بقلم: حنان بديع ساويرس
ما أن ظهرت نتيجة القُرعة الهَيكلية وإختيار الرب للبطريرك رقم 118 الا وقد أستقبلت الكنيسة وابل من التهانى ومُباركات المُحبين سواء دول أو أفراد مِمَن يُمثلون أنفسهم أو طوائف مُختلفة ، من خارج مصر أو داخلها ، وفى وهج الإحتفالات والأفراح إلا ويخرج علينا مُعادين السلام والسِلم كارهين البشرية رافعين شعار" أنا قد ولدت لأعترض" فخرجت علينا بعض التيارات السَلفية المُتشددة مُعلنين أنهم لن يُهنئوا الأقباط أو البابا الجديد بجلوسه ، فهذا إلى الآن شئ عادى فكل إناء ينضح بما فيه ، ونحن لم نشغل أنفسنا بمثل هذه المُهاترات لإناس واضح أن لديهم فراغ شاسع وعندما يُريدون لفت النظر إليهم ويقولوا "نحن هنا" فيُعارضون وهذا ببساطة لأنه لم يَطلُب منهم أحد تهنئة الكنيسة ، وكان من المُمكن أن يمتنعوا عن التهنئة بدون أن يعلنوا عن ذلك ، فلا يوجد شئ رسمى يجعلهم مُضطرون لإعلان هذا !! لكن يبدو أن إحداث ضجيج بداعِ ودون داعِ هو من أبرز سِماتهم وهذا ليس بغريب عليهم.
لكن ما هو غريب حقاً أن هؤلاء الأشخاص وهم بلغتهم " أقلية عددية" أعلنوا أنهم لن يُهنئوا الكنيسة ومع ذلك يَملون شروطهم على البابا الجديد !! ، بمعنى أنهم " لن يُهنئونه وبشروط" ، وقد قالوا فى الأمثال "إن لم تستحِ ففعل ما شئت" ، فقبل أن تتم مَرَاسِم تنصيب قداسة البابا إلا ونرى هؤلاء يتصدرون المشهد بعدوانية وبدون إستحياء فبدوا وكأنهم يُصدرون فرمانات لقداسته ، والمفروض أن يقول لهم "سمعاً وطاعة"!!، وها هى نفسها طلباتهم المُستبيحة وإتهاماتهم التى طالما رددوها على مسامعنا فى حبرية قداسة البابا شنودة نيح الله نفسه وحفظناها عن ظهر قلب فيُرددونها بلا وعى وكأنه شريط كاسيت وكلما أنتهى بدأوا بتشغيله من جديد ، وبعد أن رحل قداسته عن عالمنا ، الا وقد بدأوا مُجدداً بإلقاء نفس العبارات المُستهلكة على مسامع البابا الجديد وبنفس الإستماتة !
* فقد صرحت الصُحف المُختلفة أن الجبهة السلفية بمصر أعلنت إمتناعها عن تهنئة الكنيسة بإختيار البابا "تواضروس" مُطالبين الكنيسة بعدة مطالب لتؤكد أن دورها المُقبل " سيعمل لمصلحة البلاد ، وأنهم شركاء للوطن ، وأنهم ليسوا دولة داخل دولة !!
فإليكم الفرمانات السلفية " للبابا تواضروس الثانى" وبدون تهانى !!
* أول فرمان : قد قال عضو المكتب السياسى للجبهة أن هناك ملفات شائكة على رأسها فتح باب المُسلمات الجدد ، وطالب البابا بكف الكنيسة عن مُحاولة التدخل فى حرية العقيدة والوقوف أمام إسلام المسيحيين كما طالبوا بعودة المُسلمات الجدد" حسب إدعائهم" وعلى رأسهم وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة .
- أولاً أود أن أقول لكم أنه لو كان الثمن الذى يجعلكم تكفواعن إتهاماتكم المعهودة للكنيسة بأنها دولة داخل دولة ، وليست وطنية ، وتستقوى بالخارج إلى آخر الإتهامات المُغرضة المُبتذلة المُفتعلة التى تبتزون بها الكنيسة والأقباط أقول إن كان الثمن على حساب إيماننا وعقيدتنا وسلب حقوق الأقباط وإستغلال ظروف مصر الراهنة التى جعلتكم تظهرون بالساحات وتملون علينا شروطكم المُستفزة التى تمس أكثر الأمور حساسية لدى الأقباط ، بخلاف أن من يُصرح بهذه التصريحات هو من ليس له حق الحديث ، فحينها أهلاً بإتهاماتكم للكنيسة التى لا يُصدقها أحد من المصريين الشرفاء بل يُصدقها المُنتفعون من هذه الإتهامات ، فيُطالبون البابا بكف الكنيسة عن محاولة التدخل فى حرية العقيدة ، أى بالأحرى يُطالبونه عند إختطاف القاصرات التى أصبحت ظاهرة مُنظمة وملحوظة لتزويجهن بغير إرادتهن أو إرادة ذويهن أو بمعنى أدق "إغتصابهن" ومنع أسرهن من رؤيتهن فحينها المطلوب أن يخرج البابا ويقول لهم " أمين" مُباركاً إختطافهن وتغيير ديانتهن رغماً عنهن وعن أولياء أمورهن !!
