أصاب المشهد أهالى مدينة أسيوط بالقلق، مجموعة من الرجال يستقلون دراجات نارية وعدداً من السيارات، يجوبون شوارع المدينة، حاملين لافتات الجماعة الإسلامية، معلنين تكوين لجان شعبية تحل محل قوات الشرطة، التى امتنعت عن العمل فى بعض أقسام مدينة أسيوط.
حمل المشهد الكثير من الدلالات السياسية، وألقى فى قلوب الجميع الرعب من أن تكون هذه اللجان نواة لميليشيات مسلحة تسيطر على مقاليد الأمور وتفرض آراءها السياسية والفكرية بالقوة.
فى أحد ميادين مدينة أسيوط المزدحمة، انزوى أحد أفراد الأمن السريين، الذى تسهل معرفته بمجرد النظر، يراقب حركة الشارع من بعد، فى البداية طلب عدم ذكر اسمه، يرتدى جلبابا صعيدياً، يجعل هيئته لا تختلف فى شىء عن أهل المدينة، يبلغ من العمر ٣٠ عاماً، يعمل فى جهاز الشرطة منذ نحو عشر سنوات، أطلعنا على بطاقة هويته ولم يبد اندهاشا من تعرف المصرى اليوم على شخصيته دون مساعدة، يقول: «الجماعة استغلت الموقف للسيطرة على المدينة».
يضيف: «فوجئ أفراد الشرطة، الذين دخلوا فى اعتصام مفتوح وامتنعوا عن العمل، بمظاهرة ضخمة لأعضاء الجماعة الإسلامية، تجوب شوارع المدينة، معلنة تأسيس لجان شعبية تحل محل الأمن، وقام أفرادها بالتوجه لأماكن خدمات الشرطة الرئيسية فى شوارع المدينة بالقرب من البنوك والشركات، وطلبوا من رجال الأمن الانصراف، وهو ما أدى لحدوث بعض المشادات، انتهت برحيل أعضاء الجماعة».
يشير فرد الأمن السرى إلى المارة ويقول: «لو الجماعة تولت مسؤولية الأمن البلد تولع»، بدأ فرد الأمن يشرح صعوبة عمل الشرطة، متسائلا بنوع من الغضب عن التصرف الذى ستقوم به الجماعة فى مواجهة المسجلين ومعتادى الإجرام، الذين يحملون الأسلحة بكل أنواعها، وهل سيتبادلون معهم إطلاق النار، وهل سيحملون السلاح لمواجهتهم.
أنهى حديثه وهو يقول: «أسيوط لها طبيعة خاصة بها أقباط ومسلمون»، تختلف طبيعة أسيوط عن أى مدينة أخرى، لارتفاع نسبة الأقباط وانتشار الكنائس، وفى الوقت نفسه تعتبر المدينة المعقل الأول للجماعة الإسلامية على مستوى الجمهورية، وهو ما يحتاج إستراتيجية أمنية متوازنة وحذرة، خاصة أن قرى المحافظة ينتشر بها السلاح وتشتعل بها حروب الثأر بين العائلات».
بالقرب من الميدان المقابل لمحطة القطار، وقف أحد رجال الأمن ينظم حركة المرور، وقد سدت سيارات الأجرة الطرقات بعد أن انتشرت المواقف العشوائية فى شوارع المدينة وأعاقت حركة المرور، يرفض ذكر اسمه، يقول: «الأهالى رفضوا قيام الجماعات بمهام الأمن»، ارتسمت على وجهه ابتسامه، وهو يحكى ما وصل إلى مسامعه عن قيام أهالى قرية الحواتكة التابعة لمركز منفلوط، بطرد بعض أعضاء الجماعة الإسلامية، الذين توجهوا وهم يحملون رايات الجماعة، إلى إحدى محطات الوقود وأرادوا فرض سيطرتهم، وتنظيم السيارات فى طوابير أمام المحطة، وهو ما رفضه الأهالى، الذين توجهوا إلى نقطة الشرطة، مطالبين الشرطة بالعمل، وهم يرددون: «الشرطة والشعب إيد وحدة».
فى مديرية أمن أسيوط، تجمع عدد من أفراد وأمناء الشرطة حول مكتب الأمين محمد عوض، المتحدث باسم اللجنة العليا لأفراد وأمناء الشرطة بأسيوط. شاب ثلاثينى انهمك فى الحديث مع زملائه حول كيفية حل مشاكلهم وتلبية طلباتهم، يقول وقد ارتسمت على وجهه علامات التعجب والضيق: «فوجئنا بنزول هذه اللجان للشارع، ووضع ملصقات تدعو الأهالى للانضمام لها»، أخرج من بين أدراج مكتبه بيانا أصدره الائتلاف، استنكر فيه ما حدث، وأكد أن ما قامت به الجماعة الإسلامية أثار حفيظة رجال الشرطة وغضبهم.
وقال أيمن مصطفى قائلاً: «لن نسمح بتمرير قانون شركات الحراسة الخاصة وإعطائهم حق الضبطية القضائية»، وهنا ثار أفراد الشرطة المتواجدون بالمكتب، معلنين رفضهم القانون الذى سيساعد على تكوين ميليشيات خاصة وسيؤدى، حسب وجهة نظرهم، لنشوب حرب أهلية.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com