CET 00:00:00 - 18/11/2009

مساحة رأي

بقلم: صبري الباجا
لا يختلف اثنان على أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية في مصر قد تدنت إلى درجة غير مسبوقة من الانهيار، يضاف لذلك عجز النظام الحالي وعدم رغبته في تبني أية مواقف إصلاحية حقيقية، وتركة للمشكلات لمزيد من التدهور والتعقيد، وللدرجة التي يستحيل معها الإصلاح في ظل بقاء النظام الحالي، سواء بالتمديد أو التوريث وهو الأمر الذي ينذر بقرب وقوع كارثة الفوضي العارمة التي ستقضي علي الأخضر واليابس، وتفجر كل الصراعات المكبوته والمؤجلة بين طوائف وجماعات وأفراد المجتمع والتي ترقب هذه اللحظة لتصفية حسابات مؤجلة، الأمر الذي سيدمر الوطن ويجهز على ما تبقى من الدولة المصرية، وتداعيات ذلك على كامل منطقة الشرق الأوسط.

ومع الأسف ظلت تدور حوارت استطلاع المستقبل بين اختيارات أربع:
1- تمديد فترة سادسة للرئيس مبارك.
2- إنتقال الحكم بالتوريث لـ"نجل الرئيس".
3- إنقلاب عسكري لوقف التدهور.
4- وقوع الحكم في قبضة الأخوان المسلمين واستبدال الطغيان العسكري بطغيان آخر.
ولا تحظى أي من الخيارات الأربع السابقة بأية مساندة شعبية، وإن كانت تعتمد علي تأييد من بعض الطوائف أو الفئات المستفيدة أو من تيارات سياسية أو طائفية محدودة الأثر والتأثير متطلعة لمكاسب فئوية أو طائفية محدودة.

الخيار الأول: يلتقي حوله ويدافع عنه من يسمون بالحرس القديم وبعض رموز الحزب الوطني، وبعض العسكريين وفئة من صحفيي الجرائد القومية، يُضاف إليهم المتخوفين من مجيء الحرس الجديد بقيادة جمال مبارك وأعوانه أعضاء لجنة السياسات.
الخيار الثاني: فأنصاره مجموعة رجال الأعمال الجدد من أعضاء لجنة السياسات، والمتطلعين للاستوزار أو مزيد من المزايا بجانب أعضاء جمعية المستقبل، وأنصار المجلس القومي للمرأة بقيادة السيدة والدته.
الخيار الثالث: ويعتبر من أضعف الخيارات المحتملة لاستقرار المؤسسة العسكرية بالنسبة لقادتها علي الأقل، وولائهم للرئيس في ظل المزايا التي ينالونها، وتحكم السيطرة الأمنية داخلها.
الخيار الرابع: وهو لا يعدو أن يكون مجرد فزاعة أطلقها النظام لتخويف العالم الخارجي، وترويج فكرة سخيفة أن النظام الحالي هو الحامي للمسيحيين، ورغم كون تنظيم الإخوان المسلمين أكثر التنظيمات المعارضة من حيث الأعداد والكوادر، إلا أنه لا يستند إلى قبول شعبي من الغالبية العظمى من المصريين، وأنهكته الملاحقات الأمنية.

