بقلم: منير بشاي
نهنىء أنفسنا باختيار الروح القدس للأنبا تاوضروس ليصبح البابا 118 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية. ومن غير شك فان قداسته تنتظره ملفات ساخنة كثيرة سيتحتم عليه التعرض لها. وعلى رأسها تفعيل دور العلمانيين فى الوعظ والتعليم فى الكنيسة.
عندما أشير هنا الى "العلمانيين" فى الكنيسة فاننى أقصد الشعب القبطى كله من غير الاكليروس. لا أشير هنا الى جبهة معينة أو تيار خاص، بل لى كل من لم يدخلوا سلك الكهنوت، وأعتقد أن هؤلاء يمثلوا أكثر من 99.9% من الشعب القبطى.
هل دور هؤلاء فى الكنيسة يقتصر على ان يكونوا مجرد سامعين موعوظين؟ أم من المفروض ان يكون بعضهم مشاركين فى الوعظ والتعليم والكرازة بالانجيل، حسب مواهبهم ونضجهم الروحى ودرايتهم بكلمة الله؟
تقليديا كان للعلمانيين دائما هذا الدور فى الكنيسة. فأتذكر ان الكنائس الارثوذكسية فى مدينة أسيوط كان يوجد بها من كان يسمى "الواعظ". وهو علمانى وظيفته ان يعظ فى الكنائس شارحا الانجيل المقدس فى أيام الآحاد، ويعظ فى الاجتماعات المختلفة فى وسط الاسبوع.
وبعدما انتقلت الى مدينة القاهرة لاحظت أيضا ان دور العلمانيين فى الوعظ والتعليم فيها كان واضحا. وبعدما استقر بنا الحال فى حى مصر الجديدة ألاحظت ان فى كنيسة مارمرقس بشارع كليوباترا بمصر الجديدة دورا قويا للعلمانيين فى الوعظ والتعليم. وأذكر أن الآحاد الأربعة من كل شهر كان يقوم بالوعظ فى ثلاثة منها علمانيون. وكان من هؤلاء الصديق الأستاذ ماهر راغب حنا المحامى الذى هو الآن الأب الموقر أغسطينوس حنا كاهن كنيسة مار يوحنا بكوفينا بكاليفورنيا.
ولكننا أصبحنا نلاحظ مؤخرا شيئا بالذات فى كنائس المهجر وهو ظاهرة تقليص الدور العلمانيين فى الوعظ والتعليم. ولا أعلم ان كان هذا سياسة مقررة أم هو مجرد استحسان من القائمين على الكنائس. ولكن الذى أراه ان الدور العلمانى فى هذا المجال كاد ان يضمحل. واصبح يقتصر غالبا على المساعدة فى الأمور الادارية والتدريس للاطفال فى مدارس الأحد.
وقد أزعجنى عندما سمعت أن أحد الأباء رد على شخص كان يستفسر عن سبب هذه الظاهرة فى كنائسنا، حيث كان رد الأب الكاهن "يعنى عايز واحد علمانى يقف على المنبر ويعظنى أنا أبيه الكاهن؟" واستغربت كيف ان العلمانيين كانو يعظون فى الكنائس طوال الوقت وكان ذلك فى حضور ليس الآباء الكهنة فقط بل أيضا أصحاب النيافة الأساقفة والمطرانة، ولم اسمع أحدهم مرة يتفوه بمثل هذه العبارة. هذا خاصة ان من يعظ لا يتكلم بسلطانه أو بطريقة شخصية منه موجهة الى أحد السامعين، ولكنه يشرح كلمات الكتاب المقدس النافعة لتعليم للمتكلم والسامعين. ولا أعتقد ان هناك من يحق له ان يتعالى على كلمة الله. ومن يظن انه فوق هذا المستوى فالافضل له ان يعفى نفسه من الحضور ويترك الباقيين ليستفيدوا من كلمة الله.
وهنا أتساءل أليست المواهب الروحية ومنها الوعظ والتعليم متاحة من الله للجميع من رجال الاكليروس وبقية الشعب؟ أليست هى وزنات أعطاها لنا الله لنتاجر بها وننميها وفى يوم من الأيام سيأتى ليحاسبنا كيف عملنا بها؟ ماذا سيكون موقفنا عندما يعلم الرب اننا دفناها ولم نتاجر بها؟ ومن يكون المسئول عن هذا؟
يعدد معلمنا بولس الرسول فى رسالته الى أهل كورنثوس الأولى الأصحاح الثانى عشر المواهب الروحية، ويقول انها اعطيت "لكل واحد للمنفعة" وفى نفس الرسالة الاصحاح الرابع عشر يطلب من الجميع ان يجدوا للمواهب الروحية "وبالأولى أن تتنبأوا (الوعظ) لأن من يتنبأ فيكلم الناس ببنيان ووعظ وتسلية (تعزية)" (1كو 14: 1) العلمانيون يمثلون الغالبية الساحقة للشعب القبطى وأى محاولة لالغاء دورهم فى الوعظ والتعليم هو الغاء لدور معظم طاقات الكنيسة ومواهبها فى بث رسالتها للعام الخارجى.
على الكنيسة أن تفتح قنوات الحوار مع العلمانيين حتى من الذين كانت لهم مواقف خاصة لتضمهم الى أحضانها من جديد لقد آن الوقت ان تجمع الكنيسة كل أبنائها تحت جناحيها ليصبحوا وحدة كاملة، تربطهم مع الكنيسة الأم رباط محبة المسيح، ويسودهم السلام الكامل الذى تعبر عنه القبلة الطاهرة المقدسة الرسولية التى نتبادلها أثناء القداس الالهى.
وأتمنى ان يكون هذا العمل على رأس أجندة البابا الجديد قداسة الأنبا تاوضروس الثانى. ونسأل الرب ان يعينه على تحمل أعباء المسئولية الكبيرة التى تنتظره.
Mounir.bishay@sbcglobal.net
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com