CET 00:00:00 - 22/11/2009

مساحة رأي

بقلم: لطيف شاكر
الكوتة أو الحصة كلمة حديثة علي المجتمع المصري وبسببها أُثير كثير من الأقاويل، فالكلمة محمودة عند البعض ومذمومة عند البعض الآخر فيوجد من يؤيدها ويوجد من يرفضها ولا نستطيع أن نقول أنها مرفوضة رفضًا تامًا أو مقبولة تمام القبول، وقد تكون الكلمة مرفوضة سابقًا لكنها مقبولة حاليًا والعكس صحيح.
وحينما طلب الأقباط كوتة في مجلس الشعب خرج من يرفض ويشجب بإصرار كوتة للأقباط والسبب أن الكوتة لا تعني أننا نسيج واحد في الوطن وهنا لنا بعض الملاحظات:
هل موافقة الدولة علي تخصيص كوتة للمرأة أنها أصبحت مقطوعة من نسيج الوطن أم هذه نية مبيتة للتآمرعليها وعدم اعتبارها جزء من نسيج الوطن وأصبحت قطعة مهلهلة لا تصلح مع النسيج وبذلك يمكن أن نعايرها بأنها مجرد كوتة وليس أكثر، وقطعة ممزقة من نسيج مصر.
الأمر الثاني ما معني أن الكوتة تمزق أو تضعف من نسيج الوطن ... كلمة ليس لها معني بتاتًا لماذا تنقص الكوتة من وطنية المكوت بل العكس صحيح أن تمثيل كل الفئات في مجلس الشعب هو الوطنية الحقيقة والصادقة والتماسك القوي لنسيج الوطن، والذي يقول عكس هذا هو مغرض غير صادق وغير أمين.

أيهما أفضل أن يمثل الأقباط في مجلس الشعب من خلال كوتة أو ينعدم المجلس تمامًا منهم بدون كوتة بحجة النسيج.. هل هذا عدل أو منطق وهل الكوتة سبة علي الجبين (أريد عقلاً لكي أفهم)!!
قد تكون الكوتة غير مناسبة في مناخ مسالم بعيدًا عن الطائفية ولا يعيش مناخ الكراهية للآخر ويرفض التيارات الوهابية الواردة من الخارج التي تدعو إلى تفتيت الوطن وتشتيته، لكن في ظل الوقت الحالي المشحون بكراهية الآخر وعدم الإعتراف به (خاصة وأن الإتجاه العام هو أسلمة جميع الهيئات التنفيذية والإدارية والقضائية والإستشارية والرئاسية وكل مواقع الحياة) فلا يكون إلا الكوتة هو الحل الأفضل للتمثيل الفعلي للأقباط في المجالس النيابية.
وعلي سبيل المثال لم يكن للكوتة ثمة وجود في العهود السابقة لثورة العسكر التي جاءت تحمل معها التعصب الديني ورفض الآخر فكان سعد زغلول يحث علي الوطنية قبل الدين، وكان مكرم عبيد يفوز بعضوية البرلمان في دوائر اسلامية بحتة لأن الناس كانوا غير الناس الآن والمناخ كان مختلفا تمامًا عن الحاضر.

الكوتة كانت غير صالحة أبدًا في مناخ ثورة 19 حيث استطاع الزعيم سعد زغلول أن يمحي الطائفية والتشرذم ونادى بشعار الوطن للجميع، لكن الذي صلح في ذلك الوقت الجميل الذي كانت المحبة فيه سائدة بين أفراد الشعب لا يصلح لوقتنا الرديء المفعم بالكراهية والمشبع بالطائفية.
واذا كانت سياسة الدولة رفض الكوتة للأقباط بحجة اختلاف الرقم الحقيقي للأقباط فإن هذا الوضع ليس عذرًا (خاصةً أن جهاز الإحصاء أعلن بدون استحياء أن النسبة لا تزيد عن 6 أو7  في المائة) فحتى لو كان هذا سيكون عدد الأقباط الممثلين في المجلس نسبة لإجمالي عدد المجلس لا يقل عن 25 نائب وهذا الرقم طبقًا للنسبة المعلنة من الجهات المعنية أفضل بكثير من عدمه.
واذا كانت الكنيسة لا توافق علي الكوتة للأقباط تمشيًا مع سياسة الدولة لإننا نسيج واحد، فإنه من الضروري أن نعلنها بوضوح (أن الكنيسة تمثل الأقباط روحيًا فقط وليس سياسيًا)، فنحن نشجب هذا الكلام ولا نوافق عليه بالمرة فليكن اهتمام الكنيسة بالنواحي الرعوية والروحية أما ما يخص العالم أظن أننا نمتلك عقول وفكر يقودنا إلى الطريق الصحيح دون أخذ موافقة أو رأي الإكليروس، واذا كنا نطلب فصل الدولة عن الدين فلماذا نوافق علي رأي الكنيسة في موضوع الكوتة بحجج واهية لا تغني عن جوع.
إن الكوتة لها ثمار كثيرة إنها عامل قوي للأقباط لدفعهم إلى حلبة السياسة وسيكون لهم ثقلاً في الحركة الوطنية كالماضي القريب وتستفيد الدولة بنشاطهم أكثر، وبالتالي سيتفاعل الأقباط مع المناخ الجديد ولن يفتروا عن العمل مع شركاءهم في الوطن بجدية لأنهم شعروا بأن لهم تمثيلاً شبه عادل.

