بقلم: سعيد السنى
على خلفية الفيلم المسئ لنبى الإسلام سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وسلامه ,تسارعت الأحداث خلال الأيام القليلة ألماضية , وأشتعلت بشكل ينذر بعواقب وخيمة ربما على منطقة الشرق الاوسط بأكملها , نتيجة ردود الأفعال الشعبوية الغاضبة من الفيلم , التى أسفرت عن مقتل السفير الأمريكى ,وثلاثة من موظفى السفارة الأمريكية ب"ليبيا", فجر الأربعاء الماضى , والتمثيل بجثة السفير على غرار ما تم مع العقيد معمر القذافى يوم سقوطة قبل أشهر قليلة , وإحراق سفارتى أمريكا بتونس واليمن على يد الغاضبين ..
وفى مصر قام المتظاهرين المتشددين دينياً بتسلق الأسوار الحصينة للسفارة , وهى أسوار معروفة بالمنعة والعلو إرتفاعا , وتم إقتحامها للمرة الأولى فى تاريخ مصر , و إنزال العلم الأمريكى وإحراقه , ورفع "الرايات السوداء" التى يتخذها "تنظيم القاعدة" أعلاما له ,على أسوار السفارة والتلويح بها , ومن المفارقات أن يتزامن إعتلاء هذه الأعلام السوداء مع ذكرى الحادث الإرهابى الشهير يوم 11 سبتمبر عام 2001 , عندما تم تدمير برجى مركز التجارة العالمى, بنييورك , على يد تنظيم القاعدة .
وإبتداء فإن الإساءة للإديان عموماً هى عمل مستفز ومستنكر ومدان , لأن مثل هذه الإساءات تستفز أصحاب الديانة فى معتقداتهم ومقدساتهم التى لاتقبل نقاشاً ولا حواراً .. ومن هنا فإن الإساءة لنبينا الكريم هى مرفوضة ومسستهجنة ومدانة بكل قوة , لأنها تؤجج المشاعر وتفجر البراكين غضباً من الإساءة لخير البشر وأعظمهم خُلقاً .
نأتى للفيلم المسئ الذى أثار هذه الأزمة والتى لازالت مشتعلة فى محيط السفارة الأمريكية بضاحية جاردن سيتى بعاصمة مصر المحروسة , إذ يمكننا تسجيل و رصد مجموعة من النقاط والملاحظات تفكيكا للحدث وتحليلا , على النحو التالى :
أولاً : هذه الإساءة قادمة من "الغرب الأمريكى" , وبرغم الضباب الكثيف وتضارب المعلومات بشأن صناع الفيلم , تأليفاً وإخراجاً وإنتاجاً , بل وحول وجود فيلم من الاساس , إذ أن المتداول من الفيلم المزعوم هو مقطع مدته 13 دقيقة تقريباً ,وهو مسئ أيضاً .. فإنه يمكن السير مع "التفسير التآمرى" للقضية , والذى يقوم على فكرة أن "الفيلم" هو صناعة صهيونية أمريكية مشتركة , وأنه ربما يكون عمل مخابراتى بالأساس, بما يعنى أن عملية صناعة الفيلم وترويجه , لها أغراض سياسية محددة وأهداف دقيقة يسعى إليها الواقفين وراء الفيلم .
ثانياً : هذ التفسير يؤيده ويدعمه , أن تفجير أزمة الفيلم , يتزامن مع ذكرى 11سبتمبر التى ألصقت بالعرب والمسلمين , صفات الإرهاب والوحشية والهمجية , والعداء للغرب والحضارة , كما أن المتداول من الفيلم يروج أيضا لنفس الصفات , ويعيد إلصاقها بالإسلام والمسلمين , أى أن وصم الإسلام والمسلمين بهذه السيئات , هى الرسالة المباشرة التى ينقلها الفيلم ويسعى إلى ترسيخها , كأحد أهدافه.
