بقلم- أنطوني ولسن
[عشرون عامًا مضت على رحيلك أيها الأمل الذي عاش جيلنا يتطلع إليه على الرغم من سُحب خيبة الأمل التي اجتاحت حياتنا، والتي مازالت تجتاحها في هذه اللحظة الحرجة التي تعيشها الأمة العربية هذه الأيام.
إلى روحك العظيم يا جمال يا ابن صعيد مصر، نتقدم إليك بكل تحية وتقدير، لكل المحاولات التي بذلتها وضحيت براحتك الشخصية وراحة أسرتك، والتي انتهت بتقديم نفسك قربانًا على مذبح التضحية العظيم، في سبتمبر/ أيلول الأسود من عام 1970.
وقفت في وجه الاستعمار، واستطعت طرده من "مصر" بعد أن فقد الأمل كل مصري وطني مخلص. حرّرت "مصر" من الحكم الدخيل الذي كان ينظر إلى المصري على أنه (فلاح أجير حقير)، علمتنا أن نرفع رؤوسنا عالية لأنه قد انتهى عهد الاستعباد.
حاربت في "اليمن"، ليس من أجل احتلال "اليمن" وضمه إلى "مصر"، لا، بل من أجل مساندة ثورة الشعب اليمني التي قادها "عبد الله السلال". وعلى الرغم من أنك كنت قريبًا جدًا من "السعودية" وجيوشك كانت تستطيع أن تحتلها في طرفة عين، لكنك لم تفكر أبدًا في هذا العمل، لأن "السعودية" بلد عربي مسلم، وإن أخطأ أحد حكامه، فليس معنى هذا أن بقية الشعب والحكام أعداء للقومية العربية ويجب الأطاحة بهم واحتلال أرضهم. لم تفعل هذا يا جمال، بل حافظت على الدم العربي من إراقته بيد عربي آخر.
حلمت بالوطن العربي الكبير، وتحقق جزء من هذا الحلم بالوحدة بين "مصر" و"سوريا". وفرحت يومها وفرح معك كل مؤمن بهذا الوطن العربي الواحد. لكن ماذا فعلت مع الإنفصاليين عندما عملوا عملتهم؟ هل أرسلت جيشك، والذي يعتبر في تلك الفترة أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط كله؟ لا.. لم تفعل هذا أبدًا، بل قلت إن كانت هذه رغبة الشعب السوري فليكن له ما يريد، وظل الكثيرون المحبون للقومية العربية من السوريين مخلصين لك، ويعملون معك في "مصر".
أيضًا عندما قام "القذافي" بثورته وقاد "ليبيا" إلى الحرية، نظرت في عينيه وقلت له: "إني أرى فيك صورة شبابي"، ولم ينس الرجل هذه الجملة..
تمر الأيام والليالي بكل ما فيها من أحزان وأفراح قليلة على الأمة العربية، وتأتي الهزيمة، والتي سامحني لا أعفيك من مسؤوليتك فيها، ومع ذلك تمسك بك الشعب المصري والعربي، وغفر لك كل الأخطاء التي كانت سببًا في تلك الهزيمة، وطالبك بالعودة بعد التنحي، ولم يهدأ له بال إلا بعد قبولك بالعودة إلى القيادة وتحريك الثورة الثانية في "مصر".
يأتي سبتمبر/ أيلول الأسود عام 1970، والأحداث على الساحة العربية لا تشجع على أي عمل عربي يستطيع أن يقف في وجه الاستعمار والصهيونية في "إسرائيل". لقد ضحيت منذ عام 1948 كما ضحى المصري وكل عربي من أجل قضية فلسطين، لكن ماذا حدث في عام 1970 عندما أرادت الجماعات الفلسطينية في "الأردن" الاستيلاء على السلطة، أو هكذا إدّعت السلطات الحاكمة، فقامت تلك السلطات بحصدهم وقتلهم بكل وحشية، ولم يتخيل أحد كيف يقتل الأخ أخاه، لكنها الحياة، دعوت سيادتك إلى قمة عربية، وياليتك ما دعوت.
ماذا فعلت هذه القمم حتى الآن؟ لا شيء سوى أنها قضت عليك! كنت تودع أمير دولة "الكويت" في المطار، وهاجمك المرض الناجم عن ارتفاع شديد في نسبة السكر بالدم نتيجة ما حدث للفلسطينيين والتهريج الذي حدث في مؤتمر القمة، والذى انتهى بإدانة "الأردن". لكن لحساسيتك المرهفة، على الرغم من انتهاء القمة، إلا أنك لم تحتمل، فسقطت صريع الصراع العربي.
أقول لروحك العظيم بعد مرور عشرين عامًا على انتقالها إلى بارئها، إن حلم "عبد الناصر" في القومية العربية لم يتحقق، وأعتقد أنه لن يتحقق، بل أن هذا الحلم تحول إلى كابوس مفزع مرعب كاتم على صدر العرب والعروبة. لقد عاد الاستعمار الذي حاربته وطردته، قتل العربي أخاه العربي واستباح دمه على الرغم من أنك لم تسمح بحدوثه أبدًا. احتل العربي أرض العربي، ومهما كانت الأسباب فأنه احتلال وغزو واستيلاء، لو كنت بيننا ما كان هذا حدث.
