CET 00:00:00 - 23/11/2009

مساحة رأي

بقلم: يوسف سيدهم
فكر التطرف والكراهية وعدم قبول الآخر يتسلل إلي مجتمعنا بخطوات حثيثة منظمة، ويصل إلي المواطن البسيط حيثما كان سواء في المواصلات العامة - وخاصة مترو الأنفاق- أو في سيارات الأجرة أو السيارات الخاصة...يجلس المواطن في عربة المترو أو تقف سيارته في إشارة مرور فيفاجأ بمن يقترب منه ويلقي إليه «في حجره» أو من نافذة السيارة بمطبوعة صغيرة الحجم من نوعية مطبوعات الجيب...وكان من المألوف أن يبادر المواطن بتفحص ما ألقي إليه بسرعة ليتعرف علي طبيعته لأنه يعرف أن من ألقي به إليه سرعان ما يعود إما ليأخذ إحساناً مقابله أو ليسترجعه، أما ما أصبح مألوفاً في أيامنا هذه أن من يوزع تلك المطبوعات في وسائل المواصلات العامة أو في إشارات المرور لا يعود ثانية مما يستدل معه أنه ليس في حاجة إلي مقابل، فالمقابل تتكفل به الجهة التي يعمل لحسابها وتتولي تمويل نشر وتوزيع هذه القنابل الموقوتة التي تذخر بالتطرف والأصولية وتعيث فساداً بهذا الوطن.

ويتساءل المرء في دهشة: ألا تعلم السلطات وأجهزتها الأمنية بما يحدث؟...كيف تسكت عن هذا إذا لم تكن تباركه؟...أليس من واجب هذه السلطات رصد وتعقب كل ما يهدد سلام واستقرار المجتمع وتتبع من يقف وراءه للحيلولة دون استفحاله؟...إننا نسمع عن رصد الأجهزة الأمنية للاجتماعات التي تنظمها الجماعات المتطرفة وفرض رقابة لصيقة علي ما يجري فيها والانقضاض في الوقت المناسب للقبض علي من يتآمرون علي هذا الوطن ومصادرة ما يزمعون ترويجه من منشورات تحض علي العنف وتهديد نظام الدولة، كما نسمع عن رصد نفس هذه الأجهزة للفكر المنشور علي المواقع الإلكترونية خاصة ظاهرة المدونات التي انتشرت مؤخراً، ونسمع بين الحين والآخر عن القبض علي أحد المدونين لمحاكمة فكره المنشور...لماذا لا نسمع عن أي تحرك من هذا القبيل لوأد الفتنة والتطرف المستشريين من جراء شيوع ظاهرة المطبوعات الخطيرة الجاري نشرها وتداولها «علي عينك يا تاجر!!» في الشارع في إشارات المرور وفي وسائل المواصلات العامة بأيدي ملتحين يرتدون الجلباب القصير أو منقبات؟!

ويقول البعض إن حرية الفكر يجب أن تكون مكفولة، والرد علي الفكر مهما كان متطرفاً يكون بالفكر المضاد لا بمصادرة الفكر، وذلك صحيح لا خلاف عليه ولكن في إطار القنوات المشروعة المتعارف عليها لنشر الفكر، فالمكتبات علي جميع أشكالها وانتماءاتها تعج بالكتب والمؤلفات التي تقدم جميع ألوان الطيف من الفكر سواء المتنور أو المتوازن أو المتطرف وترقد تلك الكتب علي الأرفف في انتظار من يلتقطها ليقرأها ثم يعود ليلتقط غيرها ليرد عليها.

وذلك هو مجال حرية الفكر، أما أن يفرض فكر أصولي محدد علي المواطن دون أن يطلبه أو يسعي إليه-وغالباً ما يستقر ذلك الفكر الكارثي في حوزة البسطاء والجهلاء -ويكون مجال توزيعه ونشره الشارع والأرصفة ووسائل المواصلات العامة التي تمول من أموال المواطنين دافعي الضرائب، فهذا ليس من حرية الفكر إطلاقاً بل هو تغلغل خطير للأصولية والتطرف وغزو مرعب لعقول وقلوب البسطاء ولا مبالاة مدمرة من جانب السلطات المسئولة التي تري وتعرف وتغض البصر عن إيقافه وتتركه يتمادي ويستشري مهدداً بالانفجار في وجوهنا جميعاً.

