«لصالح من يتم تهميش الأقباط فى وسائل الإعلام الرسمية على مدار أكثر من نصف قرن مضى؟ لقد سأمنا سياسة الصمت ولعب دور المتفرج، كان لابد من وجود إعلام موازٍ وبديل يعبر عن تلك الفئة المنسية». هكذا يطلق صرخته رامى كامل، محرر عشرينى بموقع الكتيبة الطيبية الإلكترونى الذى يعكف على تغطية كل ما يخص المسيحيين فى مصر. هذا التساؤل الذى يطلقه رامى هو ما يبرر اليوم التزايد المطرد للمنابر التى أصبحت تمثل صوت الأقباط فى مصر، فمنذ نهاية التسعينيات بدأ تدشين عدد من المواقع الإلكترونية القبطية، ثم استقبال أول قناة قبطية متخصصة فى الشئون المسيحية مازالت تبث إرسالها من السويد هى قناة سات سيفن. «فى مرحلة تالية ظهرت سات سيفن كيدز التى توجهت بدورها للطفل المسيحى حيث ظل محروما من برامج تتوجه إليه وفقا لتعاليم دينه كما هو حال نظيره المسلم». على حد تعبير ناشط قبطى رفض ذكر اسمه.
وفى عام 2003 تم إطلاق قناة أغابى ثم قناة CTV عام 2007 ليصل عدد القنوات المسيحية الأرثوذكسية التى تبث إرسالها من مصر إلى ثلاث قنوات بعد دخول قناة مارى مرقص المجال منذ عدة شهور وذلك فى مقابل قناة واحدة كاثوليكية هى معجزة الشفاء، هذا بالإضافة إلى عدد من القنوات التى بدأت تبث إرسالها من الخارج والتى يصل عددها لخمس قنوات، ويشرح موقع الأقباط الأحرار رؤيته فى إتاحة هذا النوع من الإعلام المتخصص كوكالة انباء قبطية: «عادة ما تتجاهل أجهزة الإعلام المحلية، أخبار الأقباط ومسيحى الشرق الأوسط أو تقوم بتلوينها وفقا لأهواء السلطة مع استثناءات قليلة للغاية، كما أن أجهزة الإعلام الدولية تركز تغطيتها على النزاعات الإقليمية فى المنطقة، لذا تستهدف الوكالة مد أجهزة الإعلام والهيئات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية وخاصة العاملة فى مجال حقوق الإنسان فى مصر ودول الشرق الأوسط والعالم بالأخبار وبالمواد الصحفية».
اكتسبت تلك المنابر القبطية قوة وشرعية عقب ثورة يناير، هذا ما يوضحه الناشط رامى كامل، إذ برز ذلك منذ الأيام الأولى من الثورة فى أحداث قرية شارونة بأبوقرقاص فى محافظة المنيا التى قتل فيها 11 قبطيا جراء مشاجرة بين أسرة مسلمة وأخرى مسيحية، ورغم أهمية الحدث، لم تتناول وسائل الإعلام التابعة للدولة ولا المستقلة هذا الحدث من قريب أو بعيد. ويضيف قائلا: «هناك ملفات أخرى ترتبط بحقوق الإنسان الأساسية مثل حق السكن يتم التعتيم الإعلامى عليها بقصد أو إهمال مع افتراض حسن النية، فالقضية الشهيرة لتهجير الأقباط من العامرية لم يتم تناولها إلا عندما فتح الإعلام القبطى هذا الملف». لا يقتصر الأمر على ذلك، فقد يرى البعض أن الجرعة الروحية التى يتطلع إليها الأقباط غائبة تماما على قنوات الإعلام وصفحات الجرائد، فجولة واحدة على المواقع القبطية كفيلة لإدراك مدى أهمية هذه المنابر للوصول إلى مواعيد الصلوات والقداس وأماكن العظات وكذلك دروس الشخصيات الكنسية المهمة. يقول مينا البير، مخرج بقناة CTV: «هدف القناة الأساسى هو نقل العظة والقداس والصلوات وسائر الطقوس الكنسية لمن هم غير قادرين على المجىء إلى الكنيسة، فمن حق المواطن المسيحى أن يحصل على جرعة دينية روحية، فكما تبث صلاة الجمعة على التليفزيون الرسمى، لماذا لا يكون من حق المواطن المسيحى الحصول على هذا الحق؟».
يتفق الأنبا مرقص بإبراشية شبرا الخيمة وتوابعها، مسئول البث التليفزيونى بالكنيسة مع البير ويضيف أن هذه المنابر قد تلعب دورا مهما أيضا فى تعريف الآخر بمعتقدات المسيحى «حتى لا يتهمنى أخى المسلم بالكفر ويعتقد أننى أصلى لثلاثة آلهة لابد أن يستمع لما أقول. فإذا أتيحت له معرفتى عن قرب، فقد يكون أكثر تسامحا إزاء هذا الاختلاف، فبينما أتعرف على معتقداته من خلال المناهج الدراسية والإعلام، قد لا يعرف هو كل ما يخص ديانتى» هذا ما يوضحه الأنبا مرقص باختصار. وكذلك الحال فى التعرف على التاريخ المصرى فى الحقبة الرومانية، والفنون القبطية، مثل فن الأيقونة، واللغة والأمور الداخلية للمجتمع القبطى. «قد لاحظنا فى المداخلات التليفونية والتعليقات أن هناك نسبة متابعة من المسلمين للمواقع والقنوات التابعة للكنيسة»، هكذا يمضى الأنبا مرقص.
