بقلم: كمال غبريال
لسنا ممن يعدُّون الرياضة -أو اللعب حسب التعبير الدارج- لهواً ومضيعة للوقت في الانشغال بالتوافه. . فالرياضة أولاً ممارسة حضارية إنسانية، وتعد واحداً من المؤشرات المهمة على نجاح أو فشل أي أمة، في إدارة شئون حياتها بوجه عام. . ثم أن الفرق الرياضية هي مشاريع تحتاج إلى خامات، هم الرياضيون المتبارون، وإلى إمكانيات مادية من ملاعب ووسائل تدريب وخلافه، ثم -وهذا في رأينا الأهم والأخطر- تحتاج إلى إدارة جيدة، تجمع ما بين الإخلاص والكفاءة، وتحتاج في النهاية إلى بيئة صحية، تساعد هذه الإدارة على أداء رسالتها على الوجه الأكمل، دون أن تعترضها تيارات تنحرف بأدائها، إلى مناح شخصية أو نفعية ضيقة، لتواجه عندها الفشل المحقق، فلا يتأتى لها تحقيق أي هدف على الإطلاق.
هذه النظرة للأندية والفرق الوطنية الرياضية، هي ما يجب أن تنظر بها الشعوب المتحضرة للرياضة، ولكل نشاط إنساني. . لتكون هناك ما يمكن تسميته بصناعة الرياضة وصناعة السينما وسائر الفنون والآداب، مثلها مثل صناعة السياحة، وهي جميعاً لا تقل –وربما تزيد- أهمية عن الصناعات التقليدية الثقيلة منها والخفيفة. . وأهم ما يجمع بين جميع هذه الأنشطة أو الصناعات، هو احتياجها إلى إدارة ناجحة، وبيئة عامة تساعد هذه الإدارة، وتحاسبها على الفشل، وتكافئها على النجاح. . مع ملاحظة أن تلك المحاسبة لجهات الإدارة لا تكون جادة وموضوعية، إلا إذا كانت قد توفرت لها بالفعل كل مقومات النجاح، سواء كانت مادية أم معنوية.
تعودنا كمجتمع مصري، بعد كل حلقة من حلقات سلسلة الفشل الرياضي، أن نقيم الدنيا ولا نقعدها، بأحاديث عن التغيير والتبديل في القائمين على شئون اللعبة، ثم ينتهي الأمر بعد عدة شهور إلى لا شيء، لتعود ريمة إلى عادتها القديمة، في سوء الإدارة، والعجز عن معالجة الأسباب الجذرية للفشل، ومن ثم مداومة تجرع الهزائم المريرة. . ما نريد أن نتناوله هنا هو عنصر واحد من عناصر نجاح المشروعات، سواء الرياضية أو غيرها، وهو عنصر الإدارة، والبيئة التي تتيح لها أداء مهامها على الوجه الأمثل والمرضي. . مشكلة الإدارة فيما نرى، مشكلة مصرية واحدة متكررة، تتجلى في كافة ما يمارسه المصريون من أنشطة، وبالتالي لا يمكن تحقيق إصلاح جدي في الإدارة في مجال واحد ومحدد، بمعزل على سائر مناح الحياة والبيئة المصرية بوجه عام. . نعم قد نستطيع تركيز جهودنا واهتمامنا لبعض الوقت في مجال محدد، مما يترتب عليه تحقيق نجاحات محدودة فيه، لكن تلك النجاحات لن يكتب لها الدوام والاستمرارية، مالم يصاحبها تحسن عام في توفر عناصر وظروف الإدارة الناجحة، في سائر أنحاء الوطن، الذي يعتبر المشروع محل الاهتمام مجرد رافد أو فرع من فروع نشاطاته.
لو أخذنا كرة القدم كنموذج، باعتبارها اللعبة صاحبة الشعبية الأولى، وصاحبة أكبر سجل متضخم بالهزائم، سنجد فيها العناصر المطلوبة للنجاح، أو المفضية للفشل واضحة بجلاء:
· وضوح الهدف: يحتاج أي نشاط أو مشروع لوضوح الهدف وتحديدة بدقة. . والهدف في كرة القدم واضح، وهو تحقيق الانتصار في المباريات، سواء بين الأندية المصرية، أو في المباريات الدولية. . في حين نجد مشروعات نسميها كبرى، يكون الهدف فيها غير محدد بدقة، أو يحتوي على تناقضات داخلية، مثلما نبني مصنعاً، ويغيب عنا هدف إنتاج سلع عالية الجودة وبسعر مناسب، ونحتفي بمجرد امتلاك مصنع ينتج السلعة محلياً، فنهمل دراسات الجدوى في تأسيسه، ويتبعها سوء الإدارة، الذي يستتر خلف ما نعتبره استراتيجية قومية، لتكون النتيجة أن يصبح ذلك المصنع بؤرة لاستنزاف الموارد، بدلاً من تدعيمها. . أو أن ننشيء مشروعاً مثل توشكي، كما يقال لغزو الصحراء والخروج من الوادي الضيق، مهملين أيضاً دراسات الجدوى الاقتصادية، لنواجه بذات النتيجة المؤسفة، فلا نحن حققنا عائداً اقتصادياً مضافاً، ولا نحن حققنا أهدافنا التي نسميها استراتيجية بغزو الصحراء أوالخروج من الوادي الضيق.
