بقلم / حنان بديع ساويرس
ما أكثر الفتاوى فى مصر من أصحاب الفتاوى ، وما أغربها وأعجبها فعندما نسمع بعضاً منها نُصاب بصدمة مؤقتة وبعدما نستفيق منها نضرب كفاً بكف طالبين من الله الرحمة ، والمغفرة لمن أساء إلينا ، فقد أستوقفتنى إحداها وهى فتوى للدكتور ياسر البُرهامى نائب رئيس الدعوة السلفية والذى حرّم فيها توصيل سائقى الميكروباص أو التاكسى القساوسة إلى الكنائس ، وأعتبر ذلك أشد حُرمة من توصيل شخص ما إلى الخمارات حسبما قال .
- نشكر الله أن الرجل حرم سائقى الميكروباص والتاكسى فقط من توصيل القساوسة ، ولم يحرم على سائقى التوك توك توصيلهم وإلا لم يجد القساوسة وسيلة مواصلات تذهب بهم إلى كنائسهم ، فالآن فقط قدعلمت قيمة التوك توك ، وأنا التى لوقت قريب كنت أنظر له بإستنكار وإستخفاف يصل لدرجة إحتقارى له ، وأنا أراه يقتحم شوارع المحروسة ولا سيما شوارع القاهرة ، فتشعر وكأنك تسير وسط كمية من الزواحف والذى يجعلك تسير بشكل حلزونى سواء كنت تسير مشياً على الأقدام أو كنت تقود سيارتك ، لكن يبدوا أنه قد جاء وقت الإحتياج إليه وقد جاء اليوم الذى أشهد لك فيه ياعم التوك توك ، فها أنت ستحمل للقساوسة الإنفراجة بعد هذه الفتوى والتى بسببها كانوا سيبدأون رحلة مُعاناة من السير مشياً على أقدامهم للوصول إلى كنائسهم ، رغم أننى أراها بمثابة فرصة ذهبية تسمح لهم بالتَريُض عن طريق مُمارسة رياضة المشى أو حتى الجرى!! ، لكن "ربنا ستر" وأرسل التوك توك نجدة لهم وكأنه "شايله لوقت عوزة" !!! ، لكن المشكلة الآن تكمن فى أزمة التوك توك التى سيتسبب فيها الكهنة عندما لايجدون أمامهم مايصل بهم لكنائسهم سواه بسبب فتوى البُرهامى ، فأنا أخشى على رواد التوك توك من هذا المأذق ، فربما لا يجدوا وسيلة المواصلات المُحببة لديهم متوفرة بسبب القبول الشديد للكهنة على التوك توك وقتئذ فها أنا قد حذرتكم من مغبة ذلك مُقدماً .
- عفواً عزيزى القارئ ، فشر البلية ما يُضحك فإن أخذنا كل الأمور على عاتقنا وبمحمَل الجدية ولا سيما المُثيروالمُستفز للمشاعر منها ، وإن لم نأخذ بعض الأشياء بشكل فُكاهى لربما قد تُصيبنا أمراض عصبية وأمراض ناتجة عنها لا حصر لها .
نعود للفتوى البُرهامية والذى جعل فيها توصيل الكهنة للكنائس أشد حُرمة من توصيل شخص ما إلى الخمارات !!!
فيبدوا أن د. البُرهامى لا يعلم دينه جيداً أو أنه يعلمه لكنه لايجد غضاضة فى أن يُخالفه ولاسيما إن كانت مُخالفته تجعله يُحرض على الأقباط ورجال دينهم ، فأنا أعلم أن الدين الإسلامى يؤمن بالديانات السماوية الثلاث وهى اليهودية والمسيحية والإسلام الذى يوجد به آية تقول " إن أقربكم مودة ورحمة من قالوا أنا نصارى ومنهم قسيسين ورهبان أولئك لا يستكبرون" وقد شهد شاهد من أهلها ، وبما أن السيد بُرهامى حرم على سائقى الميكروباص أو التاكسى توصيل القساوسة للكنائس فبذلك نستطيع أن نقول بلا أدنى شك أنه يخالف تعاليم دينه وكتابه الذى يأمره بالمودة للقساوسة والرهبان وكما يشهد الدين الإسلامى بأن هؤلاء القساوسة والرهبان لايستكبرون فى نفس الوقت الذى يشهد على كبريائه وإستعلائه الدينى ومُخالفته لما يُمليه عليه الدين ويأمره به ، فتكون نتيجة ذلك خلق فكر مُتطرف يُناهض ما جاء بكتاب المفروض أنه مؤمن بما فيه وتابع لتعاليمه وواجب عليه تنفيذ ما جاء به دون مُعارضة، فنعتبر أنه بهذه الفتوى الذى يحاول فيها التقليل من شأن رجال الدين المسيحى ويأمر فيها بعدم إحترامهم وإتهامهم بالكفر وتحريض المُسلمين عليهم وعدم التعامل معهم ومُقاطعتهم ، وهذا عكس ما جاء بالأية سابقة الذكر تماماً أقول أنه بهذا ليست فقط لم يتبع تعاليم دينه فحسب بل يُخالف ويأمر بعكس ما جاء به!! ولضمان تنفيذ فتواه قام بترويع البسطاء لكى يخضعوا لهذا الفكر الهدام عن طريق فكرة "التحريم" ، فلم يستحى وهو يُقارن الخمارات بالكنائس بل يُعلى من شأن الخمارات ويجعلها فى مرتبة أعلى من الكنائس بقوله " إن توصيل القساوسة للكنائس أشد حُرمة من توصيل شخص ما إلى الخمارات" فهذه عملية تحريض مُغرضة وتشويه للكنائس الذى يتعبد فيها الأقباط لخالقهم !! بل إزدراء صريح للمسيحية ولديانة يعترف الدين الإسلامى بأنها "سماوية" ومن يأتى من السماء يسمو ويرتفع عن أفعال وأقوال البشر فلا يصح أن يدنس إنسان بالقول أو بالفعل ما جاءت به السماء من مُقدسات، فمعروف أن الديانة المسيحية قد أنتشرت فى ربوع المسكونة طولاً وعرضاً قبل الإسلام بنحو أكثر من ستة قرون من الزمان ، فهل التجاوز على المسيحية يصل إلى حد تصوير الخمارات بما فيها من أفعال مُشينة بأنها أفضل من بيوت الله ، فهل بيوت التعبد لله أخطر وأشر وأكثر ضرراً من خمارات ربما يحدث فيها مُنكرات ومفاسد!! .
