنة "البغاء" على الرغم من أنها سوف تتقاضى 500 جنيه فقط بدلاً من ألف جنيه الذي كانت تكسبه في الشهر من "البغاء".
وفي الشرفة العالية في الأوتيل ينبهر "فتحي" بمنظر المدينة، فيقول...
- فتحي: البلد دي اللي يشوفها من فوق غير اللي يشوفها من تحت.
- سميرة : إنه أحلى .. اللي فوق واللا اللي تحت .
فتحي : اللي عايز يشوفها حلوة على طول يشوفها من فوق دايما .
سميرة : أول مرة تسكن في العالي .
فتحي : أول مرة .. بس مش ح تكون آخر مرة .. تحت فيه خنقه .. زحمة وفقر وهوا فاسد وناس ماشية في الشوارع بتخبط في بعض . إحنا خلاص مش ح نعيش تحت تاني .. ح نعيش دايما فوق
ننتقل الى جزء آخر من الفيلم ونجد الوزير رشدي الخيال " جميل راتب " ، يواجه مشكلة ترشيحه من قبل الحزب في دائرة مرشح فيها منافس من أهل الدائرة صعب عليه منافسته فيقترح عليه الأستاذ المحامي الكبير شوكت بك عطيه أن يستعين بالمحامي فتحي نوفل . يوافق الوزير ويبدأ حملة الأنتخابات والتي يتولى إدارتها المحامي نوفل .
يذهب فتحي الى زميل له في الجامعة كان مشهود له بالشعارات الثورية القوية ليستعين به في هذه الحملة .. تعالوا نتعارف على الخط الثالث في دراما هذا الفيلم من خلال هذا الحوار .
فتحي : عايز خبرتك .. أنت أصلك طول عمرك كنت بتفهم في الأنتخابات . كنت أحسن واحد بتاع شعارات . كنت ثوري أنا عارفك .
محسن : " أحمد راتب " هو رشدي الخيال دا ثوري !!.
فتحي : ثوري بقى واللامش ثوري احنا مالنا بقى دا شغل .
محسن : يعني خلاص يعني مطلوب مننا نعمل أي حاجة لأي حد يدفع .
فتحي : سِلو بلدنا كده .
ينتهي الحوار دون موافقة محسن على الرغم من العرض المالي الذي عرضه عليه زميلة فتحي . هذا الخط الثالث الذي يمثله محسن . خريج الحقوق أيضاً ولكنه لا يحب الكذب فيتحول الى مهنة الأرقام التي لا تكذب ويسير في مواجهة الحياة دون انحراف أو تنازل عن مبادئه مهما كانت الظروف .
هكذا نرى ثلاثة خطوط متوازية تشغل حياة الأنسان المصري . الخط الديني المتطرف ، الخط الإنتهازي الذي على أتم إستعداد لبيع نفسه من أجل المنصب والمال ، و الخط المعتدل الذي لا يمكن له أن يفرط في مبادئه أو يبيع نفسه لا من أجل المال أو المنصب ، وهو خط غالبية الشعب المصري المطحون الذي أخذوا قوت أولاده وتركوه يعيش على القليل.
أما التنافس والتطاحن بين الخطين الأولين ينتهي بهما إلى المعتقل حيث تم القبض عليهما كل على حدة ، لكنهما يلتقيان في المعتقل حيث نجد مع علي الزناتي كُرة قدم ويتبادل مع فتحي نوفل اللعب بها ، لكنها تبتعد عنهما بعد أن ضربها علي بقدمه في اتجاه آخر غير اتجاه فتحي . يتوقف الأثنان عن الحديث وينظران الى الكُرة . في لحظة واحدة يجريان صوب الكُرة ويصلان اليها سوياً، يركلها كل منهما بقدمه في نفس الوقت . تطير الكُرة وتخرج خارج المعتقل وتسقط فوق زجاج فتحطمه ..
وينتهي الفيلم كما بدأ .. كُرة تحطم زجاج سيارة ، وكُرة ترتطم بزجاج في المدينة فتحطمه ...
الفيلم مليء بالحوار الذكي . الحوار الذي كان يجب أن تنتبه اليه الحكومة المصرية حتى لا تصل البلاد الى ما وصلت اليه الأن .
التشدد الديني أصبحت له اليد العليا في مصر . وهاهو الصراع بين الحكومة وهذا التيار الديني الذي بدأ يأخذ شكل العلن . وهاهي التظاهرات التي تعلن رفضها للتجديد بالنسبة للرئيس مبارك وترفض أيضا التوريث لنجله جمال . ولربما هذه الأنتخابات الرئاسية لهذا العام 2005 قد تخرج منها الجماعات الدينية والتي على رأسها جماعة الأخوان المسلمين المحظورة ، بصفقة توسع بها نفوذها بأن تشارك في الحكم مع أي رئيس مرشح يفوز في الأنتخابات . وهكذا تكون قد نجحت الآن فيما فشلت في تحقيقه مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر .
لا أحد يستطيع التكهن بما تخبئه الأيام وماذا ستفعل طيور الظلام بمصر ؟؟!!.
الشيء الوحيد الذي أعيبه على الحكومة المصرية والكثير جداً من حكومات العالم العربي وغير العربي .. أنها لا تقرأ .. وإن قرأت فأنها لا تفهم .. وإن فهمت يكون قد فات الآوان وأصبح اصلاح الحال من المحال .
تم نشر هذا المقال بجريدة "" المستقبل " / أستراليا في 27 / 8 / 2005
القراء الأعزاء ، أترك لكم المقارنة بين وقت كتابة هذا المقال وبين ما تعيشه مصر الآن ، ولا شأن لي بتعليقاتكم .. وشكرا .
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com