الدعاية الرمادية
بعض هذه المنابر المسيحية نشأت كرد فعل لوجود منابر إسلامية يتطاول بعضها على المسيحية، وبعض رموز الدين المسيحى دون أى تحرك، على حد تعبير الناشط القبطى والباحث نجيب جبرائيل الذى يصف ذلك «لم يعد يقبل الشعب المسيحى أن يبقى مكتوف اليد». ويضرب جبرائيل أمثالا لهذا التجاوز بما جرى فى أعقاب وفاة البابا شنودة الذى يعتبر رمزا مصريا، حين أعلن أحد المشايخ على قناة إسلامية أنه: قد مات اليوم رأس الكفر والفساد. وهو ما دفع إلى رفع دعوى قضائية مازالت تنظر فى المحاكم من أجل الحصول على حق هذا الرمز المسيحى. من ناحية أخرى، هناك تجاوزات قد تحدث أيضا على مستوى الإعلام الرسمى. فإحدى الصحف القومية قد أفردت لفترة طويلة صفحات لأحد الكتاب المعروفين للنيل من الكتاب المقدس ووصفه بأنه كتاب مزيف. «فهل من المفترض بعد كل هذا السجال أن يظل صوت المواطن القبطى مخنوقا حبيس حنجرته؟» هكذا يمضى جبرائيل. بعض القنوات الفضائية على الجانبين تحولت إلى منابر لازدراء الأديان، خاصة أن بعضها يبث من الخارج، وتعتمد فى ذلك اسوأ أنواع الدعاية المعروفة «بالدعاية الرمادية» حين يقوم فيها المصدر بخلط جزءا من الحقيقة بالأكاذيب او استخدام التهويل والتضخيم أحيانا لأنه ببساطة لا يعنيه أن تشتعل الأمور فى مصر. يستدل مخرج بقناة CTV على ذلك قائلا «عندما قامت إحدى تلك القنوات التى تبث من الخارج بتغطية أحداث ماسبيرو، عكفت على تكرار الحدث بشكل مكثف ومن زوايا بعينها بل ووضع تعليقات تسكب الزيت على النار».
هذه النوعية من العراك الإعلامى تجد مساحات أوسع فى الإنترنت حيث العالم الافتراضى، حين يشتعل السجال كنوع من الحفاظ على الهوية، إذ يحتدم النقاش الحاد بين شباب مسلم ومسيحى، وتقام مناظرات عن أوجه الخلاف بين كل من الديانتين. ورغم أنها فرصة للشباب المسيحى من أجل التعبير عن عقيدته والرد على ما يقذف عليه من حجارة، يستغل هؤلاء الشباب هامش الحرية على تلك المواقع فى سجالات شبابية أكثر عصبية وأقل نضجا فى حالات كثيرة. بعض تلك المواقع قد تحولت فى بعض الأحيان إلى جبهات تمارس فيها استراتيجيات الحرب. «بعض تلك المواقع الإلكترونية مدسوس وهدفه النيل من الديانة المسيحية، وإشعال الفتن» كما يقول ناشط قبطى رفض ذكر اسمه، إذ تعتمد فى طريقة عملها على أساليب النصب والتزوير لخداع المتصفحين مثل التخفى تحت أسماء قبطية أو أسماء شبيهة بأسماء مواقع قبطية شهيرة، وذلك لتضليل الزائر وجذب اكبر عدد من المتصفحين. «تقع خطورة هذه المواقع أنها قد تقوم بالنصب وجمع تبرعات باسم الكنيسة أو وضع مقالات وأخبار مدسوسة وذلك بغرض زرع بذور البلبلة والفتنة والتشكيك سواء بكتابنا المقدس أو برجال الاكليروس». هكذا يمضى نفس المصدر مؤكدا أن الإعلام القبطى يلعب إذن دورا مهما فى التواصل مع الشعب المسيحى والتحذير من تلك الدسائس وهو ما فعلته المواقع القبطية والكنسية الشهيرة عندما أدرجت عددا من المواقع المشبوهة كى تحذر الشباب من الدخول عليها.
