بقلم: إيهاب شاكر
في صباح أحد الأيام قررت أن أستقل المترو بعد مقاطعة طويلة بسبب الازدحام الشديد الغير طبيعي عليه، وذلك لأنه وسيلة متاحة باستمرار ولسرعة وصوله للغاية المنشودة –إلا في بعض الحالات الاستثنائية التي يتأخر فيها- وكنت في عجلة من أمري لذلك فضلت استقلاله هذه المرة.
وهذا ما رأيته:
ازدحام شديد على شباك التذاكر، شباك واحد كان يعمل والآخر أو الشبابيك الأخرى مغلقة ولا أعرف السبب، وهو ليس بوقت جرد أو حتى غذاء للموظفين -رغم علمي أن هناك ورديات-، فليس من المفروض أن يكون الشباك مغلقًا إلا إن كانت هناك سياسة أخرى لإدارته لا أعلمها، (ما علينا) استلمت تذكرتي بعد عناء وشكرت الله على سلامتي، وتوجهت إلى الرصيف، نسيت أن أذكر أنني في محطة مسرة بشبرا هذا مهم لما سيأتي بعد ذلك، جاء القطار وركبت بحمد الله بقوة دفع رباعية، بالطبع ليس هناك أماكن.... لا يا عزيزي لم أكن أقصد للجلوس بل للوقوف، وقفت في أحد الزوايا بصعوبة ويلتصق بجسدي من كل الاتجاهات الأحباء المواطنون بجميع أنواع الروائح العطرة منها والغير ذلك... وكما كان أنفي يتجمع فيه الروائح المتداخلة بحلوها ومرها، هكذا أذني ازدحمت فيها أصوات متداخلة من أحاديث متنوعة للركاب التي تدور أغلبها عن الخبز وأزمته والغلو وارتفاع الأسعار.. إلى آخر الموضوعات التي باتت حديث الناس في كل مكان.
ووسط هذا الضجيج والحر والمزاحمة، تعلو أصوات أخرى لا تستطيع أن تميز ما تقوله غير أنك تعرف ما الذي يُقال أو بمعنى أدق يُقرأ، فهناك ثلاثة رجال كل منهم كان يقرأ القرآن بصوت عال وفي سورة مختلفة ولا أدري هل يستطيع أحدهم التركيز وسط كل هذا، خصوصًا أن اثنان آخران يتلوان القرآن أيضًا بصوت عال، أضف إلى ذلك اثنين آخرين كل منهما يشغّل هاتفه المحمول وتسمع منه القرآن أيضًا.
ما أود أن أقوله هو، أنا لا أعترض إطلاقًا -ومَن أنا لأعترض- على أن يقرأ أحد القرآن في المواصلات العامة، لكن تعليقي هو، هل يكون بهذه الصورة التي لا يستفيد منها أحد بل المزعجة لكل إنسان إيًا كانت ديانته؟
وماذا سيكون رد فعل إخوتي الأحباء المسلمين لو أن مسيحيًا قرر أن يُخرج الإنجيل ويقرأه بصوت مسموع للجميع كما يفعل إخوتي المسلمين، هل سيتحول الأمر إلى سباق لعلو الصوت، يمكنكم أن تتخيلوا ماذا سيحدث. وهل لا يمكن أن يقرأ كل واحد ما يشاء -أيًا كان ما يقرأه– فقط بعينيه حتى لا يزعج الآخرين، وخصوصًا أن الراكب المسيحي يراعي أخيه المسلم ولا يطلب منه أن يخفض صوته مراعاة لمشاعره لأنه يقرأ –ليس أي كتاب بل– القرآن، فلماذا لا يراعي المسلم كل من حوله ودائمًا يفرض على الجميع أن يسمعوا ما يقرأ، حتى إن كانوا لا يرغبون؟
للأسف لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل فجأة صعد رجل ذو لحية صغيرة، يرتدي ملابس عادية ويبدو كموظف ذاهب لعمله، فجأة بدأ يوجه كلامه للركاب جميعًا ويعظهم ويتحدث مستدلاً على كلامه بآيات من القرآن وبعض الأحاديث، لاحظ عزيزي القارئ أننا مازلنا في خط شبرا وأنت تعي ما أقصده. في الحقيقة لم أستطع أن أنتظر أن يصل القطار لمحطتي المنشودة ونزلت في المحطة التالية لصعود هذا الرجل لأني شعرت بصداع بدأ يتزايد من الضجيج وعلو الصوت، ليس بسبب ما يُقال أو يُقرأ بل لارتفاع الأصوات وتداخلها.
أحبائي، يا من لديهم القليل من الموضوعية، هل يصح هذا؟ لماذا لم نعد نراعي مشاعر بعضنا البعض؟، ولماذا لا نراعي حتى آداب الطريق التي كنا نقرأها قديمًا على كراسات المدرسة وفي المواصلات العامة؟، هل تحولت مصر لهذا القدر من الفوضى فيفعل كل واحد ما يريد في أي وقت يشاء وفي أي مكان؟ تصوروا أن يصعد كل واحد القطار ويدلي بدلوه أيًا كان وبصوت مرتفع، هل هذا المكان يصلح لهذا المقال؟! هل هذه يمكن أن يُطلق عليها حرية؟ من الممكن أن يستفيد الجميع من هذه المواصلة التي تأخذ وقتًا ليس بقليل في المسافات الطويلة، فيقرأ كل واحد ما يحب، فهذا يقرأ جريدته المفضلة وهذا يقرأ كتابًا شيقًا، وهذا الطالب يراجع قبل ذهابه للامتحان، وهذا يقرأ القرآن، وأعرف بعض الذين تعلموا لغة في المواصلات، وهناك من يريد الراحة في طريقه لعمله أو لعودته بعد يوم طويل مرهق في العمل، فلماذا نزعج كل هؤلاء ونجبرهم على سماعنا؟
أريد إجابة وأرحب بالتعليقات الموضوعية، وأود لو أناشد المسئولين ليحلوا هذه المشكلة ولو بقانون مناسب، لأنه لا بد أن يكون لكل مكان أصوله. |