بقلم: د.عبدالخالق حسين
بمناسبة مرور عشر سنوات على إسقاط حكم البعث الفاشي في العراق، وما نجم عنه من تداعيات، ومضاعفات، وصراعات، وعمليات إرهاب، وفضح المستور من عيوب المجتمع العراقي، وخاصة الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة، والأثنية بين الكرد والعرب، ومعانات الأقليات الدينية، يطرح المحللون السياسيون في الغرب، المتابعون للأزمة العراقية، فيسألون: هل ما تحقق بعد إسقاط حكم البعث كان يستحق كل هذه التضحيات التي دفعها الشعب العراقي من أرواح أبنائه وممتلكاته، وتخريب مؤسساته الاقتصادية والخدمية؟ (Was it worth it?)، أما كان الأفضل الانتظار ليسقط حكم البعث بطريقة وأخرى أقل خطراً مما حصل؟ وهل العراق اليوم أفضل من عراق في عهد صدام؟ وهل العالم اليوم أفضل مكاناً للعيش بإزاحة البعث عن الحكم في العراق؟
بالتأكيد من غير المتوقع أن تحصل على اتفاق في الجواب على كل هذه الأسئلة، فالناس يختلفون في مواقفهم من كل شيء، فكيف من قضية مثيرة للجدل إلى حد العداء والاقتتال مثل قضية تحرير العراق، خاصة وقد تم هذا التحرير على يد أمريكا، الدولة العظمى، التي أدمن المؤدلوجون في العراق والبلاد العربية على معاداتها مع حليب الرضاعة؟
ولكن على قدر ما يخصني الأمر، ففي رأيي، الجواب على جميع هذه الأسئلة: نعم، العراق أفضل الآن مما كان عليه في عهد صدام، وتحقق الكثير خاصة في مجال الديمقراطية. فالعراق يكاد يكون البلد الوحيد في المنطقة العربية والشرق الأوسط الذي يتمتع شعبه بالحرية والديمقراطية، ولكن كما قال الكاتب السياسي الإيراني المعروف أمير طاهري: "العراق ليس طريقا مفروشا بالورود.. لكنه في طريقه نحو الأحسن".(1)
صحيح أن حياة العراقيين لم ترق إلى ما كنا نتمناه ونطمح إليه، ولكن هذا النقص ليس بسبب الحكومة المنتخبة، بل بسبب أعداء الديمقراطية الذين هيمنوا على السلطة لعشرات السنين بالقبضة الحديدية، ورأوا في الديمقراطية ضرراً عليهم. لذلك فبمقارنة منصفة بين العهدين نعرف مدى التغييرات الإيجابية التي طرأت على حياة العراقيين، اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً وخاصة في حرية التعبير والتنظيم. فهناك عشرات الفضائيات، والإذاعات، ومئات الصحف، وأغلبها ملك القطاع الخاص، إضافة إلى آلاف المواقع الإنترنت، تمارس الحرية في نقد الحكومة بما فيها أعلى الرئاسات في الدولة، بل وحتى كيل الشتائم والافتراءات على الحكومة والتحريض ضدها، والدعوة لإسقاطها ودون أية محاسبة. كذلك هناك مئات الأحزاب السياسية، وأكثر من أربعة آلاف منظمة اجتماعية وثقافية، ناهيك عن الهاتف النقال الذي بلغ عدده ما يقارب ثلاثة أرباع عدد سكان العراق إذا ما طرحنا منه الأطفال دون سن السادسة. وهذه الحالة لم يعرفها العراق في تاريخه من قبل.
يحاول أعداء الديمقراطية تضخيم السلبيات، واختلاق الكثير منها وإنكار الايجابيات التي تحققت خلال السنوات العشر الأخيرة، بل واستعاروا جميع التركة الثقيلة التي ورثها العراق من حروب البعث الصدامي، الخارجية والداخلية، من ملايين المعوقين والأرامل والأيتام والخراب في البنى التحية، ونسبوها إلى العهد الجديد وتبرئة حكم البعث منها.
