بقلم عمرو على ، ترجمة وإعداد : بولس ساويرس
قد يستفيد القادة العرب من سيرة أسلافهم وحياتهم الشخصية وما آل إليه حالهم ومما حدث لهم ، ويعملوا على تعميم الديمقراطية ،
ولكن فى مصر الأمر مختلف تماما فأعتقد أن محمد مرسى لن يكون محظوظا على الإطلاق ، ويفعل هذا الأمر ألا وهو الديمقراطية الحقيقية.
فمثلا فى المملكة العربية السعودية نجد فى عهد " الملك فيصل " متحدثا عن الديمقراطية بقوله : " إذا عومل أى شخص فى المملكة بصورة مهينة وبشكل خاطىء وضد الديمقراطية ، فلا يلومن هذا الشخص إلا نفسه ، فلماذا لم يرفع الأمر لى شخصيا ؟! . "
وأكمل قوله : " ماذا نستطيع أن نقدم أكثر من ذلك وهل يوجد أكثر من هذا ديمقراطية ؟! . "
وقد تخلل هذا المنطق الخط العام من تفكير وسياسة الحكام العرب ، معربين عن ذلك ومعتقدين أن فى هذا تجسيد فعلى للديمقراطية ، من خلال تفويض هذا الأمر للشعب ، ولكن كما يعبر الحكام العرب أن الشريحة الكبيرة من الشعوب العربية تسىء فهم الديمقراطية بهذه الطريقة .
ومع ذلك نجد إنه عندما يقول الحكام العرب شيئا واحدا ، ويتم عمل إستفتاء شعبى ، فنجد التأييد والتصديق من قبل الجمهور العربى !
ولكن يقف أمام بنات أفكارى حجر عثرة لا أستطيع تخطيه ، فى ظل هذه الثورات والتحولات الديمقراطية فى الوطن العربى ، والحجر هو إختلاق البعض للقصص والحكايات والأساطير، لتبرير السلوك القمعى والهيمنة الشخصية تجاه الشعوب ، فهم بارعون فى إختلاق تلك القصص سواء فى الماضى أو فى الوقت الحالى ، فلست أدرى من أين يأتوا بهذه القصص والأساطير لتبرير موقف الحكام المستبدين وهيمنتهم الشخصية على مقاليد الأمور سواء فى الماضى أو فى وقتنا الحاضر .
ومن إحدى القصص التى قصها على أحد المصريين ، على حسابى الشخصى قائلا : " إنه ( أى هذا الشخص الذى يقص على هذه الحكاية ) ،
يفتقد أيام الرئيس الراحل " محمد أنور السادات " ، حيث كان هذا الرئيس على حد قول هذا الشخص ، يهتم بكرامة المواطن المصرى ،
فذات مرة ذهب مالك عقار إلى الرئيس السادات شخصيا مقدما شكوى ضد " السفير البرتغالى " وذلك فى عام 1970 م ، حيث كان على خلاف مع هذا السفير فلم يلتزم السفير بما جاء فى العقد من قيمة الإيجار ولم يدفع المبالغ المستحقة عليه ، بل وتعامل بطريقة سيئة ومهينة نحو المواطن المصرى مالك العقار ،
فيكمل الشخص الذى يقص على هذه الحكاية ،
أن الرئيس السادات رفع سماعة التليفون فى الحال وكلم السفير البرتغالى موبخا إياه بشدة على سوء معاملته للمواطن المصرى قائلا له " إذا كنت تعامل المواطن المصرى فى بلده هكذا ، فكيف يكون الأمر لو كان هذا المواطن فى بلدكم وحدث هذا الأمر ، فأنا لن أقبل أن يعامل أحد المواطن المصرى بصورة مهينة " .
ونتيجة لهذا الأمر وتعامل الرئيس السادات بحزم وشدة مع السفير البرتغالى ، إضطر هذا السفير لحزم أمتعته والعودة للشبونة .
وإلى الآن لم أتحقق من هذه القصة التى جاءتنى على حسابى الشخصى من هذا المواطن المصرى الذى يفتقد أيام السادات .
ولكن سواء كانت هذه القصة صحيحة أو مختلقة فمن الممكن أن نستنتج
أن السادات كان يهتم بكرامة المواطن المصرى ، على عكس خلفه الرئيس المخلوع مبارك ، الذى أهان كرامة المواطن المصرى فى كل مكان ، سواء فى مصر أو خارجها .
ولكن مايبعث على القلق ليس هو صحة أو كذب هذه القصة ، فهذه القصة مثلها مثل العديد من القصص التى لا تعد أو تحصى .
ولكن الذى يبعث على القلق والإستغراب هو كيف يتم إختلاق هذه القصص ، فى ظل الظروف الصعبة التى يعيش فيها المواطن العربى ، والتى لا تعبر عن أدميته ،
فالسؤال الآن لو أن هذا المواطن والذى كان يقطن منطقة راقية وغنية مثل الزمالك ، فإستطاع من خلال بعض معارفه وإتصالاته القوية الوصول للرئيس السادات الذى يزدحم جدوله كرئيس دولة بالكثير من الأمور المحلية والخارجية ، وعرض مشكلته عليه ،
فالسؤال الأهم هو كيف يصل المواطن العادى أو بمعنى أصح المواطن الفقير ، فى الوطن العربى سواء فى مصر أو فى السعودية فكيف يصل مثلا إلى سيادة الرئيس أو إلى فخامة الملك .
