بقلم: صبرى فوزى جوهرة
سألنى زميل لى فى العمل, وهو استاذ جراحة له من الابحاث الرصينة العديد خاصة فى مجال تغييرات الجينات التى تؤدى الى التحول السرطانى فى الخلايا و ترقى مساهماته العلمية الى مستويات الترشيح لجائزة نوبل, عما اذا كان اقباط مصر عامة يتمتعون بمستوى مادى اعلى من مواطنيهم من غير المسيحيين. فوجئت بالسؤال. و قبل ان احاول الرد, توجهت اليه بسؤال آخر عن الغرض من استفساره هذا. فاسترسل فى شرح اعتقاد له بان "الاقليات" عادة ما تعانى من اضطهاد الغالبية لها اذا كانت تتمتع بمستوى اقتصادى اعلى. جاء ردى بالقول باننى لا اعتقد ان هناك فارق ملحوظ بين احوال الاقباط الماديه و مواطنيم من المسلمين, فالواقع يشير ان السواد الاعظم من المصريين جميعهم فى الهم شرق يعانون من الضنك و ضيق العيش, مع الاعتراف بتكرم المتعصبين على القبط بالمزيد من المتاعب غير المبرره سياسيا او اخلاقيا.
محدثى هذا طبيب جراح, تقلد اعلى المناصب الاكادمية بجدارة, يتمتع بذكاء نادر, و هو رجل معتدل الفكرو وسطى المنهج, واسع الافق و الثقافة, ذو احساس قوى بالعدالة و حساسية خاصة لمعاناة البشر و شقائهم. ثم انتحى النقاش الى ما كان متوقعا وهو الفكر السياسى السائد فى مصر الان و الاصرار على "اسلمة" الدوله و ما قد يترتب على ذلك من عزلة و تراجع ان ساد الفكر الاسلامى المتشدد الذى يبلغ, بلا جدال او مبالغة, حدود الشذوذ و الابتعاد الشاسع عن الانماط و النماذج المعتاده فى عالم اليوم المندفع بثبات نحو ما هو افضل. اعرب الرجل عن قلقه الشديد ليس فقط على ما قد يجلب ذلك على مصر, بل بما سيحل بالمنطقة باسرها من انحدار. فالاستمرار على هذا الدرب الانعزالى فى اعتقاده سيؤدى الى "الضمور". و لن تكون العزلة من جانب رافضى الحضارة فقط, بل و من الجانب الآخر ايضا حين يتحقق ان لا فائدة ترجى, بل ان هناك اضرار قد تحدث من جراء التعامل مع هذا الفصيل من البشر لما عرف عنهم من اللجوء الى العدوان لاقل الاسباب و اكثرها شذوذا و تفاهة. لم يستسغ الرجل فكرة الاصرار على استعادة دولة خلافة لن تجد لذاتها, ان قامت, مكانا بين الامم. و اعرب عن دهشته للاهتمام بزواج القاصرات و ختانهن و حجبهن عن الانظار الرجالالشبقة واخفائهن تماما تحت عباءات فضفاضة للحد من هياج الرجال,و كيف ستتعامل مصر مع السائحات الاجنبيات الائى يتجرعن الخمر و قد بدت اجسادهن شبه عارية كما اعتدن خاصة و ان هناك منافسة بين عديدين اخرين على اجتذابهن؟ و هل سيستمر العالم فى الاستجابة للتعالى والعزلة و العدوان بالاستمرار فى تقديم الزاد و الدواء و ضروريات الحياة لهؤلاء الانطاع الذين لايسعون للبحث عن مخارج ناجحة لمشاكلها المستعصية على الحلول, بل يتمادون فى الجرى وراء الخرافات و الاحلام مستحييلة التحقيق و يخربون فى سبيل ذلك اوطانا باكملها. سألنى الرجل: كيف سيستطيعون غزو العالم و ليس فى مقدورهم تدبير الطعام لانفسهم؟ و الى متى يتوقعون ان تتغاضى الشعوب الاخرى عن تهديداتهم و عدوانهم؟ ماذا سيبقى لهم بعد نفاذ النفط اذا بقيت احوالهم على ما هى عليه الان بل و تردت؟
ثم تحدثنا عن احتمالات الاصلاح. اعترفت لزميلى بان كان لى رجاء ان يقود مسلمو الغرب مشروع التغيير الشامل لذويهم "فى البلاد". فقد كان كل فكر جديد فى الاسلام يأتى من خارج جزيرة العرب. و لكن شيئا من هذا لم يحدث. بل اعتدنا على سماع و رؤية المزيد من العدوان و التطرف و الكراهية و اعمال الاجرام البشعة من مسلمين ولدوا و نشأوا فى الغرب. هل كان تخليهم عن مسؤلية الاصلاح لانصرافهم فى متابعة الحياة الافضل ام انه لاعتقاد قوى بان محاولة الاصلاح ستؤدى الى انهيار تام على غرار ما حدث لبريسترويكا ميخائيل جورباشوف؟ ولكن الرجل اصر على حتمية التغيير الجذرى فى الاسلام والا "لضمرت" (تعبيره الشخصى) الشعوب المصابه بداء الاسلمة.