إذ كما قال توني بلير قبل أسابيع للبي بي سي: "...أن قضية العراق تبقى خلافية... لقد اقتنعتُ منذ مدة بعدم جدوى محاولة إقناع الناس بأن القرار الذي اتخذناه كان صائبا." ولكنه يضيف: " فلو أننا لم نزح صدام حسين من السلطة، ما الذي كان سيحدث لو أن هذه الثورات العربية قائمة، وصدام حسين، يحاول قمع انتفاضة في العراق، مع العلم أنه أسوأ من بشار الأسد في سوريا 20 مرة."
في الحقيقة كلنا نعرف أن صدام ليس أسوأ من بشار بعشرين مرة، بل آلاف المرات، فصدام لا مثيل له في القسوة، وربما أقرب شخص له هو ستالين وبولبوت. فعدد القتلى من الانتفاضة السورية بلغ نحو 70 ألفاً خلال عامين، ونسبة كبيرة من الضحايا قتلوا على أيدي الجيش السوري الحر، و"جبهة النصرة" التابعة للقاعدة. بينما قتل صدام حسين من العراقيين خلال انتفاضة آذار (الشعبانية) عام 1991، نحو 300 ألف خلال ستة أسابيع فقط. وصدام كان مستعداً لإبادة كل الشعب العراقي في سبيل بقائه في السلطة. والذي ينكر هذه الحقيقة إما جاهل، أو مع إبقاء حكم البعث الفاشي.
ليس هناك إنسان سليم العقل يرغب بالحرب، وخاصة على بلاده، ولكن ما العمل إذا كان البديل هو الأسوأ شراً. لذلك، نعتقد أن حرب تحرير العراق كان لا بد منها ومبررة. فنظام البعث كان حرباً دائمة على الشعب العراقي، إضافة إلى حروبه الخارجية حيث شن حرباً على إيران دامت 8 سنوات أهلكت الحرث والنسل، كذلك احتل الكويت، وتسبب في فرض الحصار الاقتصادي الأممي على الشعب العراقي لـ 13 سنة. وفي هذه الحالة كانت الحرب عادلة على حرب عبثية جائرة. وفي هذا الخصوص يقول الفيلسوف الكوبي خوسيه مارتي، صاحب جائزة السلام باسمه: "مجرم من يخوض حربا يمكن تفاديها. ومجرم من لا يخوض حربا لا يمكن تفاديها." لا شك أن الحرب على الفاشية البعثية ما كان بالإمكان تفاديها في جميع الأحوال، لأن هذا النظام المجرم قد أذل الشعب العراقي إلى أبعد الحدود.
اعتراضات أعداء تحرير العراق
يعترض أعداء تحرير العراق بالقول أن بوش وبلير قد رتبا إسقاط صدام على الكذب بامتلاك صدام أسلحة الدمار الشامل، ولم يكن لسواد عيون العراقيين، أو لإقامة نظام ديمقراطي، بل لنهب نفط العراق واسعتباد شعبه وقتله، ولخدمة إسرائيل، والحرب غير مشروعة لأنها لم تحصلا على تخويل من الأمم المتحدة...الخ، ويرددون القول: "ما بني على باطل فهو باطل"، وهو منطق ينطبق على موقف البعثيين وحلفائهم بالدرجة الأولى. على أي حال، لنناقش هذه الاعتراضات ونرد عليها كالآتي:
أولاً، مسألة عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل
صحيح، لم يعثر المفتشون الدوليون بعد إسقاط حكم البعث على هذه الأسلحة، وهذا لا يعني أن صدام ما كان يمتلكها قبل سقوطه، ولكنه دمرها أو أخفاها في رمال الصحراء الواسعة فيما بعد. وبالتأكيد كان يخطط لامتلاكها، فقد بدد الطاغية ثروات البلاد على برنامجه النووي بشهادة الخبراء العراقيين في الفيزياء النووية الذين عملوا في هذا المجال. وفي هذه الأيام هناك شهادة لخبير أمريكي قال أنه من المحتمل أن صدام أخفى أسلحته النووية لدى سوريا بنصيحة من روسيا. رابط التقرير في الهامش.(2).
