ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

درس قبطى

بقلم : حلمى النمنم | 2012-07-18 09:28:25

بلغت حالة الاستقطاب ذروتها، وكنا نتصور أن نجاح رئيس الجمهورية فى الانتخابات، وتسلمه السلطة بداية الانفراج وتراجع الاستقطاب، لكنها زادت وتفاقمت حين أصدر الرئيس القرار رقم ١١ لسنة ٢٠١٢ ثم أوقفت المحكمة الدستورية العليا تنفيذه، مع الاستقطاب يولد التشدد وتتراجع الوسطية فكراً وسياسة، ومن ثم نرى الشىء ونقيضه، وفى العادة تكون الأقليات الأكثر تأثراً بالاستقطاب ويكون أكثر انعكاساً عليها، وهذا ما نراه فى الشأن القبطى، فى فترة وجيزة تم الإعلان عن تشكيل جماعة الإخوان المسيحيين، ولم يجد القائم عليها غضاضة من القول إنها نشأت على غرار جماعة الإخوان المسلمين وإنها مكملة لها، هكذا قرر هؤلاء اللعب على الأرضية الدينية والعقائدية، ذلك أن جماعة الإخوان هى بالأساس جماعة دعوية وعقائدية.. وبهذا المنطق فإن المجتمع سوف يصبح مجتمع الديانة والعقيدة وليس مجتمع المواطنة والحقوق الاجتماعية والسياسية للمواطنين جميعاً، بلا تمييز ولا تفريق، مما حدا ببعض المراقبين أن يذهبوا إلى أن جماعة الإخوان المسيحيين هى إحياء لجماعة إبراهيم هلال «الأمة القبطية» فى الخمسينيات، وكانت تأسست على غرار جماعة الإخوان المسلمين.

فى المقابل، وجدنا عدداً من الشخصيات القبطية يرفضون الدعوة للاجتماع بالسيدة هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، يوم الأحد الماضى، بناء على موقف يرى أن المسؤولين الأمريكيين حين يلتقون بالإخوان وحدهم ثم بالسلفيين وحدهم وبعدهم الأقباط وحدهم أيضاً، فهذا يعنى تفريق قوى المجتمع وتقسيمه على قاعدة طائفية، وأرادوا أن ينقلوا رسالة واضحة بأنهم يرفضون الاستقواء بالخارج والاحتماء به، وبالتالى فهم ضد مفهوم الحماية الأجنبية، وكانت السيدة كلينتون قد تحدثت أكثر من مرة عن توقعها أن يتمتع الأقباط بحقوقهم فى ظل الرئيس الجديد.

ذلك هو الموقف القبطى الوطنى تاريخياً، وهو موقف متوقع ويستحق التقدير، وليت الذين هرولوا نحو بعض المسؤولين الأمريكيين تذكروا ذلك المعنى، لكن الطابع البراجماتى وربما الانتهازى يغلب أحياناً كثيرة، خاصة على الأكثر تشدداً فى الأفكار والآراء المعلنة، وصل الأمر أن وجدنا بعض القيادات يرفضون الوقوف أثناء عزف السلام الوطنى المصرى، بينما يقفون إجلالاً للسلام الوطنى الأمريكى.

وفى جو الاستقطاب الذى يلبد حياتنا، لا مفر من الاعتصام بمبادئ وقيم المواطنة والوطنية التى تعلى من دولة القانون، لأننا إذا جررنا جميعاً إلى حلبة الاستقطاب فإن الصدام والصراع قادمان فى النهاية، وربما يكون بيننا من يسعى إلى ذلك ويفضله، ليكون أقصر الطرق من جانبهم لالتهام كل شىء والانفراد بالدولة أو إحداث حالة من الفوضى العارمة وإسالة دماء غزيرة لهدم كل شىء وإعادة البناء من نقطة الصفر ثانية، ذلك مصير مرهق ومكلف، قد نرى بدايته، لكن لا أحد يمكن أن يدرك نهايته ومآله.

حين أدى السيد رئيس الجمهورية اليمين القانونية أمام المحكمة الدستورية ثم ألقى كلمته فى قاعة لطفى السيد بجامعة القاهرة، فإنه نجح بامتياز فى بعث رسائل ود وطمأنينة لجميع أطياف المجتمع، وبدا أن الرجل يفتح صفحة ود أمام الجميع، ولذا هدأت النفوس والعقول، وبدا أن الاستقطاب يتراجع، لكن خبا الأمل سريعاً، لأن قوى التحريض والاستقطاب أشد ولأن مستشارى السوء والبغض تحركوا عن تصور أن صداماً يمكن أن يقع بين الرئيس والمجلس العسكرى وتعود نغمة «يسقط حكم العسكر»، لكن الأمر تحول إلى صدام قضائى مع المحكمة الدستورية العليا، وفتح الباب على مصراعيه، ولابد لهذا الباب أن يغلق، والمبادرة مطلوبة من السيد الرئيس باعتباره حكماً بين السلطات ورئيساً لكل المصريين.

لقد ضرب إخواننا الأقباط مثلاً رفيعاً فى الحس الوطنى والاحتراز من صغائر الأمور السياسية والاستقطاب حين اعتذروا برصانة عن لقاء السيدة كلينتون، ويجب البناء على هذا الموقف ببيان يصدره السيد رئيس الجمهورية لامتصاص الاستقطاب والحد منه، كى نبنى دولة القانون والمواطنة، بلا مغالبة وبلا قهر لأحد أو فصيل.. هل يصدر السيد الرئيس بياناً بهذا المعنى وهل يقدم على خطوة عملية للتهدئة؟

هذا هو وقت الخيال السياسى الذى تحتاجه مصر من السيد الرئيس، حتى يكتمل بناء الدولة. قد ينجح العقلاء فى التهدئة الآن، لكن مبادرة من الرئيس يمكن أن تنهى ذلك الاستقطاب.

نقلا عن المصري اليوم

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com