هذه القصة ليست لها علاقة بالأديان وإن بدت كذلك – وإذا أردت أن تفهمها علي العكس من ذلك عزيزي القارئ، فلك مطلق الحرية.
في انجيل يوحنا (اصحاح 8 : 2 11) قصة قصيرة أتوقف أمامها كثيرا، كلما حل يوم الثامن من مارس كل عام (اليوم العالمي للمرأة) .. امرأة أمسكت في الزنا، احضرها اليهود (معلمو الشريعة والفريسيون) إلي السيد المسيح وأوقفوها في الوسط، وقالوا يا معلم أوصانا موسي في شريعته بإعدام أمثالها رجما بالحجارة، فما قولك أنت؟
قال لهم : من كان مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيئَةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَر. فَلَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكَلاَمَ انْسَحَبُوا جَمِيعاً وَاحِداً تِلْوَ الآخَرِ، ابْتِدَاءً مِنَ الشُّيُوخِ. وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ، وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي مَكَانِهَا. فَاعْتَدَلَ وَقَالَ لَهَا: أَيْنَ هُمْ أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ؟ أَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْكِ أَحَدٌ مِنْهُمْ؟ أَجَابَتْ: لاَ أحد يا سَيِّدُ. فَقَالَ لَهَا: وَأَنَا لاَ أَحْكُمُ عَلَيْكِ. اذْهَبِي وَلاَ تَعُودِي تُخْطِئِينَ!
في تصوري ان أهم ما في هذه القصة أنها تكشف عن " ازدواجية المعايير " في المجتمع الذي يمسك بالمرأة دائما – وليس الرجل - رغم اشتراكهما معا في ذات الفعل، وأن نظرتنا المتخلفة للمرأة في الشرق الأوسط تمتد لأكثر من ألفي سنة، حيث لم تتأصل المساواة بين المرأة والرجل بعد سواء في الثقافة أو في القانون، المرأة تحمل وتتحمل (وحدها) أوزارنا وكافة أمراضنا الاجتماعية والأخلاقية، حتي اليوم وربما غدا.
قبل أشهر قليلة نشرت وكالة " رويترز " فيديو لامرأة عمرها 22 عاما تتعرض لوابل من الرصاص وسط هتافات الابتهاج من قبل حشد من الرجال في مكان بالقرب من كابول (عاصمة أفغانستان). تحت هذا الخبر (المصور) جاءت مجموعة من الروابط منها : حركة طالبان تقتل امرأة تدعي " نجيبة " بعد اتهامها بارتكاب جريمة الزنا في قرية في اقليم باروان. هروب الشيخ السلفي علي ونيس (مرتكب الفعل الفاضح في الطريق العام) بعد ان ترك الفتاة تواجه مصيرا مظلما.
بين الدين والجنس في مجتمعاتنا البائسة " وشائج قربي "، فالدين يستخدم عادة كوسيلة لتنظيم السلوك الجنسي والعلاقات بين الجنسين، خاصة الطريقة التي يتعامل بها الرجال مع النساء، فضلا عن تقنين العقوبات خارج العلاقات الجنسية الشريعة (كجريمة الزنا).
المرأة في مجتمعاتنا لا تملك للأسف خيار (أو ترف) الاحتماء بالقانون، لأن هذه المجتمعات يسيطر عليها " الرجل " غالبا، الذي لا يرغب أبدا في أن يفرط في هذه " الهيمنة " الذكورية علي المرأة، وبالتالي فهو لن يكف أبدا – وبكل السبل - عن استخدام التقاليد الثقافية والدينية لتبرير هيمنته ولو" بالشريعة " أو القانون الديني.
وعلي سبيل المثال، فقد جاء في (مجلة الإخوان المسلمين – 5 يوليو 1947) : " يعتبر منح المرأة حق الانتخاب ثورة علي الإسلام وثورة علي الإنسانية، وكذلك يعتبر انتخاب المرأة ثورة علي الإنسانية بنوعيها لمناقضته ما يجب أن تكون عليه المرأة بحسب تكوينها ومرتبتها في الوجود، فانتخاب المرأة سبة في النساء ونقص ترمي به المرأة ".
أما رأي الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 فهو مدون في " حديث الثلاثاء "، يقول : " ما يريده دعاة التفرنج وأصحاب الهوي من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة مردود عليهم بأن الرجال، وهم أكمل عقلا من النساء، لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين؟!"
ولذلك فإن المرأة في معظم بلدان ما يعرف بالربيع العربي أمام منعطف خطير اليوم ، وأن النضال يجب أن يتجاوز وضعها في " الدستور " وكافة أشكال وآليات " الحقوق السياسية " إلي جوهر " الحقوق الأساسية " ذاتها، بإعتبارها (إنسان) كامل الأهلية وليست كائنا ناقصا، كالمساواة مع الرجل في " العمل " وفي المناصب المختلفة وفي الحقوق والواجبات أمام القانون.
سيطرة الإسلام السياسي اليوم تستند إلي الشريعة الإسلامية بالنسبة للمرأة، وهو ما يعني أننا أمام معضلة " ثقافية " أصبحت مدعومة من الناحية السياسية بالقانون و(الدستور)، الذي لم يعد أداة لتحرر المرأة وتحقيق المساواة الكاملة والعدالة بينها وبين الرجل.
لقد كان الأمل – قبل وصول الإسلاميين إلي الحكم - في تغيير القوانين ومواد الدستور أولا، علي اعتبار أن الكثير من الحلول للمشكلات الثقافية بالنسبة لوضع المرأة هي " سياسية " و" قانونية " في المقام الأول، أما اليوم فقد تبدد هذا الأمل – أو كاد - وأصبح لزاما علينا أن نحدد " نوع " الفيروس الكامن في نسيج هذه الثقافة وآليات عمله، ومتي ينشط ولماذا؟
dressamabdalla@yahoo.com
نقلا عن إيلاف
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com