بقلم: ماجد سوس
تاريخ الكنيسة القبطية العظيم يحكي عن رجل هو اول من وضع قانون للحياة المشتركة للآباء الرهبان بعد أن كانوا مشتتين في البراري و شقوق الأرض وضع لهم اول نظام جماعي مبني على الحب و العيش المشترك في ضوء تنفيذ وصية المسيح بحياة عملية أضحت نبراسا للأجيال تلو الأخرى تلك المدرسة التي خرّجت عمالقة أضاؤا المسكونة بتعاليمهم و حياتهم النسكية و الرجل الذي ارتبطت به حياة الشركة هو القديس العظيم الأنبا باخوميوس أب الشركة (290م – 350 م) ويقول التاريخ عن هذا القديس انه كان وثني وآمن بالمسيح وبعد إيمانه انطلق إلى القرى يخدم الناس ويحبهم..
يعضد الضعفاء ويساعد المساكين ويشارك الحزانى.. وأحبه الناس وجاء البعض يحيا إلى جواره لما لمسوه فيه من حب وتفان وألفة وبعد هروبه إلى البرية أسس نظام الشركة وهو عبارة عن تجمعات رهبانية يكون لهم رئيس ويعيشون بمحبة حقيقية و لما زاد عدد الأخوة واتسعت الخلية الرهبانية بنى لهم القديس الأنبا باخوميوس عدة أديرة متفرقة في أماكن أخرى وجعل لكل دير رئيساً.. أما هو فصار الرئيس الأعلى لحياة الشركة الباخومية ولنظام هذه الأديرة التي بلغت حوالي عشرة أديرة، وبلغ عدد الرهبان حوالي عشرة آلاف راهب.. وبذلك صار الأنبا باخوميوس أب الشركة في النظام الرهبانى في العالم كله وعندما أحس بدنو حياته جمع تلاميذه وقال لهم من تريدون أن يكون لكم أباً يدبر أموركم بمعونة الله فقالوا اختار انت فرشح لهم قديس عظيم يدعى بطرنيوس ويقول التاريخ عنه أنه لم ينم إلا بعد أن استراح قلبه من جهة أولاده ومن الذي يقوم على تدبير أمورهم مقدماً لهم الحق في اختيار أبيهم وراعيهم الجديد.
ويشاء الله لنا انا نعيش مع باخوميوس القرن الحالي و هو مطراننا العظيم الذي قاد الكنيسة بحنكة وحكمة ليس لنظيرها مثيل،على الأقل وسط عالمنا هذا الممتلئ بالأكاذيب والتهافت على المراكز والمناصب الدنيوية فقد أعطاه الرب استنارة قادت سفينة الكنيسة لبر الآمان وكأننا نرى باخوميوس أب الشركة بُعث من جديد فالمقارنة بين الرجلين جلية بحق فمطراننا العظيم هو أيضا أب للشركة الذي جمع الكنيسة وأتى بها إلى حضن المسيح فلم الشمل ووحد الجميع في شركة حب تركت تأثيرها على العالم كله فكما أثر باخوميوس الأول في العالم بقوانين الشركة التي وضعها أثر باخوميوس الثاني في العالم كله بوضع أسس الشركة والحب ضاربا بشخصيته وحياته وأعماله مثالا حيا لكل من يريد أن ينكر ذاته متمسكا بالحياة الأبدية ..حتى أن كبرى الصحف العالمية أشارت إلى نقاء و شفافية عملية اختيار البابا وأشادت بما قدمه الأقباط للعالم من وضع الأمور في يد الله ووضع مصلحة الكنيسة قبل مصلحة رجالاتها . باخوميوس الأول لم ينم حتى يختار لأولاده من يرعى مصالحهم وباخوميوس الثاني لم يهدأ باله وربما لم يذق طعم الراحة والنوم حتى سلم الكنيسة لراعي أمين مدبر حكيم.