ولا مانع أن يشهد على عقد الزواج والإشهار بالمرة!! فمتى تدخلت الكنيسة فى حرية عقيدة أى مسيحى أراد تغيير دينه طالما كان هذا بإرادته الحُرة ، لكن حينما يُغرر بطفلة بأسم "الحب" الخادع الكاذب كطُعم لإصطياد الضحية فلا وألف لا ، وأقرب مثال لذلك "فتاة الضبعة" أو حينما يصطاد أحدهم بالماء العكر ليوقع بشِبَاكُه زوجة وأم لأبناء يوجد لديها بعض المشاكل العائلية التى تحدث مثلها فى كل البيوت المصرية ويدخل بينها وبين زوجها فى لحظات ضعف تمر بها وبعد ذلك يتم إجبارها على الأسلمة مثل وفاء وكاميليا والتى لا تأتى مُناسبة إلا وطالبوا بهن وكأنهن "رقيق" يبيعون ويشترون فيه ، وإلا لماذا يخشون جلسات النصح والإرشاد !! وهذا ببساطة سببه أنه يفسد عليهم فى معظم الحالات ما قد أقتربوا للوصول إليه ، فمثلاً قد وقفت وفاء قُسطنطين أمام النيابة وقالت "قد ولدت مسيحية وسأعيش وأموت مسيحية" لكن يبدو أنهم لن ينسون أبداً أن هناك فريسة قد فلتت من بين أنيابهم فى آخر لحظة ، ولا يخجلون من الإلحاح بذكر أسماؤهن بمناسبة وبغير مناسبة ولا سيما بعد مرور سنوات طويلة على هذه الأحداث !!
* الفرمان الثانى : السماح بمُراقبة ميزانية الكنيسة من خلال الجهاز المركزى للمُحاسبات ، وأن تكون الكنائس والأديرة تحت مُراقبة الدولة كالأزهر، وإتاحة تفتيش الأجهزة الأمنية للكنائس والأديرة .
- سَنُعيدها للمرة المليون فربما يكون فى الإعادة إستفادة ، الا وهى أن الكنائس والأديرة لايُنفق عليها من خزينة الدولة كالأزهر الذى يُمول من ضرائب المصريين الأقباط كالمسلمين ، فالكنيسة لا يوجد لديها أى مورد الا من تبرعات أبنائها وتكون أموال غير دورية وغير معلوم عنها الكم أو الكيف لأنها تأتى بشكل عشوائى من الأقباط ، وربما بعض الكنائس يدخلها تبرعات وبعضها لا يدخلها إلا القليل وهذا بسبب تواجُدها فى أحياء شعبها فقير ، فمن يُطالب مُراقبة الدولة لأموال الكنيسة كالأزهرعليه أولاً إذا كان لديه ذرة من الضمير الحى أو الدم الذى ينتفض فى عروق البشر أن يطلب من الدولة أولاً أن تنفق على الكنيسة كالأزهر من ضرائب جميع المصريين ، فهل بعد أن تخلت الدولة عن دورها فى الإنفاق على الكنيسة كالأزهر فى مُحاولة منها لتعجيزها وإفقارها حتى لا تستطع التقدم والنهوض بل حتى الإستمرار ، فهل بعدما خاب الظن فى ذلك ، تُريدون مُراقبة أموالها التى جاءت بمعونة الله أولاً ومُساندة وتعضيد أبناءها ثانياً فهل هى مُحاولة جديدة لإفلاس الكنيسة بعدما أعتمدت على الجهود الذاتية لتوفير إحتياجاتها بعدما تنصلت الدولة عن واجبها نحوها مُساواة بالأزهر ، ولاسيما أن الأقباط يُسددون الضرائب والجمارك كغيرهم من المُسلمين ، أما عن تفتيش الكنائس فلى هنا سؤال أود الإجابة عنه ، وإن لم يُكن هناك إجابة له فما الغرض إذاً من تفتيش الكنائس؟؟!! فسؤالى هو:
كم عدد العمليات الإرهابية التى قام بها أقباط من قبل ، وكم مسجد قاموا بتفجيره حتى تُفتش الكنائس ، بل على العكس ، كم من المذابح الذى قُتل فيها أبرياء أقباط بدون ذنب ولم يشهر أحد فيهم سلاح فى وجه المعُتدى عليه رغم أن الدفاع عن النفس حق تُكفله الدساتير والقوانين المحلية والدولية ؟؟؟
* الفرمان الثالث : مُعاقبة الكنيسة لكل من يطلب التدخل الأجنبى من أقباط الخارج ولمن يُسيئ للإسلام من أقباط الداخل"بالحرمان على الأقل" حسبما قالوا.
