"الناس سواسية في النظام الديمقراطي والنظام الاستبدادي.
في الأول لأن الناس هم كل شيء وفي الثاني لأنهم لا شيء"
مونتسكيو
الانتخابات في حد ذاتها لا تشكل الديمقراطية، فهي ليست غاية بل خطوة لا شك في أنها هامة وكثيرا ما تكون أساسية على الطريق المؤدية إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على المجتمع ونيل الحق في مشاركة الفرد في حكم بلده على النحو المعلن في الصكوك الدولية الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان. وسيكون من المؤسف خلط الغاية بالوسيلة وتناسى الحقيقة القائلة بأن معنى كلمة الديمقراطية يتجاوز مجرد الإدلاء دوريا بالأصوات ليشمل كل جوانب عملية مشاركة المواطنين في الحياة السياسية لبلدهم
ويحتاج حق المواطنين في المشاركة فى إدارة الشؤون العامة، وبشكل خاص من خلال الانتخابات، إلى ممارسة فعلية ويتطلب التمتع بعدد من الحقوق الأخرى المحمية دوليا. ومن بينها الحق في حرية الرأى والتعبير وتكوين الجمعيات، والحق في التجمع السلمي وفى عدم التعرض للتخويف والتهديد. وجميع هذه الحقوق بما فيها الحق في المشاركة فى إدارة الشؤون العامة، لا بد أن تكون إمكانية التمتع بها متاحة على قدم من المساواة دون أي تمييز من أي نوع كان، مثل التمييز على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو على أساس الثروة أو النسب أو لاى سبب آخر. (المواد 19
ووضعت المواثيق الدولية معاييرا لاجراء الانتخابات وعلى الرئاسة والمسؤولين أن يقوموا بتهيئة البيئة التشريعية والسياسية والقانونية. وتشمل المعايير الدولية بشأن الانتخابات ثلاثة حقوق رئيسية: (1) حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة، (2) حق التصويت والترشح للانتخابات، (3) حق تساوى فرص تقلد الوظائف العامة (المادة 25 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية بالاضافة الى معايير الضمانات القانونية والتقنية النزاهة
1- الانتخابات الحرة
الدلالة عما اذا كانت الانتخابات "حرة" أم لا : هى مدى تسهيلها للتعبير الكامل عن الارادة السياسية للشعب. فهذه الارادة هى التى تشكل رغم كل شىء بحسب الاعلان العالمى (الفقرة 3 من المادة 21) ذات أساس لسطة الحكم الشرعية .
2- الانتخابات النزيهة
ان شرط أن تكون الانتخابات نزيهة هو أيضا معيار دولى يمكن التأكد منه بسهولة. فأية تدابير يمكن أن تكون لها أثر تقييد أو احباط ارادة الشعب تنتهك، بطبيعة الحال، الاعلان العالمى لحقوق الانسان (الفقرة 3 من المادة 21) وتجعل من الانتخابات غير نزيهة.
3- الضمانات القانونية والتقنية لنزاهة الانتخابات
يتطلب تأمين نزاهة الانتخابات عددا من التدابير التقنية والقانونية الرامية فعليا الى حماية العملية من الانحياز أو التزوير أو التلاعب. وتشمل هذه التدابير جملة من الأمور من بينها وضع أحكام لاقامة هياكل ادارية موضوعية، ولتحريم ممارسات الفساد والمعاقبة عليها، ولتواجد مراقبين، ولوصول كافة الأحزاب والمرشحين بنزاهة الى وسائل الاعلام.
وشرط نزاهة الانتخابات يشمل عنصرين واسعى النطاق، الأول اجرائى ويشمل ضمانات دورية الانتخابات والمساواة وعمومية الاقتراع وسرية الانتخابات. وفيما أن الثانى يعنى بالنتائج فى توجهه ويعُرف الانتخابات النزيهة ايضا بأنها الانتخابات التى تعكس حرية تعبير الناخبين عن ارادتهم.
