بقلم: محمد حسين يونس
مع نهاية عقد ستينيات القرن الماضي، انتشرت في أوروبا موجاتٌ من الفلسفة التي تدور أغلبها حول الاغتراب بدأها "ألبير كامو"، برواية ((الغريب)) التي حصل من أجلها على جائزة نوبل.
كان لهزيمة يونيو المذلة، وانكسار حُلم الدولة القائدة للمنطقة- في ذلك الزمن- أثره في قبول شباب المثقفين لهذا الاتجاه، وتمثله فنًّا وسلوكًا، فسادّ بينهم تعبيرات مثل ((مرحبًا أيتها الأحزان))، عنوان رواية "فرانسوا ساجان" أو ((الجحيم هو الآخرون))، مسرحية "سارتر" أو عبارات "كولن ولسن"- على ما أعتقد – في (( اللا منتمي))، ((انظر خلفك في غضب وابصق))، واتجه العديد من الفنانين للإبداع من خلال معطيات مدارس التجريد في الرسم وفي النحت والشعرأواللا معقول في المسرح، والقصة بما في ذلك توفيق الحكيم في ((يا طالع الشجرة))، ونجيب محفوظ ((تحت المظلة))، بمعنى أن الهزيمة وفلسفة الاغتراب الوجودية جعلت أغلب فناني تلك الفترة يُفضلون أن ينتجوا من داخل أطر الاغتراب سواء على مستوى الفن أو السلوك.
ومع ذلك لم يستطع أيٌّ منهم أن يُبدع مثل ما قرأتُه في جريدة ((الوطن))، اليوم. لقد تفضل شخص مهووس يدعي أنه مؤسس هيئة "الأمر بالمعروف"، وقال ((قدمنا طلبًا للداخلية لاعتمادنا ذراعًا لها في تطبيق الشريعة))، ((الدستور الحالي سوء أدب مع الله))، (( سنمنع ارتداء البنطلونات والقمصان والسلاسل، وإذا لم ترضَ القبطية بالإسلام، فيجب أن ترتدي الحجاب، وسنقف على أبواب الكنائس ندعو الأقباط للإسلام))!!
المشهد الدرامي العاصف الذى شهده ميدان التحرير في أروع تجمع جماهيري مصري منذ ثورة 1919، وإسقاط ديكتاتور ونظامه البوليسي الشرس، تحول إلى مشهد هزلي مضحك، إنهم عندما خرج من بطن الجبل فأرًا يدعي أن الجبل أباه، ثم وقف يطالب بعكس مطالب المنتفضين.
التاريخ الذي قدَّم بعد هزيمة يونيو اغترابًا وجوديًّا كرر نفسه، إذ قدم بعد هزيمة يناير 2011 نفس الاغتراب، ولكن كما قال (هيجل) بصورة هزلية تجعل المتأمل يبتسم ثم يضحك ثم لا يستطيع رغم سوداوية المأساة أن يمنع نفسه من القهقهة!
الهبة الشعبية بدلاً من أن تتحول إلى ثورة ثقافية/ اجتماعية/ اقتصادية، تم تكميمها بقوانين منع التظاهر وتجريمه الإخوانجية، الفقراء والمحتاجون الذين هبوا من أجل رغيف الخبز الرخيص عولجت مشاكلهم برفع الدعم وزيادة أسعار الضرائب والمنتجات، الشباب الذين كانوا يفيضون تدفقا وحماسًا وضحوا بالمئات من قتلى ومعوقين حل محلهم في المشهد متخلفو تورا بورا، وما تصدره لنا بلاعات الحجاز وسفلة حماس، إصلاح البلاد الذى توقعه الجميع، وشروق شمس المعاصرة عاد بالبلاد القهقري لنظم القرن الثامن عشر– حتى الآن– وتحكم الخلفاء، وتهميشهم لدور المراة والمخالفين دينيًّا!
إنني كلما تأملت وجوه مَن وضعوا لنا الدستور، ومَن صوتوا بـ"نعم"، ومَن أقروه لا أملك أن أمنع نفسي من الابتسام ثم الضحك من سخرية القدر الذي استبدل "السنهوري"، وعُصبته، بـ"أم أيمن" وعصابتها، تضطهد بنات جنسها، وتسقط ثمرات كفاح قرنين، وتسلمهن إلى قبضة ذكورية تخسف بهم الارض!
العام المنصرم نصَّب علينا رئيسًا مشكوك في جدية انتخابه، وحصوله على أغلبية، ودستورًا حوَّل الرئيس لديكتاتور رغم أنه لم يتقن دوره بعد، فما زال الديكتاتور السابق يتفوق عليه في القدرة على التزييف والتمثيل والتغرير بالبسطاء وإلباس الباطل ثوب الحق وكان- للحق- كتبة خطبه أكثر حذقا ومهارة من الحاليين.. لقد غضبنا من أجل التغيير فجاء هزليًّا!
عندما أنظر لأداء" حكومة الإخوان" خلال العام المنصرم، وكيف يُصدرون القرار صباحًا ويلغونه مساءً، وكيف يجدون المصريون يشكون قلة الوقود فيرسلون المتبقي لأشقائهم من العشيرة الحماسوية بغزة، وكيف يتصدون لأزمة تسرب المستثمرين بالتضييق على تداول العملة الحرة، ودفع مَن يملكها للسوق السوداء، وعلى نقص السلع برفع ثمنها، وعلى تضخم الجهاز الإداري بخلق وظائف جديدة، وعلى عجز الموازنة برفع مرتبات بعض الفئات، وصرف مرتبات العاطلين من رجال مجلس الشعب الملغي، ومقاومة كلمة الحق وحكم القضاء بالتضييق عليهم أو بجعل الفاشلين واللصوص والأوباش أبطالاً للنظام الجديد، لا أستطيع أن أمنع نفسي من التعجب والاندهاش من حمق الأمريكان الذين فرضوا علينا مجموعة من الفاشلين؛ ليتخذوا أكثر القرارات هزلاً وسخرية!
كل سنه وحضراتكم طيبين، ابتسموا، اضحكوا، قهقهوا، فما تشاهدونه هو الفصل الأول من ملهاة فارس من النوع الرخيص، أما في الفصلين الثاني والثالث، فلن نتوقف عن الضحك، خصوصًا لو نزل المواطن الامريكي السلفي السابق ذكره إلى الشارع يطلب منا خلع ملابسنا، ولبس جلباب الهنا السعودي وغطرسته!
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com