ولشهور مضت كان التبادل المتساوي -والمتفاوت أحيانًا- بين الخيارين الأول والثاني هو الأكثر طرحًا وإلحاحًا في الشارع السياسي المصري، غير أن أمورًا جدت انتقلت بالخيارين المتصدرين للمشهد السياسي لتحيلهما ومعهما الخيارين الثالث والرابع إلى دائرة الاحتمالات الأسوأ حدوثًا وأيضًا الأقل قبولاً، ومنها بدا الحديث يدور حول خيار خامس (خيار الإنقاذ) ساعد في ذلك:
- شدة الحملات المناهضة للتمديد أو التوريث.
- صدور عدد من المبادرات التي أحدثت نوعًا من الحراك السياسي في المجتمع المصري.
- تصاعد المطالبة من الشخصيات العامة والجماعات وبعض الأحزاب بضرورة وجود رقابة دولية للإشراف على الانتخابات القادمة للحد من قدرة النظام على التزوير، وقد نُقلت هذه الرغبة للمحافل الدولية وتجد قبولاً متزايدًا بين الجمهور.
- ظهور فكرة الخروج الأمن للرئيس وأسرته -لأول مرة- وبدون ملاحقة قانونية واتساع المناقشات حول هذه الفكرة لتفعيلها، والدلالات التي تحويها الفكرة وتوقيتها لا يمكن إنكارها أو إسقاطها من الحسابات السياسية وتوازناتها المختلفة.
- بدء قيام تحالفات بين بعض أحزاب المعارضة للاتفاق علي أجندة حدود دنيا لخوض الانتخابات البرلمانية بقائمة موحدة في مواجهة الحزب الوطني.
- والأهم والأكثر تأثيرًا ما صدر من تصريحات لشخصيات مصرية عالمية حول إمكانية التفكير لخوض انتخابات الرئاسة.
ولقد تباينت ردود الفعل والآراء حول أسماء الشخصيات التي ذُكرت كمرشحين لمنصب الرئيس، وكذلك حول إمكانية تحقيق ذلك على أرض الواقع السياسي المصري.

فبينما كان هناك ترحيب وارتياح شعبي لفكرة ترشيح أحد هذه الشخصيات لمنصب الرئيس، وعلى الأخص الدكتور محمد البرادعي لما يتميز به من مكانة دولية وما يحظى به من احترام وتقدير المجتمع المحلي والدولي، والذي كان الأوضح في سبقه في أوائل العام الحالي بتصريحاته لصحافة القاهرة أثناء زيارته حول الأوضاع السياسية بمصر، قائلاً "إن الوضع يمر بمرحلة الحضيض"، وطالب بوضع دستور يحدد مدة الرئاسة بفترتين، ويتيح الفرصة لكل الطوائف للمشاركة في العملية السياسية، وما أضافه من معاني في محاضرته بالجامعة الأمريكية في ذات التوقيت وزاد عليه في نوفمبر الحالي بتصريحاته في مقابلة تليفزيونية أجراها مع شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية في نوفمبر الحالي: "سأدرس إمكانية الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية في مصر إذا وجدت ضمانات مكتوبة بأن العملية الانتخابية ستكون حرة ونزيهة".
وقد كان لذلك آثره السريع والمباشر علي كافة الأوساط الحزبية والجماهيرية، واتاح أملاً ممزوجًا بالفرحة للخروج من النفق المظلم للخيارات المفروضة أو المحدودة ونتائجها الكارثية. ويكاد اسمه -الدكتور البرادعي- أن يكون الإسم الوحيد الذي لم يجرؤ أحد على الاعتراض عليه بأية صورة، بخلاف بقية الأسماء التي وجهت لها انتقادات لتركيزها إما على العملية العلمية والتعليمية أو لسابق ارتباطها بالنظام الحاكم وملاحظات موضوعية متصلة بدرجة مصداقيتها وعدم الوفاء بالعهود المقطوعة.

وبعيدًا عن الأسماء فإن المهمة الأساسية للرئيس القادم هي:
رئيس يقود عملية التحول لاستعادة الثقة في العملية السياسية في المجتمع المصري، عن طريق إزالة كافة الضغوط الواقعة عليها ليستعيد المجتمع حيويته ويمكن كل أطيافه وجماعاته من التعبير عن مصالحها بشكل حر، وفرز قياداته الطبيعية بشكل صحي ومعبر لصياغة عقد اجتماعي جديد، وبناء دولة مدنية ذات دستور حديث قائم على أساس المواطنة وعدم التمييز، والفصل بين السلطات وتوازناتها، ويمكن من تداول السلطة بشكل سلمي بصرف النظر عن الاتجاهات الأيدلوجية المختلفة ويحدد مفاهيم (الدولة / السلطة / الحكومة / النظام).

