بقلم: القمص أثناسيوس فهمي جورج
اتبع الحكم الإسلامي في مصر منذ بدايته سياسة الشحن الطائفي المستمر، ودأب في كل مناسبة على الربط بين أي معارضة لفشله وبين المسيحيين، ومع كون المعارضة ليست ذات صبغة دينية؛ إلا أنه يلعب بورقة الطائفية التي تحرقنا بخبثها منذ زمن طويل.. وأحيانًا توصف أنها حوادث فردية أو وقتية أو فتن عرضية؛ بينما هي في حقيقتها اعتداءات ممنهجة وتطهير عرقي وتركيع واستقواء عددي يبدأ بالتكفير والاستباحة والازدراء وحرق الأناجيل وهدم الحجر وخطف البشر؛ وينتهي بإعلان الجهاد وتلفيق الاتهامات واستدعاء الأنصار ونصب الغزوات والفتوحات؛ وسط دوامات عنف اجتماعي يومي؛ أنتج مجازر دموية... لم تقُم الدولة بإستباق أي واحدة منها لدرء نتائجها ولا بالإمساك بأي قاتل أو بمحاكمة أي مجرم من مرتكبيها.
ولأن مَن سلِم العقاب أساء الأدب، ولغياب القانون في التعامل مع دماء وحقوق الأقباط واستمرار إفلات القتلة والسُرّاق والغوغاء؛ انهارت أركان المواطنة والعدالة؛ واستفحل خطاب الكراهية والتسفيه حتى القتل والحرق.
وبالأمس تجرأ أردياء العشيرة وزبانيتهم على التعدي بالهجوم على جثامين الشهداء الذين ذُبحوا في غزوة الخصوص؛ والذين من بينهم مَن حرقوه حيًا ومثلوا بجثته؛ غير عابئين بحُرمة الأموات والدماء؛ اعتدوا على الكاتدرائية أثناء تشييع الشهداء... وفي سابقة تحمل دلالات الخزي والوضاعة؛ اعتدوا على رمز مسيحي وطني له مكانته في الشرق بل وفي العالم كله. وقد أسفرت هذه الاعتداءات عن وقوع شهداء جُدُد كانوا قد جاءوا ليودعوا شهداءهم فلحقوا بهم... لكن إحقاقًا للحق قامت الشرطة المصرية هذه المرة بواجبها المعتاد على الطريقة الإخوانية؛ حيث نسقت تأمين وإدارة الغزوة من ألفها إلى يائها؛ وأشرفت على هجوم وهروب القتلة وانسحابهم من الموقعة.. كذلك استعرضت قواها على المصلين العُزل المحجوزين مع الجثامين داخل الكاتدرائية؛ وإنهالت عليهم بقنابل الغاز والدخان المستوردة والمحلية؛ لضمان نجاتهم ومشاركتهم في أحزانهم على شهدائهم المغدور بهم، وكأنها تقدم تحية لأرواح الشهداء وتواسي الذين تيتموا وترملوا بإنتقالهم.
إن الاعتداء على رمزية الكاتدرائية في ظل حكم الإخوان يمثل الوضع المتردّي الذي يعيشه الأقباط في ظل سماحة هذا النظام.. وإن كان للاعتداء دلالته ورمزيته؛ فهو أيضًا يعكس سلبية واستهتار وعبث الحاكم بمقدّرات أعرق وأقدم المؤسسات الوطنية في مصر.
وسيسجل التاريخ هذا الاعتداء كأسوأ ما سطره تاريخ الاضطهاد المعاصر، وستدخل به جماعة الإخوان التاريخ من أسوأ أبوابه؛ بعد أن تخطت بتواطؤها كل المحرّمات، فلم يكن يحدث هذا قط إلا بسماح وغدر الإرهاب الحاكم؛ الذي قدم التعزية للمشيعين على طريقته بالمولوتوف والخرطوش والقنابل.. بل وقام أيضًا بنعي الشهداء وذويهم ببيان كاذب يتهمهم فيه بمبادأة العدوان من أجل تضليل الرأي العام المحلي والدولي؛ لتستمر دوامة الزيت المغلي وتُغرق الوطن بالكذب والتقيّة المعتادة؛ فمتى نسلم من ألسنتهم وأياديهم ومن اضطهاد حكمهم الظالم.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com