كتب-عماد توماس
جدد حزب التحالف الشعبى الإشتراكى، رفضه للمنتج النهائى الذى خرج عن هذه الجمعية المشوهه. وفند مواد الدستور من خلال عدد من التحفظات والاعتراضات الجوهرية، ودع جموع الشعب المصرى إلى رفض هذا الدستور واسقاطه كخطوة ضرورية على طريق استكمال أهداف الثورة فى الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية.
وقال الحزب فى بيان صادر عنه، على صعيد الحقوق الإقتصادية والإجتماعية، وعلى الرغم من إدعاء الجمعية التأسيسية سعيها لكتابة دستور يمثل ثورة كانت ولا تزال العدالة الإجتماعية من أهم شعاراتها، أتى مشروع الدستور ليعلن بشكل فاضح عن الانحياز لنفس سياسات الاستغلال والإفقار التى سادت خلال عهد مبارك. فعلى سبيل المثال، تنص المادة 14 على ربط الأجر بالانتاج وذلك على الرغم من المطالب المرفوعة منذ عقود- بل وعلى الرغم من أحكام القضاء الصريحة- التى تنص على ضرورة ربط الأجر بالأسعار. وكذلك سمحت نفس المادة بالابقاء على التفاوت الفج بين الأجور والدخول عندما سمحت للمشرع استثناء فئات معينة من العاملين بجهاز الدولة من الحد الأقصى للأجور. أما المادة 62 المتعلقة بالحق فى الصحة فلا تنص على حق عموم المواطنين فى التأمين الصحى وتقصر ذلك الحق على "غير القادرين" وهو تعبير فضفاض يسهل الالتفاف عليه كما يعلم الجميع فى الممارسة العملية بل ويفتح الطريق أمام خصخصة خدمات هيئة التأمين الصحى كما حاول مبارك وحكومته مراراً، وهى المحاولات التى دعمها بشكل معلن أو مستتر نواب الإخوان المسلمين فى البرلمانات السابقة. وكذلك رفضت الجمعية التأسيسية كافة الإقتراحات التى سعت لتخصيص نسبة واضحة من موازنة الدولة للخدمات العامة كالتعليم والصحة والنقل العام أسوة بدساتير الدول النامية التى تتشابه ظروفها الإجتماعية مع ظروفنا. فأتت المادة 58 الخاصة بالحق فى التعليم فضفاضة ولا تنص إلا على مجانية التعليم فى المراحل الأساسية دونما حديث عن رفع موازنة التعليم وضمان جودته. أما الحق فى السكن المنصوص عليه فى المادة 68 فمازال عرضة للعصف به دونما أى ضمانات حقيقية من قبل الدولة فى توفير المسكن الملائم لمحدودى الدخل أو تجريم طرد أى مواطن من مسكنه إلا بحكم قضائى. بل إن ظواهر مؤسفه لا يختلف اثنان على ضرورة القضاء عليها نهائياً مثل عمالة الأطفال قد أصبحت شرعية بحكم الدستور الجديد! فقد رفضت الجمعية التأسيسية بإصرار غريب النص الصريح عن تجريم عمالة الأطفال فى المادة 70 وأبقت على صياغة باهتة تمنع تشغيل الأطفال فى "أعمال لا تناسب أعمارهم"، كما أغفلت مسودة الدستور حقوق النساء في جميع المجالات، ولم ينص على آليه محددة لضمان تكافؤ الفرص وعدم التمييز
أما على صعيد الحقوق المدنية والسياسية، فيرى الحزب انها جاءت المسودة حافلة بعدد من القيود التى تفرغ هذه الحقوق والحريات من مضمونها. فالحق فى تأسيس النقابات المهنية، على سبيل المثال، تم تقييده بشكل فاضح فى المادة 53 والتى تحظر تأسيس أكثر من نقابة واحدة للمهنة. وهنا ينبغى أن نشدد على مطالب القوى الديمقراطية فى فصل مهمة تنظيم ممارسة المهنة (كمنح تراخيص العمل وغيرها) عن مهمة تمثيل مصالح أصحاب المهنة: فالأولى مهمة فنية يجب أن تقوم بها هيئات مستقلة للاعتماد والجودة والثانية مهمة سياسية يجب ألّا تخضع لأى شكل من أشكال التقييد. أما حقوق الإضراب والتظاهر والإجتماع، والتى أتت بمن يكتبون الدستور إلى مقاعدهم، فقد تم تقييدها بالإحالة للقانون لتنظيمها وذلك فى المواد 50 و64 من مشروع الدستور. والكل يعلم جيداً عبر خبرتنا الطويلة فى معايشة الاستبداد أن القوانين لا تصدر فى بلدنا إلا لتفريغ الحقوق الدستورية من مضمونها. أما على صعيد حرية التعبير، فقد رفضت الجمعية التأسيسية بعناد يثير الريبة إقتراح نقابة الصحفيين بالنص على عدم جواز حبس الصحفيين أو مصادرة الصحف فى قضايا النشر. وغياب هذا النص الصريح يجعل عقوبتىّ الحبس والمصادرة سيفاً مسلطاً على رقاب الصحفيين والإعلاميين على اختلافهم.