والجدير بالذكر، أن سلاح الدمار الشامل لا يعني القنبلة النووية فقط، بل يعني أيضاً، الأسلحة الجرثومية والغازات السامة. والمعروف أن صدام استخدم الغازات السامة المحرمة دولياً ضد الكرد في حلبجة، وضد عرب الأهوار، وضد الجيش الإيراني في حربه مع إيران. وهذه حقائق مثبتة لا جدال فيها. وحتى لو سلمنا جدلاً بعدم وجود السلاح النووي، فصدام هو الذي جعل العالم يعتقد بامتلاكه له، أو كان يخطط لامتلاكه، حيث كان يتباهى أمام الإعلام العالمي مهدداً بحرق نصف إسرائيل بالسلاح النووي. أما إذا تبين أن تهديداته كانت فارغة ولتخويف إيران كما أدعى أتباعه فيما بعد، فالذنب والمسؤولية في هذه الحالة يقعان عليه هو، وليس على من عامل تهديداته بالجدية.
أما أمن إسرائيل فهو جزء من إستراتيجية أمريكا وكل الدول الغربية، وهذا ليس سراً يخفونه. ولكن، هل حقاً، كان صدام حسين يشكل خطراً على أمن إسرائيل؟ الحقيقة المرة هي أن سياسات صدم الطائشة كانت قد خدمت إسرائيل وأضرت بالقضية الفلسطينية، وذلك عن طريق إدعاءاته الزائفة بحرق إسرائيل، ودعمه للمتطرفين الفلسطينيين من أمثال عصابة أبو نضال وغيره، وكذلك دوره التخريبي في لبنان إثناء الحرب الأهلية اللبنانية.
ثانياً، أمريكا لم تسقط حكم البعث لسواد عيون العراقيين!.
هذا الاعتراض صحيح، ولم ينكره أحد، وقد أكدناه مراراً بالقول أن في السياسة لا يوجد شيء اسمه (سواد عيون)، بل مصالح، إذ كما يقول الإنكليز: لا توجد وجبة مجانية (There is no free lunch). وكعراقي، لا يهمني أن ما قام به بوش وبلير لسواد عيون العراقيين، أو لوجه الله، أو لمصلحة بلدانهم، أو لدمقرطة العراق والمنطقة، وإنما الذي يهمني هو: أن إسقاط حكم البعث كان أكبر خدمة للشعب العراقي وشعوب المنطقة، فلأول مرة في التاريخ تتطابق مصلحة الشعب العراقي مع مصلحة الدولة العظمى بعد انتهاء الحرب الباردة. لذلك، فمن الجنون والعبث تفويت الفرصة وعدم الاستفادة منها، بغض النظر عن أغراض الآخرين من هذه العملية. فالعراق كان محتلاً من قبل حزب البعث الذي ألحق به أشد الدمار الشامل وأذل شعبه.
ثالثاً، جاءت أمريكا لنهب النفط العراقي!
هذه الحجة هي الأخرى لم تصمد أمام أية مناقشة منطقية منصفة. والسؤال هنا: هل حقاً منع صدام النفط عن أمريكا؟ الجواب: كلا وألف كلا، فاغتصاب حزب البعث للسلطة لم يتم إلا بمساعدة الاستخبارات الأمريكية بسبب منافسة الشركات الأمريكية للشركات الفرنسية التي تعاملت حكومة الرئيس الراحل عبدالرحمن عارف مع الأخيرة، ودعم أمريكا لصدام معروف في الحرب العراقية- الإيرانية. وحتى لو سلمنا جدلاً، بأن أمريكا جاءت من أجل النفط، فما الضير في ذلك؟ إذ نحمد الله على أنه وهب العراق شيئاً يجذب أمريكا لتحريره من طغيان حكم البعث الصدامي. وهل أمريكا تريد النفط مجاناً، فإذا لم نبعه على أمريكا وغيرها، فماذا عسى أن يعمل الشعب العراقي بنفطه، خاصة وقد عانى الشعب أشد المعاناة إثناء الحصار؟
كذلك هناك مبالغة في دور النفط، إذ، صعدت أسعار النفط بعد سقوط حكم البعث أرقاماً قياسية خلقت أزمة اقتصادية لأمريكا وللعالم، وهذا يؤكد الحقيقة أن أسعار النفط لا تتحكم بها أمريكا، بل يقررها قانون السوق (العرض والطلب). كما وأثبتت صفقات استثمار النفط التي وقعتها الحكومة العراقية مؤخراً، أنها تمت مع شركات تابعة لدول وقفت ضد الحرب على صدام، (روسيا والصين خاصة)، أما الشركات الأمريكية فكانت هي المتضررة. وهذا يدحض جميع الإدعاءات القائلة أن أمريكا أسقطت صدام من أجل نهب ثروات العراق النفطية، كما ويدحض القول بأن الحكومة العراقية الحالية هي عميلة، نصبها الاحتلال وتأتمر بأوامره!!. والمفارقة أن آخرين يدعون أن هذه الحكومة نصبتها إيران، عدوة أمريكا الأولى، وتأتمر بأوامرها، وهنا التناقض في أقوال أعداء العراق، ومعظمهم من سجناء كهوف الأيديولوجيات الشمولية المظلمة التي فضلت إبقاء الطاغية صدام في الحكم يضطهد الشعب العراقي على تحريره من قبل أمريكا.
