بقلم: إسماعيل حسني
أثبتت الشهور الستة الماضية منذ تولي الرئيس محمد مرسي حكم البلاد أن التطور الفكري لجماعة الإخوان المسلمين قد توقف عند مقتل مؤسسها حسن البنا، وأن كل ما تفعله قيادات الجماعة منذ الخمسينات ليس سوى إعادة إنتاج تجربة البنا بكل خطاياها، ودون مراعاة لفروق التوقيت والملابسات، مع فارق بسيط هو أن خطايا البنا قد قادته إلى حتفه، بينما خطايا الجماعة اليوم تضع البلاد كلها على شفا الانهيار.
فعلى الرغم من سعي الإخوان المسلمين لتقديم أنفسهم بصورة جديدة تتفق مع معايير العصر الحديث، كادعاء الإيمان بالديمقراطية والدولة المدنية والتخلي عن السمات الفاشية التي لازمت الجماعة منذ نشأتها كالنظام الخاص وفرق الاغتيالات وغيرها، إلا أنهم لا يزالوا يتخذون من حسن البنا رمزا للجماعة، ويحيطونه بهالات التقديس والولاء، رغم أن تاريخ البنا يمثل كل ما يتناقض مع هذه التوجهات الجديدة.
وفي ذكرى مقتل حسن البنا نحاول هنا في عجالة أن نذكر بالمحاور الرئيسية في مسيرته السياسية، لعل الذكرى تنفع المؤمنين وتدفع شباب الإخوان إلى إعادة النظر في توجهات الجماعة ورمزها.
فمنذ اليوم الأول لتأسيس الجماعة وصمها البنا بوصمة عار لا يمكن أن تمحى من الذاكرة الوطنية للشعب المصري، فقد اختار أن ينحاز إلى القصر في مواجهة سائر القوى الوطنية بزعامة حزب الوفد، والانحياز إلى القصر كان يعني الانحياز أيضا إلى حلفائه وهم الإنجليز وأحزاب الأقلية. وكان منطق البنا في هذا تتجلى فيه كافة آيات الانتهازية والنفعية وقصر النظر، فكان يقول لأتباعه وكأنه يضع نظرية سياسية فذة "إن الوفد يأتي ويذهب، ولكن القصر باق".
وكان شرط التحالف هو العداء السافر للوفد وكل توجهاته المعادية للقصر والإنجليز مقابل ما يقدم للبنا من دعم وحماية من البوليس السياسي وإعانات حكومية وتسهيلات في إنشاء الفروع وإصدار الصحف والحصول على ورق الطباعة بالسعر الحكومي، وغيرها الكثير مما اعترف به البنا صراحة ودون خجل بل على العكس بفخر شديد في مذكراته الخاصة "الدعوة والداعية".
وكان أكبر دليل على هذا التحالف وذاك الرضي السامي الذي كان البنا يتمتع به من الإنجليز وحكومات القصر، هو استثناء الإخوان من قرار إلغاء جميع التشكيلات شبه العسكرية الذي أصدرته وزارة محمد محمود قبل الحرب العالمية بإيعاز من الإنجليز.
ووصل الأمر في انصياع البنا لأوامر الإنجليز إلى أن يركب بنفسه سيارة حكمدار العاصمة المكشوفة ويدور بها في الشوارع لتهدئة المظاهرات التي انفجرت ضد معاهدة صدقي بيفن شارحا للمتظاهرين فوائد هذه المعاهدة، التي اعتبرها الشعب خيانة عظمى، وكانت فضيحة نشرت صحف الوفد صورها وأدت إلى احتجاجات وانشقاقات في الجماعة.
ولم يكن البنا يخفي اتجاهاته الفاشية المعادية للحرية والديمقراطية، بل كان يغلفها للبسطاء من أتباعه بغلاف ديني ساذج كالذي يعرضه اليوم غلاة السلفيون والوهابية المعاصرين، ومن ثم فقد كان إلغاء الحياة النيابية والحزبية على رأس المطالب الخمسون التي رفعها للملوك والرؤساء العرب. هذا فضلا عن إنشاء النظام الخاص، وفرق الاغتيالات، وما تم ارتكابه من جرائم، وجدها البنا عادية وغير مشينة، بدليل قوله بعد اغتيال القاضي الخازندار "أسرة الخازندار ليس لها شيء عند الإخوان غير الديّة".
وقد كان يمكن أن يشفع للبنا في هذا السلوك اللأخلاقي واللاوطني صغر سنه وقلة ثقافته وثقافة أتباعه عند تأسيس الجماعة، إذ كان في الثانية والعشرين من عمره، إلا أن هذه التوجهات قد صاحبته طيلة حياته وإلى يوم اغتياله، مما يدل على أنها كانت خصائل أصيلة في نفس الرجل أوردته موارد التهلكة.
فقد استمر البنا في نشر دعوته وتقديم خدماته لأرباب النعم إلى أن قرروا التخلص منه بقتله، لأنه تجاوز بالنظام الخاص وبما يجمعه من سلاح قدر القوة التي يمكن أن يسمح بها المتبوع للتابع، فمات وحيدا لا يجد من يستجير به أو من يشفع له، أو حتى من يجيب على اتصالاته الهاتفية.
وأخيرا، نرى أن البنا لم يبدأ مسيرته عميلا للقصر والإنجليز، إنما هي نصاحة فلاح ساذج كان يحلم بنشر دعوته وافتتاح فرع لها في كل مدينة وقرية، وكان يعلم أن أيا من القصر والإنجليز يستطيع إيقاف هذا الحلم وتحطيمه بجرّة قلم، كما كانوا يفعلون مع مصر الفتاة والشيوعيين وسائر القوى الوطنية الأخرى، فتصور أن بإمكانه اللعب مع الكبار والحصول على دعمهم وأموالهم دون التفريط في شيء من الشرف أو المبادئ، فسقط في بئر العمالة، وأصبحت الجماعة مجرد أداة في يد أعداء الوطن.
فبأي معنى من المعاني يمكن أن يكون حسن البنا شخصية وطنية أو رمزا تفتخر به أية أمة أو جماعة؟ وهل يعي الإخوان حين يلعبون اليوم نفس اللعبة مع الكبار أنهم يسقطون في نفس البئر ويجعلون من أنفسهم أدوات في يد أمريكا وأذنابها قطر وإسرائيل.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com