وإزاء هذا الوضع الذى يزداد اشتعالا مع تبادل السباب والاتهامات الناجم عن حرمان الأقباط لفترة طويلة من نصيبهم فى الإعلام الرسمى، قد يعرب بعض الخبراء عن قلقهم من وجود منابر قائمة على أساس طائفى. حين تحضر فى أذهانهم التجربة اللبنانية الأليمة فى سبعينيات القرن المنصرم، إذ مازالت حية فى الأذهان، فالصحافة اللبنانية متهمة بأنها التى نزعت فتيل الحرب الأهلية وخلفت وراءها معاناة تكبدها كل من المسيحيين والمسلمين فى هذا البلد. لذا يقترح الدكتور عدلى السيد رضا، رئيس قسم الإذاعة بكلية الإعلام، جامعة القاهرة، تأسيس مجلس أعلى للفضائيات يعطى تراخيص وفقا لضوابط ويتولى أمره أفراد لا ينتمون للسلطة ولا لأى تيارات سياسية أو دينية يهدفون لتحقيق الصالح العام، ويكون شأن هذا المجلس شأن لجنة الاتصالات الفيدرالية بالولايات المتحدة التى تتبلور سلطتها فى منح تراخيص البث ومنع الإرسال عن القنوات المخالفة. يتعرض الحقوقى نجيب جبرائيل نفس النقطة قائلا: «فليكن إذن الدور الاسمى لهذه المنابر سواء الإسلامية أو المسيحية خلق أرضية مشتركة بين الأديان للعمل عليها بدلا من تزكية روح الانقسام والفرقة والانعزال. وهى الورقة التى طالما استخدمها الاستعمار: فرق تسد».
التنوع الإعلامى غائب فى مصر
فى دراسة أعدتها الباحثة رشا عبدالله بالجامعة الأمريكية عن التنوع الإعلامى خلال انتخابات البرلمانية عام 2011، أثبتت أن نسبة الوجود الإعلامى للأقباط فى وسائل الإعلام لا تتعدى 0.3%. تقول الدكتورة رشا عبدالله «لقد اخترنا حدث الانتخابات لأنه يمثل لحظة تاريخية فى حياة الوطن وما ترتب عليها من تحديات وتطلعات مهمة واجهت التغطية الإعلامية فى هذه المرحلة. ربما قد يكون الرقم الخاص بوجود الأقباط يفتقد الدقة التامة خاصة أننا اعتمدنا فى الدراسة على تصنيفهم وفقا للأسماء القبطية الصريحة بينما قد يكون هناك البعض يحمل أسماء مشتركة مع أصحاب الديانات الأخرى. وقد كانت النتيجة الأولى التى حصلنا عليها هى 0.03% لذا قمنا بضرب هذه النسبة فى عشرة حتى نتلافى هذا الاحتمال ومع ذلك ظلت النسبة ضئيلة وبعيدة عن التمثيل الحقيقى للأقباط».
وفى الواقع تعرف الدراسة التنوع الإعلامى بمدى الشمولية لمختلف الفئات من حيث الدين والجنس والعرق والدخل والعمر وغيرها من العوامل التى تجعل الأفراد والجماعات مختلفين عن بعضهم البعض ولكن يكون وجودهم على قدم المساواة فى تلك القنوات الاعلامية. واعتمدت الدراسة على تحليل المضمون الكمى وتحليل الخطاب الكيفى بهدف الخروج برؤية واضحة عن مدى توافر هذا التنوع فى وسائل الاعلام فى أربعة برامج توك شو ونشرات إخبارية فضلا على أربعة صحف قومية ومستقلة.
وقد أظهرت الدراسة التى أجريت على قرابة 4395 قصة إخبارية أن هناك ثمة قصورا شديدا فى تمثيل جميع الأقليات المجتمعية فى وسائل الإعلام. فقد شكلت نسبة وجود النساء فى وسائل الإعلام 6.8% بنسبة وهو ما يعنى أنه فى مقابل كل خمسة عشر رجلا تحدث فى مقابلة صحفية وردت سيدة واحدة فى حديث صحفى. وربما يفسر ذلك تدنى المشاركة النسائية فى البرلمان والتى لا تتعد أكثر من 2%. كما أن الأقليات من الأصول العرقية المختلفة كان وجودها ضئيلا. فمن بين 14001 نموذج تم حصر 5 أفراد فقط من البدو أو النوبيين ظهروا فى هذه التغطية الإعلامية وذلك مقابل 11 شخصا فقط من ذوى الاحتياجات الخاصة و28 من كبار السن و5 من الأطفال. وهى مسألة مثيرة للقلق لأن الأفراد يعتمدون على وسائل الإعلام لبناء واقعهم وتصوراتهم عن هذه الفئات فى المجتمع.
ورغم ما حملته نتائج الدراسة من ارقام صريحة تعبر عن التمييز إزاء جماعات بعينها، فإن ثمة نقاطا إيجابية بدت تخطوها وسائل الإعلام. فلم تعد القاهرة كما كانت من ذى قبل هى الساحة التى يتحرك فيه الإعلاميون حيث إن 30% فقط من حجم عينة المادة الإعلامية المختارة كان يدور فى العاصمة، بينما يبدو أن العاملين فى الحقل الإعلامى قد بدأوا يتحررون مؤخرا من فكرة مركزية الإعلام. فقد كانت وسائل الإعلام موجودة بشكل ملموس فى المحافظات وهو ما يعبر عن التحسن الواضح فى التنوع وفقا للمعيار الجغرافى مقارنة بالتغطية الاعلامية فى الانتخابات السابقة عام 2010.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com