4- التساوى فى تقلد الوظائف العامة
ان النظام الذى يحترم حقوقا معينة من الحقوق السياسية ذات الصلة، انما يوفر افضل اطار لتأمين تمثيل الناخبين وتوفير خيار حقيقى لهم. وبشكل خاص فان المعايير الدولية لعدم تقييد تقلد الوظائف العامة تخدم هذه الأغراض. فالاعلان العالمى ينص على أن لكل شخص، بالتساوى مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة (المادة 21). والقيود غير المعقولة المفروضة على الترشح لا تتفق مع هذا
الحق، وتتدخل فى نفس الوقت فى حق الشعب فى الاختيار. ويسهب العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية فى تفضيل هذا المعيار، فينص على أن لكل مواطن الحق فى أن يُنتخب لتقلد الوظائف العامة على قدم المساواة عموما مع سواه (المادة 25 (ب) و(ج)).
ولا يسمح الحق فى تقلد الوظائف العامة والحق فى الترشح للانتخابات وكذلك الحق فى التصويت، بالتمييز على اساس العرق أو الجنس أو الدين أو الرأى السياسى أو غير ذلك من التصنيفات التعسفية، وينص العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية على بعض الشروط لتقلد المناصب العامة، ولكن هذه الشروط تنحصر فى الأسس المعقولة، مثل السن، والأهلية العقلية وغيرها . ومحاضر المناقشات التى جرت أثناء صياغة هذه الاحكام واضحة بخصوص هذا التفسير
5- ادارة الانتخابات
وفى كل الأحوال يجب أن تكفل أحكام القانون وجود هياكل ادارية موضوعية وغير منحازة ومستقلة وفعالة. ويستلزم ذلك الاهتمام بعناية بأحكام تعيين موظفى الانتخابات ومرتباتهم وواجباتهم وسلطاتهم ومؤهلاتهم وهياكل تقديم التقارير. وعلى جميع المستويات، لا بد من ابعاد الموظفين عن التحيز والضغوط السياسية. ويجب اقامة خط واضح للسلطة الأصلية. وتظل هذه الشواغل هامة بصرف النظر عن نوع الادارة المختار. وهكذا فان بعض الدول تختار سلما هرميا على رأسه كبار المسئولين عن الانتخابات، فى حين تختار دولا أخرى لجنة انتخابية تُمثل فيها الأحزاب تمثيلا منصفا، وتتميز بحياد معترف به، أو الجمع بين الأثنين.
وأيا كانت الهياكل يجب أن تقام الضمانات القانونية لابعاد ادارة الانتخابات عن التحيز أو الفساد. والتدريب الملائم المسبق ضرورى لجميع المسئولين عن الانتخابات. ويجب أن تجرى جميع الأنشطة الانتخابية، بما فيها صنع القرارات، والعملية القانونية، وتنظيم التظاهرات، بطريقة شفافية كليا.
6- أهمية وجود سلطة قضائية مستقلة تعمل كليا
مما له صلة بحماية هذه الحقوق التي تعد شرطا من الشروط الأساسية لانتخابات حرة ونزيهة أهمية وجود سلطة قضائية مستقلة تعمل كليا. والسلطة القضائية هي الهيئة الوطنية الرئيسية المكلفة بحماية سيادة القانون أثناء فترات الانتخابات وفى الفترات الفاصلة بينها. وإضافة الى ذلك، وقصد تأمين وجود سبل فعالة يمكن من للشعب أن يعبر من خلالها عن اعتراضاته وتشكياته فيما يتصل بالعملية الانتخابية، من الضروري ضمان وجود سلطة قضائية لا يقيدها إطلاقا أي تأثير أو سيطرة يقومان على التحيز. لا بد من عزل الإجراءات القضائية عن الفساد وتأثير الأحزاب، إذا ما أريد لهذه الإجراءات أن توفق بين مختلف الوظائف الانتخابية اللازمة المتمثلة في النظر في العرائض والاعتراضات والشكاوى.