أما عن المؤسسة العسكرية، والذى يعتبر دعم الإشراف المدنى على شئونها من أهم دروس العامين الماضيين، فقد تحولت عملياً إلى دولة داخل الدولة فى مشروع الدستور. ففى سابقة من نوعها فى تاريخ الدساتير المصرية، تنص المادة 195 على ضرورة تعيين وزير الدفاع من بين صفوف القوات المسلحة وهو ما يصادر عملياً على أى إمكانية فى المستقبل القريب لدعم الإشراف المدنى على الشئون الداخلية للقوات المسلحة. أما المادة 197 فتقصر مناقشة ميزانية القوات المسلحة على مجلس الدفاع الوطنى ذو الأغلبية العسكرية بعيداً عن إشراف المؤسسات التشريعية المنتخبة. وأخيراً، فالمادة 198 تسمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية عبر النص الفضفاض على "الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة". إن هذه المواد لا تسمح فقط للقوات المسلحة بالوصاية على كل ما يتعلق بالأمن القومى والسياسية الدفاعية، ولكنها تفتح الباب أمام إفساد القوات المسلحة نفسها باستثناءها من أى رقابة مدنية حقيقية.
وكذلك فمسودة الدستور تزيد وتدعم من صلاحيات رئيس الجمهورية على الرغم من تجربتنا المريرة مع الصلاحيات شبه الإلهية للرئيس فى الدساتير السابقة وعلى الرغم من إدعاء القوى الإسلامية الباطل سعيهم للحد من صلاحيات الرئاسة. فالمادة 202 تنص على تعيين رؤساء الأجهزة الرقابية وأجهزة مكافحة الفساد كافةً من قبل رئيس الجمهورية، وهو رئيس السطة التفيذية التى تراقب هذه الاجهزة اعمالها وهو ما يتناقض مع أبسط قواعد الشفافية وعدم تضارب المصالح، وهو ما كان يوجب أن يكون إختيار رؤساء هذه الاجهزة من جمعياتها العمومية أو من البرلمان ضمانا لإستقلالها عن السلطة التفيذية.
وتُبقى المسودة أيضاً على نفس نظام الإدارة المحلية الحالى المتسم بالمركزية الشديدة وغياب الديمقراطية. فقد رفضت الجمعية النص الصريح على ضرورة انتخاب المحافظين ورؤساء الوحدات المحلية الأخرى وتركت الأمر معلقاً للقانون فى المادة 187. ولا يعنى ذلك فى الممارسة العملية إلا إطلاق يد رئيس الجمهورية فى اختيار المحافظين دونما رقيب. بل إن المادة 235 قد حصّنت نظام الإدارة المحلية الحالى- والذى تكاد تجمع كافة القوى السياسية على عدم كفاءته- من التغيير أو التعديل وذلك بالنص على استمرارية العمل بهذا النظام لمدة عشر سنوات من تاريخ إقرار الدستور.
وأخيراً، فقد ابتدعت المسودة شكلاً جديداً من أشكال الوصاية على الحريات متمثلاً فى تدخل هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى أمور التشريع. فقد نصت المادة 4 على ضرورة أن يؤخذ رأى الهيئة فى الأمور المتعلقة بالشريعة الإسلامية. إن النصّ على هذا الدور لا يُعد فقط تطوراً غريباً على روح الإسلام الذى لا يعترف بأى سلطة سياسية لرجال الدين، ولكنه يحول الأزهر لساحة إضافية للتنافس السياسى بهدف التأثير غير المباشر على عمليتىّ التشريع والمراقبة. إن الأزهر قد عاش لعشر قرون فى وجدان المصريين كمنارة للإسلام الوسطى دونما نص على هذا الدور فى أى دستور سابق ولن يؤدى هذا النص إلا للنيل من هذه المكانة الرفيعة عن طريق إقحام الأزهر فى معترك التنافس السياسى.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com