وسياسات الجماعة المحافظة أغضبت المصريين.. والقدرة على الفوز بالانتخابات لا تعنى القدرة على الحكم
قال معهد واشنطن الأمريكى لدراسات الشرق الأدنى فى تقرير حديث له، إن جماعة الإخوان المسلمين لا تملك رؤية أيديولوجية واضحة رغم مرور 85 عاما على تأسيسها، مشيرا إلى أن الجماعة التى تحكم مصر حاليا لم تقدم مُنظراً حقيقيا باستثناء المفكر الراديكالى سيد قطب.
واحتفى التقرير بكتاب صدر مؤخرا للباحثة أليسون بارجيتر بعنوان "الإخوان المسلمين: من المعارضة إلى السلطة"، معتبرا أن الكتاب لم يقع فريسة الافتراض المضلل الذى طرحه طيف واسع من المفكرين الغربيين فى أعقاب 11 سبتمبر وهو اعتبار جماعة الإخوان بديل إسلامى معتدل.
وقال إريك ترايجر، الخبير فى شئون مصر بالمركز الأمريكى، إنه فى أعقاب أحداث سبتمبر، سعى المحللون الغربيون إلى البحث عن "بديل إسلامى معتدل" للقاعدة، وقادهم بحثهم إلى الإخوان المسلمين التى كانت تتبنى خطابا يرفض الإرهاب ويحتفى بالسياسات الانتخابية.
ومن ثم، احتفت العديد من الأدبيات التى تبنت تلك الفرضية، بالديمقراطية المفترضة لجماعة الإخوان وطبيعتها غير العنيفة، مما جعل المجتمع الدولى غير مستعد نهائيا للواقع العنيف وغير الديمقراطى الذى يظهر الآن فى مصر التى يحكمها الإخوان المسلمون.
ويضيف "ترايجر" إنه لحسن الحظ لم يقع كافة المحللين فريسة لتلك الفرضية المضللة؛ حيث قدمت أليسون بارجيتر فى كتابها: "الإخوان المسلمون: من المعارضة إلى السلطة" الكثير من الواقعية المطلوبة من خلال المقارنة التى عقدتها بين مزاعم الإخوان النبيلة وأفعالهم التى اتسمت بالعنف.
كما أشارت المؤلفة من خلال رصدها لتاريخ جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها ثم انتشارها فى الشرق الأوسط وأوروبا إلى أن الجماعة تعانى من صراع مستمر بين توسيع قاعدتها من خلال تبنى خطاب برجماتى وتعزيز قوة قاعدتها ووحدتها من خلال تبنى خطابا أكثر تشددا.
ووفقا لبارجيتر، كان الإخوان دائما ما يؤيدون الخيار الثانى، ويفضلون الاتجاهات المحافظة بدلا من الإصلاحية.
ووفقا للكتاب، يعود هذا الصراع إلى الأيام الأولى لنشأة الجماعة حينما كان يحاول مؤسس الجماعة حسن البنا، إحداث توازن بين التواصل مع المؤسسات واسترضاء أتباعه، وفى هذا السياق، كانت التنازلات المتعددة التى قدمها البنا للسلطات مثل دعمه المتردد لمعاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا التى فرضت شرعية على الوجود البريطانى فى مصر تزعج الأعضاء المتحمسين فى الإخوان، مما دفع البنا إلى إنشاء منظمة شبه عسكرية معروفة باسم الجهاز السرى لإظهار التزام الجماعة بالجهاد، وشارك الجهاز فى شتى أعمال العنف السياسى، ووفقا لباريجيتر، فإن هذا الموقف يتعارض مع الفرضية الشائعة بأن البنا كان منارة الاعتدال إذ إنه كان دائما على استعداد لاستيعاب العناصر الأكثر تشددا داخل حركته، وكان هذا خطأ قاتل، فبعد شهرين من اغتيال أحد أعضاء الجماعة لرئيس الحكومة محمود النقراشى، تم اغتيال البنا نفسه فى فبراير 1949.
وتكرر انتصار المتشددين على الإصلاحيين مرارا، وفقا للكاتبة، وإن كان فى أشكال مختلفة.. فعلى سبيل المثال، فى الخمسينيات، أحبط أعضاء الجهاز السرى محاولة المرشد الثانى حسن الهضيبى حل الجهاز، كما كان موقف الجماعة المعادى لنظام جمال عبد الناصر يتعارض مع رغبات الهضيبى التصالحية، وهو الموقف الذى أدى إلى تعرضها لحملة قمع شرسة من قبل النظام حيث تم اعتقال العديد من أفراد الجماعة أو نفيهم.
وتضيف "باريجتر" أن المتشددين داخل جماعة الإخوان ومن بينهم الكثير من المخضرمين فى الجهاز السرى وقفوا فى التسعينيات ضد مطالب الشباب بالمزيد من التواصل مع غير الإسلاميين ومزيد من الشفافية فى إجراء الانتخابات الداخلى، وعندما قام هؤلاء الشباب بتأسيس حزب الوسط، تم استبعادهم من الجماعة.
ولاحقا، عندما رفض الإصلاحيون داخل الحركة برنامج سياسيا يحظر ترشح المرأة والأقباط للرئاسة من بين بنود أخرى مثيرة للجدل، كان رد فعل الجناح المتشدد داخل الحركة هو استبعاد أحد الإصلاحيين المرموقين بالجماعة من مكتب الإرشاد وحشد مكتب الإرشاد بمن يطلق عليهم القطبيون.
