ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

هوبسباوم والنبي العلماني أبو لحية

بقلم: د.عصام عبدالله | 2012-10-02 11:02:11

 ينتمي "إيريك هوبسباوم" ( 1917 – 2012 ) إلي سلالة العباقرة من مؤرخي الفكر في القرن العشرين، أمثال: "آرثر لوفجوي" مؤلف "سلسلة الوجود الكبري" الذي أدخل علم تاريخ الأفكار في أمريكا، و" كارل مانهايم" الذي أنتزع هذا العلم من المجردات وربط بينه وبين التاريخ الإجتماعي في كتابه " الإيديولوجيا واليوتوبيا: مقدمة في سوسيولوجيا المعرفة "، و"إرنست كاسيرر" صاحب موسوعة "فلسفة الأشكال الرمزية"، و"ميشيل فوكو" الذي طور تاريخ الأفكار التقليدي وقدم منهجا جديدا للبحث أسماه "التحليل الحفري"، إلي جانب: "برنارد جروتهوزين" و"فيدريكو شابود" و"وهان هويزينجا" و"ول هازارد" و"هربرت باترفيلد" و"جون هرمان راندال" و"كرين برينتون" و"بازل ويلي" و"فرانكلين . ل . باومر" وغيرهم.


و"علم تاريخ الأفكار" هو فرع معرفي جديد نسبيا، أصبح يحتل منذ النصف الثاني من القرن العشرين موقع الصدارة في الدراسات الفلسفية والتاريخية في جامعات أوروبا وأمريكا واليابان. ويبحث، كما يبدو من تسميته، في المفاهيم والأفكار المحورية التي تسيطر علي حقبة بعينها أو مجتمع ما في فترة محددة، ويتتبع هذه الأفكار في مختلف ميادين المعرفة وليس في ميدان بعينه، كما انه لا يدور حول الأفكار الواضحة بذاتها فحسب (كما تفعل الفلسفة) وانما هو يهتم أساسا بـ"العالم الباطني للفكر"، أو قل تلك الأفكار التي
 
  رحيل أيريك هوبسباوم
تقف وراء كل الفكر الصوري أو تعد شرطا له، كما يقول باومر، وبديهي ان هذه الأفكار هي التي تكشف عن أعمق أعماق شخصية شعب معين أو عصر ما أو حضارة كاملة.
وإذا كان ظاهر الأمر يوحي بأن علم "تاريخ الأفكار" يقوم علي افتراض مسبق مفاده "أن العقل أو الروح هو القوة القصوي وراء كل تقدم في التاريخ"، فإن النقلة الكبري التي أحدثها المؤرخ البريطاني" هوبسباوم " تتمثل في إقامة الجسر بين التفسيرين المثالي والمادي للتاريخ، متأثرا بالاتجاه الفكري العام – وليس الخاص – لكتابات "كارل ماركس"، ورغم أنه مارس النقد الجذري للعديد من أطروحات ماركس الخاصة بالمجتمع البورجوازي في القرن التاسع عشر، إلا أنه لم يتخل عن ماركسيته حتي وفاته صباح اليوم، لأنه مارس النقد من داخل أعماله وعلي أرضيته من أجل تطوير الجوانب الحية من الفكر الماركسي وغربلة ما تجاوزه العلم والزمن.
 
مفتاح سر كتابات هوبسباوم يكمن في عناوينها، فليست هذه العناوين مجرد تلاخيص تجريدية لمضامين هذه الكتابات فحسب، بل هي لب هذا المضامين ذاتها، وعلي سبيل المثال تجد في مؤلّفاته الثلاثة: "عصر الثورات" (1789 - 1848)، و"عصر رأس المال" ( 1848 - 1875) و"عصر الإمبراطوريات" (1875 - 1914) عرضا بانوراميا لمسيرة تطور الرأسمالية في المجتمعات الصناعية والحديثة، التي أتمها عام 1994 بالجزء الأخير من هذه الموسوعة، وعنوانه: "عصر التطرّف. التاريخ القصير للقرن العشرين (1914-1991)".
 
ويتضمن الأدلة القاطعة علي مغالطات المنظر الأمريكي من أصل ياباني "فرانسيس فوكوياما" في كتابه (نهاية التاريخ )، فقد رأي هوبسباوم أنه رغم ما حققته الرأسمالية من انجازات ومكاسب كبري فإنها تتضمن تناقضا لايمكن حله ويتمثل أساسا في: "جماعية عملية الإنتاج وفردية الاستحواذ علي الفائض‏".‏ بمعني ان عملية الإنتاج التي يسهم فيها ملايين المهندسين والعمال والإداريين تنتهي أرباحها في النهاية في جيوب عدد قليل من الرأسماليين وملاك الشركات والمؤسسات والمديرون‏.‏ 
 
أهم ما طرحه في هذا الكتاب الذي قسمه إلى ثلاثة مراحل - "عصر الكوارث" ما بين 1914 و 1945، "عصر ذهبي" (1945 – 1970) عرفت أثناءه المجتمعات تحولات هائلة، وأخيرا فترة أزمة شاملة مع نهاية الأنظمة الشيوعية وتفكّك الإتحاد السوفيتي السابق عام 1989 - أن الخط الفاصل الذي كان يميز بين الصراعات الداخلية والصراعات الدولية قد أختفى، وهو الخط الذي بقى واضحًا طوال القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب الباردة، إلى حد كبير. كما أن الجيوش الأجنبية لم تكن تعبر الحدود بدعوى حل صراع داخلي ينشب في نطاق دولة مستقلة ذات سيادة، وكان هذا يمثل القاعدة الذهبية للنظام الدولي، وهي قاعدة حققت استقرارًا نسبيًا للعالم، إلا أن موازينها قد اضطربت، وتآكلت فاعليتها منذ عام 1989، على نحو ما حدث في يوغوسلافيا السابقة ثم العراق منذ عام 2003 وحتي الآن، ثم ما يحدث – ويحدث - مع دول ما يعرف بالربيع العربي بدءا من العام 2011 وصولا للأزمة السورية المحتدمة التي لا يستطيع أحد التنبوء بما ستنتهي إليه.
 
هوبسباوم حذر من أننا سنواجه عملية ارتداد ونكوص إلى قرون وسطي "دينية" جديدة، بسبب انحسار الموجة التاريخية الطويلة التي تدفقت نحو بناء «الدولة - الأمة»، وتدعيم قوتها، وهي الموجة التي بدأت منذ القرن السادس عشر واستمرت حتى العقد الأخير من القرن العشرين : هل سنشهد حرباً بين الهويات والثقافات والأديان كحرب الثلاثين عاما الدينية التي شهدتها أوروبا بين أعوام 1618 و1648 ، حتي يولد "النظام الدولي الجديد"؛ أم أننا سنشهد حرباً طويلة الأمد، لها ائتلاف دولي متغير ومتعدد، ذو مستويات تضامنية مختلفة، تلعب فيها الشركات العابرة للقوميات والميليشيات المسلحة (المرتزقة) والتنظيمات الإرهابية دورا رئيسيا بالتوازي والتقاطع مع القوي الكبري؟
نقلاً عن إيلاف
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com