وفيما يلي البعض من المبادئ الأساسية بشأن استقلالية القضاء:
(أ) استقلالية القضاء يجب أن يضمنها الدستور أو أي قانون آخر فى البلاد؛
(ب) لابد من ضمان نزاهة القضاء، دون أية قيود أو أية تأثيرات أو إغراءات أو ضغوط أو تهديدات (ج) أو تدخلات في غير محلها، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة؛
(د) يجب أن تكون للسلطة القضائية السلطة الحصرية فى تحديد أهلية الفصل؛
(ه) لا بد من تخويل القضاء ومطالبته بالسهر على سير الاجراءات القانونية بنزاهة وعلى احترام حقوق الأطراف؛
(و) الدولة مطالبة بتوفير ما يكفى من الموارد لتمكين القضاء من السير على الوجه الملائم
هذه المبادئ توفر آلية أمان تكفل تحكّم سيادة القانون – وليس أية هيئة سياسية أو خارجية أخرى – في إجراءات الانتخابات. والقضاء الذي يسير على هذه المبادئ يخدم في آن واحد القضية الهامة المتمثلة في تسوية المنازعات بالوسائل السلمية وقضية حماية العملية من التحيز أو التزوير. والدور القضائي يكمّل بطبيعة الحال وظيفة الهيئات الانتخابية المستقلة، و لايحل محلها.
الاحكام القانونية الدولية ذات الصلة
المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.
لكل شخص، بالتساوي مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة في بلده.
إرادة الشعب هي مناطق سلطة الحكم، ويجب أن تتحلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت
المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
يكون لكل مواطن ...الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:
(أ) أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية،
(ب) أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين،
(ج) أن تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده.
عدم التمييز
الاعلان العالمى لحقوق الانسان (المادتين 2و7). كما أن هذا الحق تعرّفه المواد 2 (1) و 3و27 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.و اعلانات ومعاهدات دولية أخرى على تساوى المرأة والرجل فى التمتع بهذه الحقوق، وتحظر التمييز على أساس العرق
حقوق الإنسان الأساسية الأخرى شرط لنزاهة الانتخابات
حرية الرأي،إن الحق في حرية الرأي تضمنه الفقرة 1 من المادة 19. هذه الحق حق مطلق ولا يجوز تقييده أو التدخل فيه بأي طريقة من الطرق. والحرية غير المشروطة في تكوين رأى سياسي أساسية في سياق الانتخابات، بما أن التعبير الحقيقي عن الإرادة الشعبية مستحيل في جو تنعدم فيه الحرية أو تقيد بأية طريقة من الطرق. (انظر التعليق على المادة 19 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)
توافر حرية التعبير والإعلام
والحق في حرية التعبير والإعلام تضمنه الفقرة 2 من المادة 19. ومن حيث المضمون تحمى هذه المادة كل شكل من أشكال الأفكار أو الآراء الشخصية القابلة للنقل. والقيود المفروضة على قدرة الدولة على الاستناد إلى الفقرة 3 من المادة 19 بالغة الأهمية في سياق الانتخابات الذي يجب أن يسمح فيه بنشر المعلومات إلى أقصى حد ممكن قصد تأمين إعلام الناخبين على أكمل وجه. وذلك أنه بدون وجود ناخبين مطلعين كليا على الأمور يتعذر ضمان أن تعكس الانتخابات بصدق إرادة الشعب.
وفرض قيود على الأنشطة من هذا النوع أمر حيوي في الواقع أثناء الفترات الانتخابية قصد ضمان أن يكون المناخ السياسي خاليا من أية قوى تحاول تخويف الناخبين أو أية فعاليات سياسية، أو تحاول انتهاك ما لأي مجموعة من حقوق أساسية.
وباختصار فانه ما لم يكن جميع الأشخاص أحرار في التعبير عن أنفسهم وقادرين في الواقع على نشر كل المعلومات السياسية المشروعة في الحوار الوطني، بدون أي خوف، لن يكون هناك أي ضمان لتعبير الانتخابات تعبيرا حقيقيا عن إرادة الشعب.
توافر حرية التجمعات السلمية السياسية والمنظمات الحزبية ، المادة 21 والمادة 22 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية
دكتور عوض شفيق أستاذ القانون الدولى ومدير المكتب الدولى لحقوق الانسان
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com