- ما أثار دهشتى هنا هو طلبهم من البابا مُعاقبة الأقباط "بالحرمان" أى تحديد العقوبة وإصدار القرار بدلاً منه ، فلم يتركوا له سوى التنفيذ !! وكأنه لا يبقى لهم سوى أن يجلسوا بدلاً منه على الكرسى المرقسى ليتولوا العقوبات بأنفسهم بدلاً من كثرة طلباتهم التى "صدعوا بها رؤوسنا" ليحرموا من يشاؤون ويستبقوا من يُريدون ، فهذا تدخل سافر فى عمل البابا وفى أمور لا يفهمونها وليس من شأنهم ذكرها ولا سيما أن العقوبات الكنسية وضعت لمن يُخالف العقيدة المسيحية وليس مجالنا التحدث عنها الآن .
* الفرمان الرابع : طالبوا بإقصاء الكنيسة عن العمل السياسى والرجوع للعمل الروحى " على حد تعبيرهم" وعلى البابا الجديد أن يعيد الكنيسة إلى دورها الحقيقى بعد أن خرجت عنه .
- فلم يكتفوا بتقديم القرارات الجاهزة لقداسة البابا كالعقوبات الكنسية التى طرحوها عليه ليُنفذها ، فحسب بل أنهم قاموا بدور المُرشد الذى ينصح ، وقد نصحوه بالبعد عن السياسة والرجوع للعمل الروحى وأن يعيد للكنيسة دورها الحقيقى بعد أن خرجت عنه ، فصحيح أن كلامهم مُغرض ولكنهم بدون قصد أعترفوا أن الديانة المسيحية ديانة روحية وهذا يعنى لمن يفهم أنها من الله فكلامهم يشهد عليهم ، ولكن لى هنا تساؤل "من أنتم حتى تطلبون من الكنيسة الإبتعاد عن السياسة وتقررون ما الذى يجب أن تفعله أو تمتنع عنه ؟؟!! ولاسيما أنكم رمزاً صارخ لتدخل الدين فى السياسة فما تحلونه لأنفسكم تمنعونه عن غيركم !! عجباً لكم فيبدو أنكم لا تدرون ما تقولون أو تفعلون وأراكم تتعاملون بغرور وإستعلاء دينى لا يُحتمل ففى الوقت الذى تُريدون فيه تطبيق الشريعة الإسلامية حتى على الأقباط وهذا مايُخالف عقيدتهم تطلبون من الكنيسة الإبتعاد عن السياسة !!
* الفرمان الخامس : قالوا أيضاً " لن نُهنئ الكنيسة بإختيار البابا" ونطالب بالكف عن محاولات تفزيع الأقباط من الإسلاميين ليكونوا تكتلاً تستغله الكنيسة فى مواجهة الدولة ، أو لكسب مكاسب سياسية .
- أهم شئ أنهم يعتقدون أن الكنيسة تُفزع الأقباط من الإسلاميين!! بمعنى أن الكنيسة هى من قامت بتشويه صورتهم أمام الأقباط !! رغم أنهم هم من يقومون بهذا الدور وليست الكنيسة وأقرب مثال على ذلك ، هو إعلانهم بجميع الصُحف إنهم لن يُهنئونها بالبابا الجديد ، كما طالب بعضهم الرئيس بعدم حضور إحتفال "تنصيب البطريرك" فكأنهم يُعلنونها حرباً وبعد ذلك يتهمون الكنيسة بأنها من تقوم بتفزيع الأقباط منهم لأجل مكاسب سياسية !!! وهذا أيضاً على أساس أن الكنيسة لا تُلاحق على المكاسب السياسية التى أكتسبتها بسبب تشويه صورتهم أو حتى لأى أسباب آخرى!!!