وأخيرًا أيها الروح العظيم، شاركنا أحزاننا واذرف الدمع مع دمعنا، لعل هذا الدمع يطهر قلوبنا، ويصحح عيوننا لترى الرؤية الصحيحة لمعنى القومية العربية والأمة العربية.
جريدة "البيرق"/ سدني
سبتمبر/ أيلول 1990]
من ذاكرة كتاب "المغترب"، الجزء الأول، والذي أصدرته في عام 1993.
وما أشبه اليوم بالبارحة...
ما يحدث على أرض الواقع هذه الأيام في "مصر" دفعني إلى إعادة نشر هذا المقال لشدة حاجتنا إلى "عبد الناصر" آخر ليعيد إلى "مصر" هدوءها واستقرارها وأمانها وهيبتها بين الأمم؛ لأن ما هي عليه "مصر" الآن لا يبشر لا بأمن ولا أمان ولا استقرار.
من قرأ مقالي:
مصر والرئيس
إن تولى مرسي الرئاسة... لا أمان
وإن تولى شفيق الرئاسة... لا استقرار
سيعرف أنني كتبت عن رؤية واضحة وصائبة، وسأنقل لكم الجزء الخاص بالرئيس "مرسي".
مصر والرئيس
إن تولى مرسي الرئاسة.. لا أمان
[الشارع المصري في حالة هيجان وغضب وعدم استقرار، تتقازفه تيارات كثيرة، وكلها متضاربة، فيجد المواطن المصري البسيط نفسه حائرًا بين التيار الإسلامي الذي له في قلبه ووجدانه مكانة تعمقت عبر سنوات وسنوات منذ دخول الإسلام مصر وتعاقب الحكام المسلمين على حكم مصر وازداد الفكر الإيماني المسلم في تفكيره وتصرفه وتعامله مع مقتضيات الحياة اليومية، وأصبح المسجد هو المصدر الأساسي لتوجهاته اليومية ومعيشته. لذلك كان ومايزال إمام المسجد هو المؤثر الحقيقي في تكوين شخصية الشارع المصري. ومن الطبيعي إلى جانب الإمام يكون وجود مشايخ الفقه والفتوى تأثيرات مباشرة على الناس، خاصة في أيامنا هذه التي أصبح فيها العالم قرية صغيرة يمكن معرفة كل شيء ومتابعة آي شيء حدث أو يحدث في أي شارع أو حتى حارة صغيرة في أي قرية أو مدينة أو بلد في العالم. ومن الطبيعي التكنولوجيا الحديثة عبر الأثير إن كان تلفزيونيًا أو إذاعيًا عبر فضائيات قربت الوصال والمشاهدة بصورة إعجازية، مما أصبح فيه الإنسان يشاهد ويسمع ويقرأ أي شيء لحظة صدوره مهما كان بعد المسافة بين قائل الخبر ومستمعه أو مشاهده.
مع كل هذه التغيرات التي أثرت تأثيرًا فعليًا وجوهريًا في حياة وتفكير وتصرفات شعوب كثيرة، آمنت بالديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم الغربي، ومن سار على نهجهه. نجد عكس هذا يحدث في الدول العربية، بالتحديد التي تعيش مدنية الحياة الجديدة لكنها لا تطبق شيئًا من الديمقراطية، ولا تعترف بما يُطلق عليه حقوق الإنسان، ويعتمدون على ما تنص عليه التشريعات الدينية السماوية في طرق معيشتهم، بل أنها ازدادت بزيادة مشايخ الفتاوى الذين أصبحوا العقل المفكر للإنسان العربي، مهما ارتقت درجاته العلمية.
لذا، أصبحت الديمقراطية رجسًا من عمل الشيطان يجب إبعاده والبعد عنه، فلماذا نحتاجه وعندنا شريعتنا الإلهية السماوية التي حددت للإنسان المسلم طريق حياته الذي ينقله إليه رجال الفقه والفتوى من مشايخ وعلماء دين؟!.
هذه حقيقة.. لماذا الاحتياج إلى الديمقراطية وكل هذه الهرطقات؟!!
هذا الفكر الرافض للديمقراطية وحقوق الإنسان، أوجد الشخصية المزدوجة التي تتبع السلف الصالح علنًا وتؤيده، بل وتكون أشد تطرفًا وتشددًا عن من ينادون به، وفي الخفاء يتمتعون بالديمقراطية ويؤمنون بحقهم في الحياة والتمتع بها. وهذا في قسم كبير من رجالات السلطة والمال، وبدون شك بعض من رجال الفقه والدين في جميع البلاد العربية المسلمة ومعظم البلاد الإسلامية غير العربية.