رابعاً، الحرب على صدام غير مشروعة لأنها لم تحظى بالموافق الدولية!
يقولون أن هذه الحرب لم تحظ على موافقة مجلس الأمن الدولي، ولذلك فهي غير مشروعة. الكل يعرف أن أصدقاء صدام في المجلس من الدول الكبرى (روسيا، والصين وفرنسا) كانوا مستعدين لاستخدام حق النقض (فيتو) ضد القرار لو حاز بأكثرية الأصوات. كذلك نعرف أن توني بلير وبل كلنتون شنا حرباً على حكومة الفاشي الصربي ميلوسوفيج لإنقاذ شعوب البلقان (بوسنيا وكوسوفو وغيرهما) بدون الموافقة الدولية، إذ كما قال علي عزت بيغوفيتش، أول رئيس جمهورية للبوسنة والهرسك، لو انتظر الحلفاء موافقة مجلس الأمن، أو الوحدة الأوربية لأبيدت شعوب البلقان. وحتى لو كانت أمريكا قد حصلت على التخويل الدولي لقالوا أن الأمم المتحدة تابعة لأمريكا وطعنوا في القرار.
إذَنْ، لماذا أقدمت أمريكا على إسقاط حكم البعث؟
السبب واضح، وهو أن صدام هو الذي جعل القضية العراقية قضية دولية، بشنه الحرب على إيران وغزوه للكويت وبرناوجه النووي، وادعائه الزائف بحرق إسرائي. لذا، فحتى بعدم العثور على أسلحة الدمار الشامل، إلا إنه هو الذي أشاع هذه الفكرة، وبالتأكيد كان يعمل على امتلاكها، وهذا خط أحمر لا يسمح به لأية دولة مارقة في المنطقة. وفي هذا الخصوص ذكر صموئيل هانتنغتون، أنه لو أجَّل صدام حسين احتلال الكويت لثلاث سنوات لما استطاعت أمريكا إخراجه منها، لأنه كان سيمتلك السلاح النووي في نهاية هذه المدة، وعندئذ لم يكن بمقدور أمريكا مواجهة محتل يمتلك السلاح النووي، ولأقدم صدام على احتلال كل الدول الخليجية بما فيها السعودية، وهيمن على كل نفط الخليج، وهذا ما يعرفه جيداً واضعو إستراتيجية الدول الغربية، ويعتبرونه كابوساً لم ولا ولن يسمحوا له أن يحصل. كذلك لا ننسى دور عملية 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في تغيير موقف أمريكا من الأنظمة المستبدة المارقة، مثل حكومة طالبان وصدام والقذافي وغيرهم، والمنظمات الإرهابية التي كانت تدعمها وترعاها إبان الحرب الباردة، فصارت هذه الدول والمنظمات تهدد أمن أمريكا نفسها، حيث انقلب السحر على الساحر، وفي هذه الحالة، فالشعوب المضطهدة من قبل هذه الأنظمة المستبدة، هي المستفيدة من هذا التحول، وهذا هو حكم التاريخ العادل، أو ما يسمى بمكر التاريخ.