من نماذج هذه القنابل الموقوتة التي غالبا ما يعرفها مرتادو المواصلات العامة وقائدو السيارات أثناء انتظارهم في إشارات المرور، كتيب في حجم كف اليد يحمل عنوان «الولاء والبراء في الإسلام» ومؤلفه الشيخ «صالح بن فوزان الفوزان» صادر عن دار نشر بالإسكندرية تحمل اسم «الرحمة للنشر والتوزيع».. تعالوا معي في جولة داخل جنبات هذا الكتيب الصغير في حجمه الخطير في الكم الهائل من تغييب العقل وتضليل الفكر الذي يروجه.

من أصول العقيدة الإسلامية أنه يجب علي كل مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها ومن ذلك تحريم موالاة أهل الكتاب خصوصاً...وقد جهل كثير من الناس هذا الأصل العظيم حتي لقد سمعت بعض المنتسبين إلي العلم والدعوة في إذاعة عربية يقول عن النصاري إنهم إخواننا، ويالها من كلمة خطيرة!!

من مظاهر موالاة الكفار التشبه بهم في الملبس والكلام، فيحرم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم ومن عاداتهم وعباداتهم وأخلاقهم كحلق اللحي وإطالة الشوارب وهيئة اللباس والأكل والشراب وغير ذلك!!

أيضاً من مظاهر موالاة الكفار الإقامة في بلادهم وعدم الانتقال منها إلي بلاد المسلمين لأجل الفرار بالدين، لأن إقامة المسلم في بلاد الكفر تدل علي موالاة الكافرين إلا إذا كان في ذلك مصلحة دينية كالدعوة إلي الله ونشر الإسلام في بلادهم، فيحرم السفر إلي بلادهم لغرض النزهة ومتعة النفس ولا يكسر التحريم إلا عند الضرورة كالعلاج والتجارة والتعليم للتخصصات النافعة التي لا يمكن الحصول عليها إلا بالسفر إليهم!!

من مظاهر موالاة الكفار إعانتهم ومناصرتهم علي المسلمين ومدحهم فهذا من نواقض الإسلام وأسباب الردة التي نعوذ بالله منها، أيضاً يحرم الاستعانة بهم والثقة فيهم وتوليتهم المناصب التي فيها أسرار المسلمين واتخاذهم بطانة ومستشارين، ومن هذا ما وقع في هذا الزمان من استقدام الكفار إلي بلاد المسلمين لاستخدامهم وتوظيفهم.

من مظاهر موالاة الكفار التأريخ بتاريخهم خصوصاً التاريخ الذي يعبر عن طقوسهم كالتاريخ الميلادي الذي ابتدعوه من أنفسهم وليس هو من دين المسيح عليه السلام، كذلك مشاركتهم في أعيادهم أو مساعدتهم في إقامتها أو تهنئتهم بمناسبتها أو حضور إقامتها، فمن صفات عباد الرحمن أنهم لا يحضرون أعياد الكفار!!

من مظاهر موالاة الكفار مدحهم والإشادة بما هم عليه من المدنية والحضارة والإعجاب بأخلاقهم ومهاراتهم دون النظر إلي عقائدهم الباطلة ودينهم الفاسد، فالواجب أن يكون المسلمون سابقين إلي استغلال هذه المنافع والطاقات ولا يستخدمون الكفار في الحصول عليها!!

من مظاهر موالاة الكفار الاستغفار لهم والترحم عليهم وقد حرم الله ذلك لأن هذا يتضمن حبهم وتصحيح ما هم عليه من كفر وضلال.

أعرف أن ما يضمه هذا الكتيب الكارثة بعيد تماماً عن سائر الممارسات التي يعهدها ويعايشها المصريون المتنورون الذين يختلطون بشكل طبيعي مع بعضهم البعض ويتشاركون في شتي مجالات الحياة في السراء والضراء، يتفقون ويختلفون، يتقاربون ويتباعدون، متسلحين بذخيرة غزيرة من الإرث المصري الذي يجري في دمائهم مدعوما بسماحة ووداعة الدين الذي يدينون به...لكن أعرف أيضاً أن مصر تمر بمنعطف خطير بسبب رياح الفكر الأصولي الكاره الفارز التي تهب عليها والتي تنجح في التسلل إلي عقول وقلوب البعض من أبنائها لتغرر بهم وتغتال من خلالهم السماحة المصرية الأصيلة...فإذا ما تركنا تلك الرياح تمرح بلا رقيب أو حسيب في شوارعنا سنفيق علي دمار هذه ملامحه وسيكون الوقت قد تأخر جداً لتداركه...وأرجو ألا يزيح البعض الأمر برمته جانباً بالحديث عن المواطنة!!!

بالمناسبة: هل تذكرون المواطنة؟!

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٥ صوت عدد التعليقات: ٨ تعليق