ثالثاً : وإذا كان البادى والظاهر , يقطع بأن أصحاب الفيلم والمروجين له يعرفون مايريدون تماما ويسعون إليه بحركة محسوبة جيداً , مصحوبة بآلة إعلامية غربية عملاقة تنتج عشرات الروايات وتنسج الحكايات كل ساعة عن الفيلم تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً وإنتاجاً , لخدمة أهداف صناع الفيلم ومروجيه , ودون يقين من صحة أوصدقية أى خبر أو معلومة , أو التوقف للتفكير فيما وراء مايطرحونه علينا .. فإن المؤسف وبشدة أننا سائرون فى ردود أفعالنا , مؤيدين ومؤكدين للصورة الذهنية التى يسعى صناع الفيلم لتأكيدها وهى أننا غوغائيين وهمجيين وإرهابيين متوحشين , وجاء قتل السفيرالأمريكى بليبيا مؤكدا ذلك , ناهيك عما جرى امام السفارة الأمريكية بالقاهرة من إشتباكات مع الشرطة وحرق لسياراتها , وإعلاء لأعلام "تنظيم القاعدة" السوداء .
رابعاً : أن الفيلم المُسئ يعتمد على أكاذيب وقصص مدسوسة على النبى والصحابة , ومتداولة فى كتب قديمة ,مرفوضة من جمهور الفقهاء , ومنطق الامور يقول بان الرد على الفيلم المسئ يكون بأفلام أخرى , توضح وتظهر الصورة الصحيحة للإسلام وسماحته ورقيه , أو بالرد على مثل تلك الأكاذيب التى تبناها الفيلم واعتمد عليها , فضلا عن أن التجاهل هو أفضل علاج , إذا أن هذه الضجة الكبرى التى صاحبت حركة الجماهير فى مصر وليبيا واليمن , هى التى روجت وبقوة للفيلم وساهمت فى نشره وتداوله , بما يخدم رسالته .. ويحضرنى هنا مقولة الداعية الإسلامى أحمد ديدات ( 1918- 2005) بأن "أكثر من روج لمن شتموا الإسلام والرسول , هم المسلمين بتصرفاتهم الصبيانية والهوجائية المنفرة من الاسلام ", وكان ذلك بمناسبة ثورة غضب إجتاحت المسلمين آنذاك من تطاول كاتب بريطانى عام 1985 على الإسلام والإساءة عليه .
على كل حال ..إذا كنا على قناعة بأننا أمام "مؤامرة" وليس مجرد "فيلم" , فهذا يعنى أن علينا التعامل بحكمة , وحذر بما يحبط هذه المؤامرة ,ويمنعها من تحقيق مراميها وأهدافها , لكننا للأسف ندعمها بكل قوة بتصرفاتنا الهوجاء , وغوغائية البعض منا دون وعى , إلى حد أن شيخ سلفى قام فى مشهد إستعراضى إمام السفارة الأمريكية ب"إحراق الإنجيل" فى "إهانة" بالغة ومرفوضة ومقيتة ومنبوذة لمشاعر الإخوة الإقباط المصريين والذين سائهم هذا الفيلم , مثلنا تماما , ويحار المرء فى فهم مثل هذا السلوك الذى يتبنى فكرة إهانة المسحيية , مقابل إهانة الإسلام , مع أن ديننا يوجب علينا الإيمان بكل الرسل والأنبياء والدينات ومنها المسيحية , ولايغير من ذلك أن تكون حجة هذا الجاهل الذى أحرق الإنجيل , أن فعلتة الشنعاء تأتى ردا على القس جونز المتطرف الذى احرق المصحف الشريف , فما هكذا يكون الرد.. إذ أن هذا السلوك يمكن أن يشعل فتنة طائفية , بما قد يؤدى إلى إحراق الاخضر واليابس فى مصر , وليس من المستبعد ان يكون ذلك من بين أغراض الفيلم وصناعه ..وقانا الله ووقى مصرنا الغالية شر الفتن والمؤامرات .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com