وعلي ضوء هذا أنصح الأقباط بالآتي:
*الإصرار علي كوتة للأقباط حتي يكون لنا تمثيل في مجلسي الشعب والشوري ولا نبالي بربط الكوتة بالنسيج الممزق.
*التفاعل مع الوطن بالإشتراك الفعلي في جميع الأحزاب بما فيها حزب الحاكم وأن يكون لهم تواجد عملي في نشاط الأحزاب.
*لا بد من تقوية أواصر المحبة مع اخوتنا المسلمين (العقلاء والأجلاء) في كل المجالات وهم الأكثر دون شك لإنهم يمكنهم المطالبة بحقوق الأقباط وصوتهم أقوى ومسموعًا عن صوت الأقباط الخافت والضعيف والمشتت.
*العمل علي عدم زج الكنيسة في الأنشطة الوطنية والإجتماعية للأقباط، وأُكرر أن الإكليروس يمثل نفسه فقط في الحركة الوطنية ولا يمثل الشعب ولا بد كعلمانيين أن نرفض هذا لمصلحة الطرفين الكنيسة والأقباط.

*أن يفهم القبطي فهمًا جيدًا للآية "اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" فهذه الآية مرشدًا هاديًا لعلاقتنا بالوطن، واذا كان القداس الإلهي يطلب من الشعب الصلاة من أجل الحكام والمسئولين أليس بالأولى أن يكون لنا التواجد الحقيقي والفعال في كل أنشطة الدولة.
*لا بد أن نتيقن أن العضو الخامل في الجسد يضعف ثم يُضمر وبضموره لا يمكن تجديد حياته مرة ثانية وتكون النتيجة البتر (لا سمح الله) وهذا هو المطلوب ويتوافق مع غاية التيار الوهابي وهدف الأقلام الهدامة.
*لا بد أن نسمع صوت الأقباط العلمانيين والغيوريين دون ربطهم بالكنيسة إلا في حدود الروحيات والعبادة والطقوس، ونرجو للكنيسة أن ترفع يدها عن التدخل في توجيه الأقباط في مسيرتهم العلمانية فإنهم ناضجون بما فيه الكفاية.
*نحن الآن علي مفرق خطير ولا بد لنا من التقرير علي صيرورة المصير فلا تجرفنا الآمال الفارغة ولا تخيفنا المصاعب العارضة التي تواجهنا لنصل الماضي المنير بالمستقبل المشرق لبلدنا.

*دعونا نأخذ من التاريخ عبرة... فقد مات "سنيوت حنا" ليعيش النحاس باشا بعد أن تلقى السونكي ليفدي زعيمه، ويصف التاريخ عن "ويصا واصف" بأنه محطم الأغلال ليدخل الأعضاء إلى البرلمان ضد رغبة الملك وبطانته، وكان القمص سرجيوس أحد أبطال الثورة وخطيبها الألمعي يخطب في قاعات الكنائس وعلي منابر الجوامع، وكان مكرم عبيد ابن سعد زغلول البار، بل الأكثر من هذا كان بصحبة سعد زغلول في منفاه عدد من الأقباط يفوق عدد اخوتهم المسلمين (أليست هذه وطنية جارفة ومشاركة حقيقية في هموم الوطن).
يقول مكرم عبيد في خطبته العصماء أمام شباب شبرا بعد عودته من المنفي قولوا لهم  (للمستعمر الإنجليزي): هم أقباط ومسلمون في وفدهم أو برلمانهم، فقد كنا ولا نزال مصريون في سجوننا عبثًا يفرقون بين آمالنا فقد أتحدت آلامنا عبثا كله عبث فقد اكتشفنا سر الحياة: (الخلاص) وما اتحادنا إلا اتحاد قلوبنا ونفوسنا ومشاعرنا، ولن يفصلنا فاصل بعد أن جمعها الواحد القهار.

وأختم مقالتي بمقولة سعد زغلول الخالدة "لولا وطنية الأقباط لتقبلوا دعوة الأجنبي لحمايتهم وكانوا يفوزون بالجاه والمناصب بدلاً من النفي والسجن والإعتقال، ولكنهم فضلوا أن يكونوا مصريين معذبين محرومين من المناصب والحياة والمصالح ويُساقون للضرب ويذوقون الموت والظلم على أن يكونوا مَحميين بأعدائهم وأعداء الوطن».
اخوتي في الوطن مصر: المسلمون والمسيحيون هما بمثابة اللحمة والسدة وبإتحادهما يصير نسيج الوطن متماسكًا قويًا ولا يمكن الإستغناء عن احدهما؛ لأنه في اهمال احدهما لن يكون للآخر قيمة أو معني ويغدو النسيج مهلهلاً، أما المرأة فهي تمثل الزخارف الجميلة والألوان الجذابة وبدونها لا يكون للنسيج جمالاً أو روعة.
اذن فالنتيجة الحتمية لا يمكن الإستغناء أو اهمال أي عنصر من مكونات النسيج السدة واللحمة واللون، نرجو من الله أن يلهمنا الحكمة والفهم حتي لا نبكي علي وطن ضاع أو في طريقه للضياع.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٢ صوت عدد التعليقات: ٤ تعليق