حقا تنطبق على نيافة الأنبا باخوميوس قائم مقام البابا – السابق- مطران البحيرة والخمس مدن الغربية ، القول القائل بأن من يهرب من الكرامة تجري الكرامة وراءه فمن يعرفه عن قرب يدرك كم هو متضع ، بسيط غير مولع بالشهرة والظهور بل على النقيض يختفي ليُظهر الآخرين لايرد سائل ولاسيما من البسطاء فإذا طلبت منه أن يزورك في بيتك أو أن يتمم لك عقد زواجك او يعمد ابنك يخرج من جيبه مفكرة صغيرة ويسجل تاريخ المناسبة دون أن يفرق بين غني وفقير أو موظف أو فلاح وتجده موجود قبل الميعاد بدقائق حتى لايزعج الرعية . رأيته وهو المطران المفوه الممتلئ بالعلم والدراسة يصمت و ينصت لشاب علماني او لكاهن ويتركه يعظ في المؤتمرات الناجحة التي تقام في بيت الكرمة بالبحيرة بل ويكتب وراء المتكلم ويسجل ويشعر الجميع انه يتعلم من أصغر إنسان ..
بعد ولادة ابنتي الثانية وقبل أن تنتهي مدة الثمانين يوما المقررة للسماح للام بالتناول علمت زوجتي بزيارة نيافة الأنبا باخوميوس الى احدى الكنائس القريبة فطلبت ان تذهب لأخذ بركة منه فبعد انتهاء القداس وحينما اقتربت لتأخذ لقمة البركة من سيدنا فإذا بكاهن يعرفنا يقول بصوت عالي انت لا مينفعش تأخذي لقمة البركة لأنك لم تكملي الثمانين يوما بعد الولادة فدمعت عين زوجتي واذا بالأنبا باخوميوس ينادي تعالي يابنتي خذي لقمة البركة ونظر للكاهن وقال له دي بنت المسيح أزاي متاخدش البركة وخرجت سعيدة وعندها شعرنا بأبوة هذا الرجل العظيم . رغم انه موقف بسيط لكنه يدل على استنارة الرجل الذي تشبه بالمسيح حينما أشار ان السبت خلق الانسان وليس العكس.
أجمل ما قيل عن نيافة الأنبا باخوميوس هو ماقاله تلميذه ، قداسة البابا تاوضروس الثاني عقب إختيار السماء له ليكون البطريرك المائة والثمانية عشر فقد قال أن أبي الأنبا باخوميوس يجمع بين بطريركين في شخص واحد فهو يأخذ من البابا كيرلس السادس الصلاة والروحانية و النسك ويأخذ من البابا شنودة الثالث الحكمة و التعليم والتدبير.
اما شركاؤنا في الوطن الأخوة المسلمون فقد تباروا في مدح نيافته وسطرت المقالات و التعليقات كلها تتحدث عن عظمة الرجل وقيادته و كيف حمى الكنيسة من التشقق والانشقاق والتحزبات التي حاول عدو الخير أن يهجم بها على الكنيسة ولكن هيهات والرب اختار ربان ماهر قاد السفينة الى بر الآمان
أجمل تعليق سمعته عن نيافته وهو انه البطريرك العظيم الذي أتي بين البابا المائة والسابع عشر و البابا المائة و الثامن عشر دون ان يكون له رقما يميزه ، على ان تميزه و إن نساه البشر فالسماء قد سجلت و التاريخ وضع اسمه من نور و اختارت السماء ابنه ليكون أبا له ولكثيرين وتلك هي هدية السماء له في شيخوخته .
أبي الحبيب لايسعني في النهاية إلا أن أطلب من الرب القدير أن يديم حياتك ويحفظك ويثبتك على كرسيك سنين عديدة وأزمنة هادئة سلامية و يعوضك عن تعب المحبة الذي بذلته لأجل أولادك الأقباط في كل مكان وليحفظ الرب مصر و كنيسته إلى أن يستلمها عروس ساهرة مستعدة للفرح المعدة لها.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com