وضوح الهدف في كرة القدم عامل هام في اهتمام الجماهير بالمباريات، فهي تفهم ماذا نريد بالتحديد، وهذا في حد ذاته عامل مهم لشحذ حماسها.
· يحتاج المشروع الناجح إلى الاعتماد على أفضل خامات متاحة، فهي المقدمة الضرورية للحصول على منتج جيد، والمادة الخام هنا هم اللاعبون المصريون. . فهل يتم بالفعل في الأندية الرياضية اختيار أجود الخامات من أشبال الكرة المصريين، أم أن المحسوبيات تلعب هنا الدور الأكبر، في تهميش هذا وتصعيد ذاك؟. . هل لو كان اختيار الأشبال في سائر أنحاء مصر يتم بطريقة علمية وحيادية مخلصة للعبة، أو للهدف المحدد وهو تحقيق انتصارات رياضية، هل كانت اللعبة ستخلو تقريباً من اللاعبين المسيحيين، كما هو حادث الآن؟. . عدم الأمانة أو الجدية في اختيار الخامات (اللاعبين) ورعايتها، لابد وأن نتجرع نتائجه الوبيلة على المستطيل الأخضر، كما لابد وأن نتجرعها في كل مشروع نتبع فيه ذات النهج.
· وضوح السياسات وجديتها: لعل أخطر ما يعيب السياسات التي تدار بها المؤسسات المصرية، هو اختلاط الأوراق، وانقلاب الأدوار وتلوث النوايا. . فبدلاً من أن يكون أعضاء مجالس إدارات الأندية في خدمة الرياضات والفرق، نجد أن العكس هو ما يحدث، إذ كثيراً ما يجند اللاعبون أنفسهم لخدمة هذا أو ذاك في مجالس الإدارات، فيذهبون بفرقهم إلى الهزيمة، لإسقاط من يريدون إسقاطه، وإنجاح من يريدون إنجاحه. . نجد أيضاً خلط الأوراق في تحويل منافسات رياضية، إلى منافسات سياسية أو دينية، حين تجند جماعة الإخوان المسلمين لاعباً، ليقوم بدعاية في الملعب لمنظمة إرهابية مثل حماس. . وعندما يرفع بعض اللاعبين المصاحف فور تحقيق انتصار رياضي، وكأن المباراة معركة لإثبات أي الأديان هي الأصح والأقوى، وليست مباراة رياضية، يفوز فيها الأكثر مهارة، وليس الأكثر تقوى وعبادة!!. . هكذا نسمي الفريق القومي لكرة القدم "فريق الساجدين"، باعتبار أن السجود هو الوسيلة لتحقيق الانتصارات، وليس التدريب واللياقة البدنية والفنية. . وسط هذا التخبط والاختلاط في الرؤى، تتخبط السياسات، وتضيع الأهداف، أو تذهب هباء.
· الشفافية: هي العامل الأهم في جذب اهتمام الجماهير والفوز بتعضيدهم. . فالشعب المصري يبتلع في صمت، كل صنوف التكتم والتستر والتزييف والادعاءات بانتصارات وإنجازات، لا يجد لها أثراً في حياته الواقعية، لهذا لابد أن نتوقع منه أن يدير ظهره لأصحاب تلك الادعاءات، فهذا أقصى ما يستطيعه شعب طيب ومستكين كالشعب المصري. . لكنه في مباريات كرة القدم يتاح له الشفافية المطلقة، فالانتصارات تكون واضحة لا شك فيها، كذلك الهزائم. . هنا لا يستطيع أحد أن يخدعه أو يوهمه، بانتصارات لا ظل لها في الحقيقة.
· جماعية العمل: لعبة كرة القدم لعبة جماعية، يشارك فيها اللاعبون ومدربيهم وإدارييهم، وليست لعبة فردية، يحقق فيها فرد رياضي واحد انتصارات. . لذا تتماهى الجماهير مع اللعبة، وكأنها مشاركة فيها. . فالجماعية في أي عمل تستقطب اهتمام الجماهير، أما الفردية، سواء في الرياضة أو أساليب الحكم، فإنها لا تجد من الناس سوى عدم الاكتراث والسلبية.
دروس كثيرة يمكن أن نستخلصها من رياضة كرة القدم ومسابقاتها. . نستطيع بهذه الدروس أن ننجح في تحقيق انتصارات في كل المجالات، كما نستطيع بالإصرار على ما نحن عليه من تهريج واختلاط للرؤى، أن نظل كما نحن نترنح، وننتقل من هزيمة إلى أخرى.
مصر- الإسكندرية
kghobrial@yahoo.com |