ويقول "ترايجر" إن ذلك لا يعنى ذلك أن الراديكاليين يهيمنون دائما، فخلال الثمانينيات، استجاب المرشد عمر التلمسانى لمطالب الإصلاحيين بالمشاركة فى الانتخابات البرلمانية وحطمت الجماعة النمط المعهود لنشاطها من خلال التحالف مع الأحزاب غير الإسلامية فى انتخابات 1984 و 1987؛ ومع ذلك تقول "بارجيتر" إن هذه الفترة تزامنت مع قمع نظام مبارك الذى أرسل بالعديد من متشددى الجماعة إلى المنفى، وعندما عاد المنفيون فى بداية التسعينيات سرعان ما غيروا النمط.
وأضاف "ترايجر" أنه بالرغم من أن "بارجتر" ترصد بدقة الصراع المستمر بين الجناحين المتنازعين داخل الإخوان، فإن الفارق بين الإصلاحيين والمحافظين كان غائما فى كتابه، فعلى سبيل المثال، تصف الكاتبة المرشد السابق للجماعة، مهدى عاكف بأنه كان أكثر تعاطفا مع الجناح الإصلاحى ونائب المرشد الحالى محمود عزت بأنه "محافظ" رغم أن الأخير هو زوج ابنه الأول.. وبالمثل، فبالرغم من أن باجيتر تصف باستمرار الدكتور عصام العريان باعتباره إصلاحيا، فإنها أخفقت فى تبرير صعود العريان المستمر داخل صفوف الجماعة رغم هيمنة المحافظين على قيادات الجماعة.
ويقول "ترايجر" إن السبب الأساسى فى التباس الفارق بين الجناحين ربما يعود إلى أن هذا الفارق تكتكيى وليس أيديولوجيا، فبالرغم من أن بارجيتر تعتمد على فرضية أن الإصلاحيين يسعون للمشاركة السياسية المباشرة ويرغبون فى التواصل مع غير الإسلاميين لزيادة شعبيتهم، وأن المحافظين يخشون من هذه المقاربة لاحتمالية تأثيرها على أصالتهم الإسلامية ومن ثم تقويض وحدة الجماعة، ويشترك كلا الجانبين فى نفس الرؤية الأيديولوجية: فهم يسعون إلى أسلمة المجتمع كخطوة أولى نحو تأسيس الدولة الإسلامية ومن ثم خلق دولة إسلامية عالمية، على حد تعبير نائب المرشد، خيرت الشاطر، وهذا هو السبب فى أن هؤلاء الإصلاحيين الشبان الذين تم استبعادهم من الجماعة فى عام 1996 نظرا لتشكيلهم حزب الوسط هم الآن الشركاء البرلمانيين للجماعة؛ حيث اختلف الفريقان حول توقيت إنشاء حزب خاص بالجماعة ولكنهم لم يختلفوا حول أهداف الجماعة.
ومن جهة أخرى، يؤكد "ترايجر" أنه بالرغم من أن الجماعة موجودة منذ 85 عاما فإن رؤيتها الأيدلوجية ما زالت غائمة، فكما تقول "بارجيتر" وهى محقة فى ذلك، فإن الجماعة لم تنتج سوى مُنظر واحد حقيقى وهو المنظر الراديكالى سيد قطب، فيما لم يترك باقى مرشديها بمن فيهم البنا سوى تأثير نظرى محدود، وهو ما يرجع فى جانب منه، وفقا لبراجتر، إلى رؤية تكتكية: "فغياب التفاصيل هو وسيلة فعالة لحماية الجماعة من التشرذم".
ولكن كلما اضطرت الظروف الجماعة لأن يتخذوا موقفا محددا، كانوا دائما ما يتبنون مواقف متشددة، فكما تقول بارجتر فإن الجماعة أيدت التفجيرات ضد الأمريكيين فى العراق وضد الإسرائيليين من منطلق أن الشريعة الإسلامية لها الأولوية على الحريات الشخصية كما أنها لا تتسامح مع غير المسلمين أو الشيعة، وبمعنى آخر فإن المحتوى الأيديولوجى للجماعة هو سلسلة من ردود الفعل وليس إطارا نظريا من خلاله تعمل الجماعة على تحقيق أهدافها بتطبيق الشريعة.
ووفقا لبراجيتر، سمحت ردود الفعل تلك للإخوان بأن تقدم نفسها باعتبارها الصوت الأصيل الذى يمكنه أن يأتى بالإسلام إلى كافة مناحى الحياة ومن ثم يفوز بالانتخابات فيما بعد الثورة سواء فى تونس أو فى مصر.
وأخيرا يقول "جارتنر" إن ردود الفعل لا يمكن أن تشكل فلسفة حاكمة كما أن القدرة على الفوز بالانتخابات لا تعنى القدرة على الحكم، وفى الوقت نفسه، ما زالت التوجهات المحافظة للجماعة لم تتغير؛ فبدلا من أن تتبنى توجها إصلاحيا، استمرت فى وضع أولوية لأحقية الجماعة فى الاستحواذ على السلطة، وكما كان هذا الميل للمحافظة يثير المعارضة داخل صفوف الجماعة نفسها، فإن ذلك أغضب قطاعا أوسع من المجتمع الذى أصبح متمردا على حكمهم.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com