وسط هذا الظلام الكئيب الذى يخيم على مصر ويكاد ينزل بها إلى هاوية بغير قرار تنبعث أحياناً شعاعات نور وأمل يبعثها بعض أبناء مصر المخلصين العظام.
الدكتور مجدى يعقوب واحد من هؤلاء الأبناء البررة الذين ارتفع نجمهم إلى أعلى الذرى فى سماء الحضارة الأوروبية وتربع على عرش من عروش الطب فى المملكة المتحدة ومنحته المملكة أرفع الألقاب ولكن ذلك كله لم يجعله ينسى هذه الأرض التى أنبتته واحتضنته فى صباه وشبابه إلى أن نبغ فى جراحات طب القلب- وهنا بدأت غيرة أهل المهنة الواحدة- وهى غيرة مذمومة ومعروفة- وجمع الرجل أوراقه وهاجر إلى حيث يقدر الناس العلم والعلماء. هاجر إلى إنجلترا التى كنا جميعاً نسعى إليها إذا ألم بأحد من القادرين مرض خطير بحسبانها قبلة العلاج التى لا قبلة قبلها ولا مثلها.
ولكن مجدى يعقوب ابن مصر البار- وما أقل أبناء مصر البررة فى هذه الأيام- لم يبهره كل ذلك المجد ولم يجعله ينسى قلوب أطفال مصر وقرر العودة حيث افتتح مشروعه الإنسانى العظيم فى أسوان جنوب مصر وأعتقد أنه ضخ فى المشروع من ماله ومدخراته الشىء الكثير ولكن الشعب المصرى- رغم كل ما يرزح تحته من أعباء مرهقة فى الحقبة الماضية وحتى الآن- لديه نوع من الإحساس الذى يستطيع أن يميز به الطيب من الخبيث ولم يلتفت إلى سخافات وحماقات أن هذا مسلم وهذا قبطى تلك السخافات التى لم نسمع بها إلا عندما شاع التخلف العقلى وبدأ يتبرع لهذا المشروع النبيل العظيم فى حساب مفتوح فى كل بنوك مصر تحت رقم موحد.
على كثرة ما أعرف من شخصيات مصرية لم يسعدنى الحظ ولم أنل شرف التعرف بالدكتور مجدى يعقوب ومع ذلك فى يوم من الأيام اقترحت على مجلس كلية طب قصر العينى أن يضم إليه مجدى يعقوب أستاذاً من الخارج وقانون تنظيم الجامعات يسمح بذلك ولكن للأسف الشديد فإن أحداً لم يستجب لهذا الاقتراح الذى كان جديراً بأن يقدم للرجل الكبير بعض العزاء عما لقيه من غيرة بل حقد أبناء المهنة الواحدة خاصة إذا كانوا من الأقزام وكانوا يشعرون أن قزامتهم ستظهر أكثر وأوضح إذا وقفوا إلى جوار مجدى يعقوب.
وأكرر أننى لم ألتق قط شخصياً بالدكتور مجدى يعقوب ولم أشرف بمعرفته.
وهذا الشعب الحضارى العظيم- الذى سبق الزمان بزمان- لم يقف عند إنجاب مجدى يعقوب وإن كان من النادر أن تتكرر نوعية مجدى يعقوب- هذا الشعب الحضارى العظيم هو الذى أنجب الشباب الذى قاد غضب جماهيره إلى يوم ٢٥ يناير حيث فجر ثورة رائعة وسلمية وغير مسبوقة.
ومازلت ألتقى- بحكم عملى الجامعى- بكثير من الشباب النقى الواعد الذى يحب هذا البلد ويحلم بيوم يشارك فيه فى عملية بناء هذا البلد دون أن يتعرض للإقصاء والتهميش.
لقد كتبت عن جبهة الشباب الليبرالى وعن إعجابى بمدى استنارتهم وحبهم لبلدهم ورغبتهم فى النزول إلى القاعدة فى القرى والعشوائيات.
كل هذا يبعث الأمل فى المستقبل ويزيح من أمامنا الضباب الكثيف الذى انتشرت فيه العقول المتخلفة «العفنة» كما كان يسميها أستاذنا العظيم المرحوم الشيخ عبدالوهاب خلاف أستاذ أساتذة أصول الفقه.
ليس هذا فحسب وإنما نرى كثيراً من السيدات المصريات- محجبات وغير محجبات- يتصدرن المظاهرات سواء فى أيام ٢٥ يناير أو ما بعدها وحتى الآن ورغم همجية التحرش المقصود بها ترويعهن وإثناؤهن عن المشاركة فى المظاهرات وإظهار وجه مصر الحضارى الذى لا يحبه البعض ولا يريده- من ذوى العقول المتخلفة والعفنة على حد تعبير شيخنا العظيم.
ومما يبعث على الأمل أيضاً حادث بالغ الدلالة وقع لأحد أحفادى ولا تخفى دلالته.
هذا الحفيد ذهب إلى كندا لكى يدرس هناك ونجح فى دراسته والحمد لله نجاحاً باهراً وكان من أحلامه- مثله فى ذلك مثل العديدين من شباب مصر هذه الأيام التعسة- أن يحصل على الجنسية الكندية.
وبالفعل أتم الحفيد كل المقتضيات والمسوغات وأخطر بيوم حلف يمين الولاء لجنسيته الجديدة: الجنسية الكندية.
هل يصدق القارئ ماذا كان رد فعل هذا الشاب الذى ارتحل عن مصر منذ عدة سنوات، كان رد فعله أن ينهمر فى بكاء رهيب لأن الوطن وأرض مصر تحركت فى أحشائه وفى وجدانه وفى مشاعره.
أكاد أجزم أن هذه الأمثلة كلها تقطع بأن مصر لن تنهار حتى وإن طالت المعاناة، وقل عسى أن يكون يوم الخلاص قريباً.
والله المستعان.
نقلا عن المصرى اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com