إذا كان من الحكمة أن نملك شجاعة الاعتراف بأن عالم اليوم مليء بالأزمات والمحن والكوارث والفتن لأسباب كثيرة ومتنوعة, وإذا كانت منطقتنا العربية والإسلامية
هي أكثر بقاع الأرض موجا بالأزمات والمحن والصراعات والمشكلات والفتن, فإن السؤال الذي يفرض نفسه علي الساحة هو: كيفية امتلاك القدرة علي صياغة منهج عربي إسلامي لمواجهة أزماتنا الراهنة؟ وفي محاولة جادة للإجابة علي هذا السؤال نوقشت بقسم الدراسات الإسلامية بآداب سوهاج رسالة دكتوراه تحت عنـوان: فقــــــه الأزمــــات في الشـــريعة الإســــلامية(مفهـــــومه وأصــــــوله.. ضــــــوابطه وتطبيقـــــاته) أعدها الدكتور عماد حمدي إبراهيم يحيي, المدرس المساعد بالقسم, وقد حصل الباحث علي درجة الدكتوراة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف.
وترجع أهمية هذه الدراسة إلي أن الأزمات والكوارث علي اختلاف أنواعها, من أكبر وأخطر معوقات النهوض والتنمية البشرية لأي أمة من الأمم, وذلك لما يعقبها من تأثيرات مدمرة علي البشر والبيئات والاقتصاديات.
كما أن علم إدارة الأزمات ـ بوصفه أحد العلوم الإدارية الحديثة, المعنية بالتعامل مع المشكلات والأزمات ـ يعـد العلم المغيب عمدا وقصدا, أو تقصيرا وإهمالا عن واقعنا العملي, ومن هنا برزت الحاجة إلي بيان أن هذا العلم له أصوله وأدلته الشرعية, وأن الشريعة أمرت بالاستعداد لمواجهة الأزمات والشدائد, وذلك حتي يمكن الوقاية منها, ومواجهتها والتخفيف من أضرارها حال وقوعها. والأهم من كل ذلك كما يقول الباحث- أن الاعتماد علي الأفكار المعلبة أو الجاهزة أو المستوردة لن يجدي نفعا, ولن يعالج مرضا, ولن يحل أزمة, لأن ما يصلح به العلاج في مكان ما لا يصلح به العلاج في مكان آخر لاختلاف التركيبة المكانية والحياتية, ومن هنا برزت الحاجة إلي صياغة منهج عربي إسلامي لمواجهة أزماتنا الراهنة, ينطلق من هويتنا العربية, وثقافتنا الإسلامية, يرتكز بشكل أساسي علي هذه القاعدة العريضة من التراث الفقهي والأصولي والتاريخي الهائل الذي تزخر به المكتبة العربية الإسلامية.
وقد حاول الباحث في دراسته وضع صياغة لمفهوم فقـه الأزمـات, وبيان أصوله في الشريعة الإسلامية, وتوضيح اهتمام الرسل وأتباعهم بالتخطيط, كما أن هناك علاقة وثيقة بين الأزمات والكوارث وما بين ما عرف في الفقه الإسلامي بالحوائج, وما عرف في القانون بنظرية الظروف الطارئة, كما أثبتت الدراسة سبق الشريعة الإسلامية في دراستها وعلاجها للأزمات.
ونظرا لما تمر به مصر عقب ثورة يناير المباركة من حالة انفلات أمني أفسدت عليهم سعادتهم بثورتهم قام الباحث بدراسة أزمة الانفلات الأمنـي عقـب ثورة25 يناير, والتي كان من أبرز مظاهرها تداعي هيبة الأجهزة الأمنية, وضعفها في نظر العامة, وانتشار حوادث البلطجة وقطع الطريق, وترهيب الآمنين والاعتداء المسلح علي المحال التجارية والبنوك ومؤسسات الدولة, فضلا عن انتشار الاعتصامات والإضرابات والمطالب الفئوية, ومحاولة البحث عن حلول لهذه الأزمات من الشريعة الإسلامية.
ونظرا لما تتعرض له دولة الصومال الشقيقة من مجاعة طاحنة شكلت أزمة خانقة أعيت المجتمع الدولي ممثلا في هيئات ومنظمات الإغاثة الدولية, فقد حاول البحث عن سبل مواجهة المجاعة في المنظور الإسـلامي, وذلك من خلال البحث والمقارنة والتحليل بين هذه الأزمة وبين أزمة المجاعة التي ضربت شبه جزيرة العرب زمن الخليفة عمر ابن الخطاب وكيف استطاع مواجهتها بحسن التدبير والتخطيط.
وانتهت الدراسة الي العديد من النتائج والتوصيات من أهمها, ضرورة وجود فقه أزمات نابع من العقلية الإسلامية ومرتكز علي الثقافة العربية الإسلامية, ومراعاة مبدأ الجدارة عند اختيار القيادات في جميع المجالات ويجب علي ولي الأمر أن يولي الأجدر لكل ولاية بحسب طبيعتها.
وطالبت الدراسة بتفعيل مبدأ الشوري في صنع واتخاذ القرار, وتشجيع روح المبادرة والابتكار في التعامل من الأزمات. ونشر الإيجابية ونبذ السلبية في التعامل مع الأزمات, وتبني روح الفريق والعمل الجماعي فيد الله مع الجماعة.
كما ينبغي علي القيادات وولاة الأمور عدم الاغترار والإعجاب بما لديهم من معارف ومعلومات فيرفضون السماع للآخر, أو الاستماع للمخالف, أو إنصاف الخصم لأن هذا السلوك سبب للدخول في الأزمة.
والعمل علي إحياء مبدأ التكافل والتضامن الاجتماعي في الإسلام, وتعزيز دوره في مواجهة الأزمات والمحن التي تعصف بالأمة الإسلامية من حين لآخر. وإحياء الفروض الكفائية, وتصحيح النظرة القاصرة والضيقة لمجالاتها وتوسيع نطاقها وعدم قصرها علي تكفين الموتي وإتباع الجنائز. كما طالبت الدراسة بالنهوض بالوقف, وتشجيع الأغنياء علي الوقف, لاسيما علي المؤسسات الإغاثية الإسلامية.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com