تعدد تشكيلات المقاتلين في سوريا والأنباء عن وجود مقاتلين أجانب من التيار السلفي الجهادي يثير مخاوف الدول الغربية من أن تتحول سوريا إلى ساحة للمتطرفين، وهو أمر يستغله نظام الأسد جيدا. فما حقيقة وجود هؤلاء وما مدى تأثيرهم؟
أثار تعدد تشكيلات الكتائب والمجموعات المسلحة المقاتلة ضد النظام السوري اهتمام بعض وسائل الإعلام الغربية، التي تناقلت أنباء عن تدفق أعداد من المقاتلين الأجانب القادمين من مختلف الدول العربية، بعضهم كما يشاع ينتمي إلى تيارات سلفية جهادية متطرفة. فهل هناك نشاط كبير للتنظيمات الإسلامية الجهادية في الصراع السوري أم أنه تضخيم لخطر يروج له نظام الأسد؟
هل يقاتل جهاديون أجانب في سوريا؟
لطالما تحدث النظام السوري وإعلامه عن وجود "جماعات إرهابية مسلحة" تستهدف "المواطنين ومؤسسات الدولة"، معتبرا أن الجيش النظامي يخوض حربا ضروسا مع هذه الجماعات. لكن لا توجد حتى الآن معلومات دقيقة حول حقيقة ووجود وحجم هذه الجماعات التي تحدثت أيضا تقارير إعلامية غربية مختلفة عن نشاطها في سوريا. اللواء الركن محمد حسين الحاج علي، قائد "الجيش الوطني السوري"، الذي تم الإعلان عن تشكيله منتصف الأسبوع الماضي عوض "الجيش السوري الحر" ويضم تحت قيادة موحدة كل التجمعات المسلحة المناهضة لنظام الأسد، نفى علمه بوجود مجموعات جهادية ضمن مقاتلي المعارضة السورية.
وبدوره نفى الدكتور صادق المصلي، عضو المكتب الإعلامي في المجلس الوطني السوري المعارض، في حوار مع DWعربية علم المعارضة بوجود مقاتلين سلفيين أجانب في صفوف الجيش السوري الحر، لكنه أشار إلى صعوبة "اختبار توجهات" المقاتلين في صفوف الكتائب السورية التابعة للجيش السوري الحر، وقال: "الكتائب تقاتل دفاعا عن المدنيين السوريين (..) وبالتالي لا نستطيع أن نختبر نيات وتوجهات كل الناس الموجودة" فيها.
من جانبه يشير الباحث الأردني في الجماعات السلفية الجهادية، حسن أبو هنية في حوار مع DWعربية، إلى صعوبة تحديد عدد هؤلاء الناشطين الجهاديين، ولم يستبعد وجود حوالي 700 مقاتل أجنبي حسب ما يمكن استنتاجه من بعض مواقع الإنترنت للجماعات الجهادية. ولفت الخبير الأردني إلى أنه في ضوء عدم وجود حلول سياسية للأزمة السورية ودعم كبير من قبل الصين وروسيا وإيران لنظام الأسد، وبالتالي عدم صدور قرارات حاسمة من قبل مجلس الأمن، كل ذلك من شأنه ـ حسب أبو هنية ـ أن يزيد من امتداد نطاق الأزمة، وهو ما يعني "أن سوريا قد تحولت فعليا إلى منطقة جذب للجهاديين بشكل كبير".
أما شتيفان بوخن، الصحفي الألماني لدى القناة الألمانية الأولى ARDالذي قام بتغطية إعلامية للثورة الليبية، فلم يستبعد وجود مقاتلين جهاديين أجانب في سوريا، لكنه تساءل في حوار مع DW عربية عن وزن وأهمية هذه المجموعات في الحرب الجارية بين النظام والثوار في سوريا، بحيث يمكن لمثل هذه المجموعات التأثير على مجرى الحرب هناك. وفي هذا السياق أشار إلى أن من يلعب الدور المهم في هذه المواجهات هم السوريون.