أما عن أهم المواصفات المطلوبة في الرئيس القادم:
- يتميز بالمصداقية العالية.
- شخصية تتمتع بالقبول العام محليًا وعالميًا.
- له تاريخ ناصع ولم يسبق له تحالفات مع النظام الحاكم.
- يقبل القيام بـ"مهمة التحول".

ملاحظات وهوامش
يري البعض في ترشيح البرادعي إعادة تقسيم الحياة السياسية والحزبية مرة أخرى إلى قوى داخل النظام وأخرى خارجها، الأولى التي تضم الحزب الوطني والأحزاب الشرعية ما عدا الهامشي منها لم تبدي تحمسًا رغم أنها هي التي يمكنها ضمان نجاحه، والثانية تضم القوى الجديدة من مدونين وأحزاب تحت التأسيس كالوسط والكرامة وحركات احتجاجية وصحف وكتّاب مستقلين. وهي التي تحمست له رغم أنها غير قادرة على فرض نجاحه، ورغم وجاهة ما يستند إليه هذا الرأي إلا أن التعويل على انضمامه لأحد الأحزاب كجواز مرور لبوابة الترشيح بسهولة وبعيدًا عن تأمين نِصاب 250 من أعضاء البرلمان ومجلس الشورى والمجالس المحلية في عشر محافظات على الأقل.
يرى الباحث: أن في التعويل علي أهمية إنضمام المرشح لأحد الأحزاب بجانب كونها لن تضيف شيئًا إليه، بل أنها ستضفي عليه ظلال حزبية ضيقة بينما المطلوب أن يكون رئيسًا لكل المصريين، وتحمل الرجل أوزار حزبية لم يكن يومًا طرفًا مشاركًا فيها أو في أقل الأحوال ستظهره بمظهر المتبني لأجندتها الضيقة، بينما مجيئة كمستقل وعلى أجندة وطنية أوسع هو الأفضل له ولخصوصية المرحلة.

ومن جهة أخري يرى البعض أن الدكتور البرادعي هو الوحيد القادر دون إشراف قضائى أن ينزل إلى حلبة الصراع ولا تستطيع الحكومة أن تزوّر الانتخابات تزويرًا مفضوحًا كعادتها، فكل العيون الدولية ستكون مفتوحة ومستعدة ومتحفزة، وأن هذا الرجل سوف يحرك الكتلة الصامتة التي تمثل في كل انتخابات مصر السابقة وعبر عقود عديدة أكثر من ٧٠٪ من أصوات الناخبين، وهؤلاء لم يذهبوا أبدًا لصناديق الاقتراع، ويمثلون الأسد الرابض كاظم الغيظ فى انتظار فك محبسه.. لن تخرج هذه الأغلبية يوم الاقتراع إلا لشخص مثل "البرادعي" لثقتها بأن خروجها هذه المرة سيغير في الأمر الكثير.

ويمكن أن يُضاف:
إذا كان مجرد حديث البرادعي عن الترشيح أحدث هذا القدر من النشاط السياسي، وللدرجة التي أعلن فيها بعض من كانوا يلوحون لخوض انتخابات الرئاسة أنهم على أتم الاستعداد للانسحاب وضم جهودهم لتكون من أجل دعمه وتأييده، بجانب قيام ماسمي بـ"الحملة الشعبية لدعم وترشيح د. محمد البرادعى من أجل رئاسة مصر في 2011" من شباب مستقل عن أية اتجاهات حزبية أو أيدلوجية، وكذلك كتابات للنخبة المثقفة في مصرالمرحبة بالبرادعي كرئيس قادم، ومنظمات المصريين بالخارج التي أعلنت عن تأييده للترشيح، لا يبقى سوى أن يعلن الدكتور البرادعي عن رغبته في الترشيح صراحة.
وللحديث بقية

باحث مصري
كاليفورنيا الولايات المتحدة الأمريكية
s.elbaga@yahoo.com

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١ صوت عدد التعليقات: ٣ تعليق