ما هو ثمن الخلاص من حكم الطغيان؟
لا شك أن ثمن إسقاط حكم البعث كان باهظاً، ومازال الشعب الشعب العراقي يدفع، وفي هذا الخصوص يسأل توني بلير في مذكراته: "هل كان من الأفضل ترك صدام يحكم العراق ويضطهد شعبه، ويشكل خطراً على شعوب المنطقة؟" فيجيب: "كنا نعرف أن إزالة حكم صدام لها عواقب، ولكن عواقب عدم إزالته أوخم وأسوأ."
وقد ذكرنا سابقاً عن عواقب عدم إسقاطه، فلو بقي حكم البعث عشر سنوات أخرى لهلك هذا الشعب وأغلب الاحتمال لفرغ العراق من سكانه عن طريق الإبادة، والحصار والهجرة. وبذلك فخسائر عدم إسقاطه فاقت خسائر إسقاطه. كما وتؤكد الحقائق أن أكثر من 95% من الضحايا العراقيين تم قتلهم على أيدي الإرهابيين البعثيين وحلفائهم من أتباع القاعدة الوافدين من السعودية وغيرها من البلدان العربية.
وفي المحصلة النهائية، لو قارنا الأعداد الهائلة من القتلى، والمصابين والمعوقين والأرامل والأيتام في العراق، التي حصلت في عهد حكم البعث، نراها تفوق عشرات المرات مما حصل بعد إسقاطه، خاصة وأن البعث كان قد خطط في سبيل بقائه في السلطة حتى ولو كلف العراق الدمار الشامل. فالبعث قد مارس إرهاب الدولة يوم كان في الحكم، ويمارسه الآن وهو خارج الحكم وبأسماء منظمات إسلامية وهمية، ومنظمة القاعدة الإرهابية، علماً بأن أتباع القاعدة هم تحت سيطرة وقيادة فلول البعث.
قد يعترض القارئ الكريم، فيقول: أنت لا تهتم بما يدفعه الشعب في الداخل من تضحيات، لأنك تعيش في الخارج، وهل توافق أن تكون من بين الضحايا؟ جوابي هو كالتالي: إن فلسفتي في الحياة أن أعيش حراً، وأني أؤمن إيماناً عميقاً بأن حياة الذل والعبودية لا تستحق أن تعاش، فالعبرة ليست في بقاء الإنسان حياً لأطول فترة، بل لنوعية الحياة التي يعيشها. ولذلك أقسم بكل مقدساتي، أنه لو كنت مخيراً بين العيش تحت حكم البعث الصدامي عبداً ذليلاً، أو الموت، لفضلت الموت، سواءً عن طريق الانفجارات أو غيرها. ومن المؤكد، أني لو لم أخرج من العراق عام 1979، لكنت واحداً من الذين قتلهم حكم البعث.
كان الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانت Kant قد رحب بالثورة الفرنسية عام 1789م، وحينما نقلوا له صور الرعب والرؤوس المتطايرة على المقصلة، أجابهم قائلاً: "إن كل هذه الفظاعات لا تقترب بشيء من استمرار حكم الطغيان؟". علماً بأن الملك لويس السادس عشر كان أقل ظلماً من جميع أسلافه من ملوك فرنسا، وجميع ملوك أوربا في زمانه، ويعتبر ملاكاً مقارنة بصدام حسين.
نعم، كل ما يواجهه الشعب العراقي من فظاعات على أيدي الإرهابيين، هو ثمن كان عليه أن يدفعه ليتخلص من حكم الطغيان البعثي الصدامي، وكان يدفعه في جميع الأحوال حتى في عدم إسقاطه وربما بأرقام مضاعفة، وعدم إسقاطه كان مجرد ترحيل السقوط إلى جيل آخر ليدفع الثمن أكثر، ولو سقط نظامه على أيدي الشعب العراقي لصار العراق نسخة من الصومال. لذلك فإسقاطه على يد أمريكا كان في صالح الشعب العراقي، ويستحق التضحيات، فالشعب الآن عرف طعم الحرية ولن يتخلى عنها، ومستعد لبذل المزيد في سبيلها، إذ كما قال الشاعر التونسي الخالد، أبو القاسم الشابي:
ومن يتهيب صعود الجبال... يعش أبد الدهر بين الحفر
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com