كان حديثى مع زميلى هذا فى يوم 13 من نوفمبر. و بصدفة غريبة, طالعت عصر اليوم ذاته على تعليق لقارىء نشر فى "صفحة الرأى" بجريدة "كرستيان ساينس مونيتور" فى عددها الورقى الصادر فى 12 من نوفمبر 2012. تسائل فيه عن القرآن. و "المونيتور", لمن لا يعرفها, هى جريده توزع عالميا تأسست منذ اكثر من مائة عام, تحظى باحترام عالمى و تعد من اهم صحف العالم. تلتزم بالحياد التام (رغم اسمها المسيحى) و تتناول شؤن السياسة و المجتمع و الاقتصاد و الثقافة و الفنون فى كافىة ارجاء المسكونة و لا ينال الحديث عن المسيحية فيها سوى نصف صفحة تتناول عادة رأى ميرى اددى بيكرمؤسسه مذهب "الكريستيان ساينس". تشتهر و تتميز هذه الجريدة بالدقة فى تناول الاخبار و الاعتدال فى الرأى و الابتعاد عن الانفعالية و الغوغائية و الالتزام التام بالموضوعية و الحياد و الدفاع الدائم عن الحق و العدالة, و كثيرا ما دافعت عن حقوق الفلسطينيين, وهو الامر الذى دفعنى اولا للاشتراك بها منذ اكثر من ثلاثين عاما..
تسائل القرىء عن اسباب كراهية و عدوان بعض المسلمين المتكررعلى الغرب. و دفعه على هذا الاستفسار اغتيال السفير الامريكى فى ليبيأ. جاء فى التعليق انه من الضرورة الان ان "يصل الغرب الى حل" لما جاء بالقرآن من تعدد و تكرار للدعوة الى الكراهية و العنف و القتل : فهل هذه هى اضافات ادخلت علي القرآن بعد كتابته, ام انه عدم فهم صحيح لهذه النصوص التى تتخذ كذريعة للعدوان و الارهاب؟ ام ان الآيات الداعية للعنف فى حاجة الى تفسير جديد؟ ام انها تعبر فعلا بدقة و وضوح لا يقبل الفصال او الجدل عما تنص عليه؟ فى ختام التعليق اقترح القارىء ان تكون هيئة عالمية محايدة لدراسة القرآن بغرض التوصل الى فهم نهائى للسلوك الاسلامى غير المعتاد و كيفية التعامل معه.
و الان, عودة الى نظرية "الضمور": هل سيفيد المسلمون من مثل هذه الدراسة الدولية المحايدة لاصلاح امورهم و ايقاف هذا الضمور؟ ام انهم سيندفعون باعداد كبيرة و الى الشوارع و الميادين صارخين مهددين مشعلين الحرائق و مرتكبين اعمال العنف المتكرر و المتزايد "للانتقام لله و رسوله و الدفاع عنهم"؟
مع رجائى الشيد بان يتحقق اقتراح هذا القارىء بانشاء هيئة لدراسة موضوعية عادل و علمية للقرآن, الا ان التجارب و واقع الاحوال تشير بل و تؤكد ان ذلك لن يغير سلوك المسلمين فهم يقعون بين متشدد لا ينتج او ينفتح او يتقبل فكرا جديدا,خاصة ان جاء من "آخر", وبين صامت لعدم المبالاة او اليأس او الخوف من تكفير اخوانه فى الاسلام له.
يتبقى اذن مجال واحد للعمل المجدى. هو ما قد يفعله الغرب بناء على هذه الدراسة المقترحة لايقاف الضرر الذى تتعرض له البشرية و اازدياده المطرد بتراكم الاهمال فى التصدى لاخطاره؟ قد يقول البعض ان القرآن قد استوفى بحثا من علماء كثيرين فى الماضى, وهذا صحيح. ولكن لم يكن الاسلام حينئذ بهذا العنفوان غير المجدى و لم يكن يحمل او يحلم عندئذ بالقدرة على ما يسعى اليه بعض المسلمين من السيطرة على العالم و الرجوع بالانسان الى عصور مضت.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com