* الفرمان السادس : قالوا أيضاً : يجب أن يعمل البابا الجديد على تجميع كل المسيحيين فى ظل بوتقة المصريين لأنه كانت هناك دعوات مثل الشعب القبطى ، وعلى البابا الجديد أن يدير المشاكل التى قد تنشأ بين مسيحيين ومسلمين بحكمة ، وأن يعمل على التعاون مع القيادات الإسلامية والمسئولين فى الدولة لحلها قبل تفاقمها والا يكون هناك تمييز بين أى من المصريين وألا يتدخل فى إختيارات المسيحيين السياسية .
- بمعنى أنهم مُعترضون على إطلاق لفظ "الشعب القبطى" على الأقباط رغم أنهم يستخدمون لفظ " الأمة الإسلامية" على المُسلمين ، فأين البوتقة الذى يتحدثون عنها وتجمع المصريين تحت مظلتها ، وقد رفضها الأقباط لا أدرى؟! ، فأنا أعرف أنه حينما يتساوى المصريين حينها لا يكون هناك تمييز ووقتئذ سيطلق على الجميع بدون تفرقة " مصريون" فكفوا أنتم عن التمييز سواء فى المُسميات أو الأفعال وحينها أنصحوا بابا القبط كما تشاؤون " فمن بيته من الزجاج لا يقذف الناس بالحجارة .
- ونلاحظ أيضاً أنهم هنا يطلبون من البابا التدخل فى السياسة عندما طلبوا منه العمل على التعاون مع قيادات الدولة ولم ينسوا أنفسهم فى مسألة التعاون هذه لذا طلبوا التعاون مع القيادات الإسلامية رغم أنه عندما كان يتعاون قداسة البابا شنودة مع قيادات الدولة لحل الخلافات بحكمة كانوا ينتقدونه واليوم يطلبون من البابا الجديد أن يسير بنفس السياسة والنهج !! فأنا أتعجب من كمية التناقضات فى تصريحاتهم فلا أعرف ماذا يُريد هؤلاء بالضبط وما هذا التخبط ؟! أما أمر التمييز فلا أدرى مَن الذى يُميز بين مَن ، فهل البابا هو المسؤول عن التمييز الذى يحدث ضد الأقباط مثلاً أم أنهم يرون أن البابا هو رئيس دولة فيطلبون منه عدم تمييزه ضد المُسلمين ولا سيما فى المناصب العليا بالدولة !!!!!!!!!!!!!
- وما الحكمة المطلوبة من البابا للعمل بها عند وجود مشكلة طائفية ، فهل مثلاً من الحكمة أن يستسلم لإضطهاد أبناء الكنيسة ولا يتدخل بل يذهب يستجدى عطف القيادات الإسلامية حسب تصريحاتهم فى أن يلجأ لهم البابا؟! ولماذا التنبُأ المُسبق بأن هناك مشاكل ستحدث بين المُسلمين والأقباط فما هذه الثقة فى حدوثها؟! أليس من المفروض والطبيعى أن تقوم الدولة بحل هذه الأزمات ووأد هذه الفتن قبل إشتعالها ، وعند حدوثها بالفعل واجب على الدولة حماية المجنى عليه أو القصاص له فى حالة قتله ، وردع الجانِ أياً كانت ديانتهم ، وليس إستعطاف القيادات الإسلامية حتى يمنحوا أو يمنعوا فى جلسات عرفية عقيمة وهذا ما كان يحدث بالنظام السابق فهل تبشرونا بأن السياسة فى التعامل مع الأقباط مازالت هى بل إلى الأسوأ !!
وآخيراً ومن الآخر دعا بعضهم البابا الجديد لإعتناق الإسلام لهدايته وهداية قومه لدين الإسلام "على حد تعبيرهم"
وهذا يعد إزدراء فادح للمسيحية وإهانة لدين عرفه العالم قبل أكثر من ألفين عام من الزمان وقبل ظهور الإسلام بأكثر من ستمائة عام ، ووصف البابا والأقباط بأنهم غير مهديين لذا يدعونهم للهداية بالإسلام وهذا تشكيك فى الديانة المسيحية الذى تشهد الديانة الإسلامية بأنها ديانة سماوية .
ختاماً : أسأل الرب أن يسند قداسة البابا ويُعضده وكما قال الكتاب :
" يُحاربونك ولا يقدرون عليك لأنى أنا معك يقول الرب لأنقذك"
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com