هل يؤدي طول مدة الصراع إلى ظهور التطرف؟
وتوضح تجارب بعض الدول مع وجود تنظيمات سلفية متطرفة محلية أو تلك التي تظم في صفوفها مقاتلين أجانب مدى خطورتها على مستقبل البلاد ورسم معالم نظام الدولة الجديدة وإرساء أسس نظام ديمقراطي بعد انهيار النظام القائم. وفي هذا السياق يشير حسن أبو هنية إلى تجربة العراق مع الجهاديين الإسلاميين، ويقول: "مع دخول القوات الأمريكية إلى العراق 2003 لم يكن مع شبكة الزرقاوي سوى بضع المقاتلين الأجانب، ولكن مع نهاية 2005 كان هناك أكثر من عشرة ألاف مقاتل انضووا تحت مسمى تنظيم القاعدة في العراق الذي تحول إلى دولة العراق الإسلامية". لذ لم يستبعد أن تشهد سوريا ما بعد الثورة ـ إذا استمرت الأمور على هذا الحال ـ أن يصبح "للجهاديين دورا كبيرا". ويعلل ذلك بالقول: "هناك تحول كبير داخل المزاج السوري؛ بمعنى هناك توجهات ذات طبيعة سلفية؛ أي بمعنى جماعات ذات توجهات سلفية، بدأت تنشأ من الداخل السوري نفسه، متأثرين بالجهاديين في الخارج ويتبنون الإيديولوجية السلفية الجهادية مثل جبهة نصرة أهل الشام".
ولم يستبعد حسن أبو هنية أن تتحول سوريا إلى منطقة أساسية للجهاديين من جنسيات مختلفة ومن السوريين أنفسهم، مشيرا في هذا السياق إلى "السوريين الذين لم يكن لهم مزاج ذو طبيعة سلفية وإنما كانت الأيديولوجية العامة ذات طبيعة صوفية". ويربط الخبير الأردني التحول في المزاج العام بـ " الفرز الطائفي" ودخول إيران وحزب الله على هذا الخط. لكن الصحفي الألماني شتيفان بوخن يرى أن النظام يحاول تضخيم دور السلفيين الجهاديين الأجانب في سوريا "حتى يصور نفسه كضامن للعلمانية وقلعة ضد التطرف الديني".
إعادة تنظيم صفوف "الجيش السوري الحر"
وفي محاولة منه لمواجهة تزايد الجماعات التي تعمل بشكل مستقل وبهدف تجاوز الخلافات الداخلية، أعلن "الجيش السوري الحر" منتصف الأسبوع الماضي عن إعادة تنظيم صفوفه. وأعلن قائد المجلس العسكري الثوري الأعلى في الجيش السوري الحر، العميد الركن مصطفى الشيخ، أن هذا التجمع من المقاتلين المناهضين للنظام سيحمل اسما جديدا هو "الجيش الوطني السوري" والذي سيقوده اللواء الركن محمد حسين الحاج علي.
في هذا السياق أشار أبو هنية إلى وجود مخاوف دولية وإقليمية من "سيطرة تيارات سلفية على مكونات الجيش السوري الحر الذي يعاني من غياب قيادة موحدة"، مؤكدا أن توحيد مختلف الكتائب والسرايا التي تستخدم اسم الجيش السوري الحر من دون رابط تنظيمي، يحتاج إلى دعم دولي وإقليمي واضح في هذا الاتجاه.
أما الدكتور صادق المصلى فأعتبر التنسيق بين كتائب الجيش السوري الحر وفروعه المختلفة حاجة ضرورية على الأرض الآن، مؤكدا بأنه "ينبغي العمل على إيجاد أرضية مشتركة تتمثل في تكوين اتحاد يجمع كل هذه الكتائب تحت مظلة الجيش السوري الحر"، ومشيرا إلى أهمية أن يكون هناك أيضا تنسيق متكامل بين السياسيين في المعارضة وهذه الكتائب.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com