يوماً ما قال "البابا شنودة" ساخراً في كل رمضان يقدم لنا التليفزيون المصرى هدية تثير غضبنا.. كان البابا يقصد تلك المسلسلات التي تقدم شخصية قبطي مصري ولكنه يرتكب تصرفات غير سوية أو نرى مثلاً في مسلسل مسيحية تحب مسلماً وغيرها من الشخصيات أو المواقف التي لا ترتاح لها في العادة الكنيسة وتثير الكثير من الحساسية لدى قطاع وافر من الأقباط.
هذا العام لدينا أكثر من مسلسل مرشح لإثارة الغضب "أخت تريز" و "عرفة البحر" و "خرم إبرة".. في رمضان الماضي تقدم أحد المحامين الأقباط بدعوى قضائية يطالب فيها بإيقاف عرض المسلسل الدرامي الرمضاني "دوران شبرا".. استند المحامي في دعواه إلى أن الممثلة "نيرمين عصام" تؤدي دور قبطية في المسلسل فهي خطيبة "أحمد عزمي" إلا أنها ترتدي ملابس مثيرة مما اعتبره مسيئاً للأقباط في مصر برغم أن المسلسل الذي جرت أحداثه في شبرا والتي تعتبر أكبر حي فى مصر يتعايش فيه الأقباط والمسلمين بروح ود وتسامح.. كما أن المسلسل قدم رؤية درامية تشابكت فيها العلاقات بإبداع وتسامح بين المسلمين والأقباط ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يعترض فيها عدد من الاقباط أو يتظاهرون في صحن الكنيسة بسبب عمل فني يقدم شخصيات قبطية!!
أعتقد أنه في ظل تواجد رئيس جمهورية "د. محمد مرسي" كان ينتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين وإلى حزب الحرية والعدالة سيزداد الأمر حساسية وسوف يفترض مسبقاً أن هناك من يريد إثارة غضب الأقباط متمتعا بحماية سياسية.
لا شك أن قطاع لا يمكن تجاهله من الأقباط لديه نفس هذه الحساسية تجاه تقديم شخصية الأقباط في الدراما وهو ما يؤدي إلى تخوف الرقابة المصرية بالتصريح للشخصيات القبطية في الأعمال الفنية.. مثلاً حتى الآن لم تصرح الرقابة على المصنفات الفنية وأظنها أيضاً لن تصرح على الأقل في القريب العاجل بعرض فيلم "الخروج من القاهرة" بعد أن تقدم منتج الفيلم "شريف مندور" بطلب عرضه تجارياً وذلك بسبب الخوف من غضب الأقباط وأيضاً تحسباً لاعتراض الكنيسة القبطية في ظل حالة الشحن الطائفي التي ما إن تهدأ في مكان حتى تشتعل في آخر.. الفيلم أول إخراج لهشام العيسوي والذي شارك أيضاً في كتابة السيناريو وسبق وأن شاهدت الفيلم في مهرجان "دبي" الذي عقد قبل نحو عامين.. تناولت الأحداث عائلة مصرية تدين بالمسيحية إلى هنا والأمر يبدو عادي واستطاع المخرج أن يقتحم الخط الأحمر في التعامل مع الشخصية القبطية وتغلغل أكثر في تفاصيل هذه العائلة القبطية وقدم بعض سلبيات في سلوكها الشخصي.. طبقاً لكل التجارب السابقة في التعامل مع الشخصيات القبطية التي تحمل أي قدر من الإدانة الأخلاقية في الدراما سواء المسلسلات أو الأفلام فإن الغضب بل والمظاهرات داخل الكنيسة وربما أيضاً خارجها هو المصير الذي ينتظر مثل هذه الأعمال الفنية!!
تعودنا في الدراما أن نضع أوراق "السوليفان" على الشخصية المسيحية وكأننا نرفع راية مكتوباً عليها ممنوع اللمس أو الاقتراب.. الإحساس العام الذي يسيطر غالباً على صناع العمل الفني أن المتفرج لا يريد أن يرى شخصية من لحم ودم وأنه فقط يقرأ عنوانها لكنه لا يتعمق في تفاصيلها.. كان يبدو وكأن هناك اتفاق ضمني على ذلك بين صناع العمل الفني والجمهور الجميع ارتاحوا إلى استبعاد الشخصية القبطية!!
المعالجات الفنية التي اقتربت من العائلة المصرية القبطية وجهت لها انتقادات مباشرة من الكنيسة الأرثوذكسية في مصر برغم أن المعالجة الفنية لم يكن الهدف منها الحديث عن الديانة بقدر ما هو تناول عائلة مصرية مسلمة أو مسيحية!!
على سبيل التذكرة فقط فإن السنوات الأخيرة شهدت أكثر من غضبة عارمة بسبب أعمال فنية اقتربت من العائلة القبطية في مصر ورغم ذلك وجهت لها انتقادات حادة منها مثلاً مسلسل "أوان الورد" لسمير سيف عرض قبل عشر سنوات لعبت بطولته "سميحة أيوب" و "يسرا".. مسلسل "بنت من شبرا" لجمال عبد الحميد عرض بعدها بنحو ثلاث سنوات بطولة "ليلى علوي" أثار الغضب لأن البطلة أشهرت إسلامها.. فيلم "واحد صفر" لكاملة أبو ذكرى أثار الغضب نظراً لأن "إلهام شاهين" تلعب دور امرأة مسيحية تسعى للحصول على تصريح من الكنيسة بالزواج!!
أما الفيلم الذي حظي بأكبر مساحة من الغضب فهو "بحب السيما" عام 2004 إخراج "أسامة فوزي" وتأليف "هاني فوزي" وبطولة "ليلى علوي" و "محمود حميدة".. كان أول فيلم يتناول عائلة مسيحية الزوج والزوجة والابن والابنة كانوا هم الأبطال على الشاشة لم يتحمل قطاع عريض من الأقباط ذلك.. من الشخصيات المحورية القبطية التي شاهدناها مؤخراً فيلم "حسن ومرقص" 2008 شخصية مرقص التي أداها "عادل إمام" حيث لعب دور أستاذ علم اللاهوت وحرص " عادل إمام" على أن يلتقي "البابا شنودة" وأطلعه على السيناريو قبل التصوير وتم إجراء بعض التعديلات الدرامية!!
مأزق هذه الأعمال الفنية أن المتفرج لم يألف رؤية شخصيات قبطية تمارس أي قدر من الانحراف طوال تاريخ الدراما.. ولهذا تنتقل الحساسية التي نراها في الشارع إلى دار العرض أو شاشة التليفزيون وبدلاً من أن يشاهد الجمهور عملا فنياً به عائلة مصرية بعيداً عن ديانتها يراها عائلة قبطية بل ويعتبرها البعض في هذه الحالة تحمل إدانة شخصية وليست درامية!!
يجب أن نعترف بأن ما نراه في الدراما التي تتعرض لشخصيات قبطية تتحمل وزره الحياة الفنية والثقافية لأنه كلما طال الابتعاد والغياب زادت الحساسية ولكن على صناع الأعمال الفنية أن يواصلوا الطريق ويمنحوا الشخصيات القبطية حضورها الدرامي.. هذا العام في رمضان زاد عدد الأعمال الدرامية التي تقدم شخصيات قبطية وأتصور في ظل كل ما سبق أن هناك قدر من الغضب قادم!!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com