هذا يأخذنا إلى ما يعاني منه الشارع المصري حاليًا من هيجان وغضب وعدم استقرار، بسبب تصارع من يريدون حكم "مصر" بعد سقوط نظام مبارك، والاعتقاد بسقوط الجمهورية الأولى من حكم العسكر بحكم إسلامي تُطبَق فيه الشريعة، ويكون الدستور فيه إسلاميًا، وتتحول مصر إلى دولة إسلامية- على الرغم أنها كذلك منذ دخول العرب-. لكن المقصود هنا هو التأكيد على أن تكون مصر إسلامية في كل مناحي الحياة، وبالقانون، ومن يخالف أو تخالف يطبق عليه وعليها حكم شرع الله، وتصبح "مصر" إيرانًا أخرى أو "بنجلادش" أو "الصومال" أو "أفغانستان" أو "السودان"، ومن الطبيعي لا بد وأن يخضع كل من هو غير مسلم مهما كان دينه أو فكره أو انتمائه الفكري. الحجاب لجميع نساء مصر، واللحية والسروال لجميع رجالها، ويكون لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سُلطة رجال الأمن يوجهون الناس الوجهة التي تروق لهم. لا فن، لا بنطال للمرأة، لا تعليم لها، ولا مكان لها في إدارة شئون البلد، والنقاب أفضل لها من الحجاب، والمنزل هو مكانها، والعودة إلى ختان البنات وزواجها في سن صغير. أما عن الأقليات إن كانت مسيحية أو نوبية أو بدوية سوف تكون تحت نير الظلم من الجماعات الإسلامية المتشددة.
وهذا بدون شك سوف يتم لو أن الإخوان والسلفيين أصبحوا القوة الحاكمة في مصر بعد أن تكتمل سلسلة الحكم بفوز الدكتور محمد مرسي بكرسي الرئاسة. سنجد أنفسنا نحكم بنظام رفضه الشعب، فإذ بنا نراه في صورة الإخوان والسلفين.. الرئيس منهم، نواب الرئيس.. منهم، البرلمان بشقيه.. منهم، رئيس الوزراء والوزراء.. منهم، المجالس المحلية..منهم، المحافظين.. منهم، ومن الطبيعي لا وجود لغيرهم من الشعب المصري مسلمًا أو مسيحيًا، إن كان مسلمًا أن ينضم لهم ويصير عضوًا في جماعة الإخوان أو السلفيين، أما المسيحي فعليه السمع والطاعة، ولا مكان له في إدارة شؤون البلاد، ولا يحق له الالتحاق بالقوات المسلحة أو الشرطة، ولا رئاسة أي عمل حكومي. وبهذا لا أمان سيكون في "مصر" لأحد إلا لأتباعهم من المسلمين ولأصحاب الشخصية المزدوجة التي أشرت إليها سابقًا.
وهذا ظهر واضحًا وجليًا في الفترة التي تولت فيها التيارات الإسلامية السيطرة على أول برلمان منتخب بعد سقوط نظام "مبارك"، فقد أظهروا وجههم الحقيقي وما سيقمون بفعله دون مواربة، وبكل بجاحة وصراحة، مما جعل كل مصري يتوجس الخوف منهم، ويفقد الثقة بهم، وبدأت المعارضة ونجاح الدكتور مرسي في الجولة الأولى للانتخابات لم يكن من غالبية الشعب المصري، بل كان من التنظيم الإخواني فقط، وبدون مساهمة السلفيين الذين اصطفوا وراء الشيخ "حازم أبو إسماعيل"، ثم الدكتور "عبد المنعم أبو الفتوح"، وطبيعي ليس من الأقباط المسيحيين الذين تيقنوا من خديعتهم عندما وضعوا نائبًا لرئيس الحزب "الحرية والعدالة" الإخواني نصرانيًا، على حسب قولهم، "لا يهش ولا ينش ولا صوت أو كينونة له".
وهنا حقيقة أقول دون تردد:
إن تولى مرسي الرئاسة.. لا أمان في مصر.]
في خلال أسبوع واحد من تولي سيادة الرئيس الدكتور "محمد مرسي" الرئاسة في "مصر"، حدثت أحداث سبق وتنبأت بها في هذا الجزء الذي نقلته لكم من مقال كتبته في يوم الجمعة 22 يونيو 2012 وتم نشره بعد ذلك. أتمنى من الرئيس الدكتور "محمد مرسي" أن يخاف الله قبل الإنسان في "مصر". "مصر" في حاجة
إلى من يأخذ بيدها ويتجه بها الوجهة الصحيحة، فهل ستكون أنت سيادة الرئيس "مرسي"، أم نبحث عن آخر؟؟!!
سبق واعتذرت عن عدم الكتابة والتوقف لظروف صحية قد تطول، هذه حقيقة، وأعتذر اليوم لتوقفي بالفعل بعد هذا المقال لنفس السبب الصحي. أتمنى لـ"مصر" ولكل المصريين النهوض إلى الأفضل.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com