وهم الشريحة الأكبر فى المجتمع وخاصة فى مصر الذين يعدوا بالملايين الذين ليس لهم من المعارف ما لدى هذا المواطن الغنى ؟!.
إذن السيناريو غير صحيح فالواقع مختلف تماما ، ولا نستطيع تعميم تلك القصص المختلقة عن القادة المستبدين فى الوطن العربى ،
ويتم تغذية نظرية المؤامرة فى الوطن العربى للتأثير على المواطن العادى خاصة وعلى الشارع العربى بصورة عامة ، وذلك لتدعيم أيديولوجية الحكام المستبدين وتغييب المواطن عن الواقع الفعلى .
وبالطبع ليس من المستغرب أن يكون هذا الفكر الذى فى مصر والسعودية ، أيضا فى ثقافة الأردنيين والسوريين والإمارتيين والمغاربة والتونسيين والليبيين وغيرهم ممن لهم نفس الفكر والمشاعر فى الوطن العربى والمنطقة بصورة عامة ،
وهذا بغض النظر عن مدى الدرجة العلمية للشخص فهذه ثقافة شعوب ليس له إرتباط بالمتعلم أو الجاهل .
وفى ظل النبتة الصغيرة للديمقراطية الوليدة فى مصر يمكن تحديد سلوك المواطنين ، من خلال العملية الإنتخابية التى جرت فى إنتخابات الرئاسة ،
فمثلا عندما أطقلت الحملة الإنتخابية لرئاسة الجمهورية للراحل " عمر سليمان " ،
وإلتقيت مع أحد مؤيديه وقد حكى لى أحدى القصص التى تشير إلى عظمة هذا الرجل ،
فحينئذ سألت مؤيد عمر سليمان عن مما يشاع عن هذا الرجل فى أن له سجل دموى ،
فكان رد مؤيد عمر سليمان " أن المواطن الشريف والمحترم لا يتعرض للأذى ، وأكمل هذا الرجل المؤيد لسليمان لو كان رأيك أن عمر سليمان كان يستعمل القسوة مع البعض ، فسيادة القانون أحيانا لا تكون موضع ترحيب ممن لا يرغبون فى تطبيق القانون ، فسيادة القانون لا يجب أن تطبق لأنها موضع ترحيب ولكن لأن القانون يحفظ النظام . "
وفى الشهر الماضى ، قام محمد مرسى بفتح قصر الرئاسة أمام المواطنيين لسماع شكواهم ، وهذا الأمر لم يحدث فى عهد سلفه المخلوع مبارك ، وإن كان هذا الأمر يكتنفه بعض الضبابية ويحتاج إلى بعض التعليق ، ولكن على أى الأحوال خطوة جيدة تحسب لمرسى ،
وفى نهاية المطاف سيتم المقارنة بين مرسى وعهد مبارك المنصرم ، فذهبت السكرة وجاءت الفكرة !
وسيجد مرسى نفسه أمام أمر واقع ومطلب ملح من أكثر من ثلاثة وثمانون مليون نسمة من المصريين ، ألا وهو الأمن والأمان الذى يفتقده الشارع المصرى الآن .
والأمر الثانى الذى يريده الشعب المصرى من محمد مرسى ، هو زيادة الشفافية وتوضيح الأمور أكثر من ذلك ، ويأتى هذا من خلال تعزيز الفصل بين السلطات والمؤسسات المختلفة التى من شأنها أن تعزز بعضها البعض
، وذلك من خلال الإهتمام بتدعيم وبناء مؤسسات مدنية التى من شأنها النهوض بالمجتمع ، من خلال توفير جو ملائم وخاصة للتعليم حتى لا يكون تعليم مسيس أى غير موجه لأغراض سياسية ،
وسيكون هذا من خلال إتحاد المجتمع ككل ، سواء شخصيات عامة أو سياسية أو غير ذلك سيخلق مجتمع متوازن .
وأخيرا أقول لا يمكن أن نصل إلى مجتمع ديمقراطى حقيقى ، من خلال القصص والأساطير ، ففى هذا العصر بالذات وفى ظل التقدم الرهيب ، لا يستطيع الزعماء الإستخفاف بعقول الناس كما كان يحدث فى الماضى القريب ، فنحن الآن فى عصر التكنولوجيا حيث التقدم السريع جدا فى كل مجالات العلم وحيث الأقمار الصناعية التى تتفوق على نفسها ، ووسائل الإعلام المختلفة ،
ولكن الذى يجب أن يفعله القادة والزعماء هو ترك إرث حقيقى من التقدم فى كل المجالات للأجيال المتعاقبة ، هذا ما سيخلد أسمائهم وليست الأساطير المختلقة . ولن يأتى كل هذا بالتمنى أو بالحديث عبر الهاتف أو من خلال الحديث على مائدة العشاء ، ولكن من خلال العمل الجاد لبناء مجتمع ديمقراطى حقيقى بالفعل .
عمرو علي هو محلل سياسي وباحث دكتوراه في قسم العلاقات الحكومية والدولية، جامعة سيدني.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com