• عجباً عن من يُقارن الصلاة بالخمور بل يجعل الخمور فى مرتبة أعلى من الصلاة لله ، فما الذى يضيرك من تعبد الأقباط لله والذى تريد تعجيز كهنتهم عن قيادة الصلاة !! ورغم أننى أعلم جيداً أنه قلما أستخدم رجال الكهنوت المواصلات العامة ، وعدم إستخدام مُعظمهم لتاكسياتك وميكروباصاتك ، لكن المعنى والمغزى من وراء هذه الفتوى المُثيرة للفتن هو ما جعلنى أكتب هذا المقال، فهل لم تجد فتوى تسعى بها للخير بدلاً من هذه الفتاوى التى تجلب الفتن والعنف ضد قساوسة مُسالمين خاصة وضد الأقباط عامة ولاسيما أن مصر أصبحت على صفيح ساخن ولا تحتمل مثل هذه الفتاوى الغير مسؤولة.
• قبل أن أغادر فتوى البُرهامى هذه أريد أن أطرح ما قاله نيافة الأنبا بولا بخصوصها ، عندما طلب البعض بإنسحاب الكنيسة من التأسيسية ، فبرر نيافته إستمرار الكنيسة بالتأسيسة أنه عمل على تقارب فى وجهات النظر وأستشهد بأن الشيخ ياسر البرهامى غير رأيه الذى طالب فيه سائقى التاكسى بعدم توصيل الكهنة إلى الكنائس حيث أوضح البُرهامى للأنبا بولا أن هذه الفتوى قديمة وأنه من المُستحيل أن يقولها بعدما تعارفوا .
الشيخ البرهامى قام بتغيير رأيه عندما تقارب وتعارف مع رجال الدين المسيحى وهذا شئ جميل ، لكن هل هذا مُبرر قوى يجعله يطعن فى المسيحية ورجال الكهنوت الأقباط لمجرد أنه لم يعرفهم عن مَقرِبة !! فمعنى كلامه هذا أن طعنه فى المسيحية لم يكن لعدم إقتناعه بعدم صحتها أو تشكيكه فيها لكن لمُجرد أنه لم يتعرف على رجال الكنيسة ، فهل من المُقنع أنه لمُجرد عدم معرفته برجال الدين المسيحى فبهذا يكون من حقه مُهاجمتهم وتكفيرهم والتحريض ضدهم لأنهم يُخالفونه فى الديانة أو الإعتقاد ،فهل يُعقل هذا "فلا تعليق"
• أما من جهة تصريح البرهامى للأنبا بولا بأن هذه الفتوى قديمة ، فلا أدرى ما معنى أنها فتوى قديمة فهل يعنى أنها فتوى مُنتهية الصلاحية!! أى أن تاريخ الصلاحية المكتوب على الفتوى يقول "تنتهى الصلاحية بمُقابلة رجال الكهنوت الأقباط " !! ، وما معنى أنه من المُستحيل أن يقولها بعدما تعارف بالأنبا بولا ، فهل هذا يعفيه من إثارة الفتن وإحداث بلبلة بين أبناء الشعب الواحد وهل تصريحه هذا سَيَمحو فتواه من عقول من صَدقوها ويخشون على أنفسهم شر فعل ماحرمه أولى الألباب بالنسبة لهم ، أم أن سائقى الميكروباص والتاكسى سينتظرون لحين إشعار آخر بتعديل الفتوى أو إلغاءها بفتوى جديدة !! ، فهل المفروض علينا أن نصنع وليمة لأنك سحبت فتواك " لمجرد تعارُفك ببعض الكهنة الذى صرحت بأذيتهم دون سابق معرفة لهم من قبل، فمن السهل أن تحرق وطن بأكمله لمجرد كلمة ، لكن يستحيل إطفاء نيران ماقمت بإضرامه بكلمة مُضادة لأن النيران لا تنتظر إلى أن تأتى عربات الإطفاء ولا سيما إن تأخرت ، بل تلتهم ما تجده فى طريقها وحينما تأتى عربات الإطفاء تكون قضت النيران على كل أخضر ويابس ، فما قلته جهراً لا يمكن علاجه عن طريق تطييب خاطر الأنبا بولا سراً ، لأن الناس بمصر لديهم تعصب دينى وافر يكفى لسنوات طويلة قادمة فلايحتملون المزيد من التحريض الغير مُبرر الذى لايعلم نتائجه إلا الله وحده فهل يُعقل أن تُحرق مصر بكلمة يتفوه بها صاحبها حسب الحالة المزاجية له!! وآخيراً أقول لك ولكل من يتحفنا بفتوى من نوعية هذه الفتاوى من حين لآخر " إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب" وكما قال أيضاً القديس أرسانيوس " مُعلم أولاد الملوك " تكلمت كثيراً فندمت أما عن الصمت فلم أندم أبداً .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com