بقلم: حكمت حنا
من خلال متابعتي لردود الأفعال المصرية الغاضبة لما تعرض له المصريين بالسودان على يد الجزائريين وحالة الزعر التي اجتاحت نفوس المصريين من امكانية الفتك بهم، أثارت تلك الأحداث بداخلي شعور استنكاري ناقد لتلك الأفعال المشينة الإستفزازية الغوغائية، وبعيدًا عن تلك العواطف والإنتماءات الوطنية وجدت أن شعبنا لديه تحرك انفعالي قوي وملحوظ تجاه قضايا قد تبدو سطحية وهذا ليس استخفاف لما تعرض له بني شعبي، لكن لماذا لم يحدث هذا التحرك الرافض لما حدث لأكثر من ألف مصري ضاع في حادث العبارة وما ارتكبته يد الإرهاب الآثمة من أحداث تفجيرية بمناطق مختلفة بمصر.
ولا داعي للتحدث عن الموقف المتخاذل لما يتعرض له أصحاب عقيدة الأقلية من حوادث ثأرية لدوافع معلومة لدرجة تقشعر لها الأجساد، فمن الملاحظ أن شعبنا تثار حفيظته وتشتعل انفعالاته عند الحديث عن اشتباكات كروية ليصل الأمر -بسبب تبادل سخافات بين مشجعين فريقين- إلى أزمة دبلوماسية بين بلدين.
والملاحظ أيضا أننا نتحدث كثيرًا في قضايا بطبيعتها جدلية لا ينتهي النقاش فيها إلا بعد حدوث حالة من(الزهق) تصيب المواطن المصري ليهدأ وتخمد معه القضية وسرعان ما تعود مرة أخرى عندما تتجدد.
فما تعرض له اللاعبون المصريون على أرض السودان على يد الجزائريين حدث من قبل في الثمانينيات لأكثر من مرة وحدث نفس الجدل وغلت مشاعر المصريون -مع اختلاف التفاصيل- وتحدثوا عن ما تعرض له اللاعبين المصريين حتى استنفذوا طاقتهم وشفت انفعالات الشعب من تلك الواقعة، وما أن مرت السنوات حتى عادت نفس القضية لتقوم وسائل الإعلام بدور الشحن الإنفعالي وتستضيف من يهاجم لتسير على نفس النهج الشعبي وهو في حقيقة الأمر نوع من التعبئة الجماهيرية حتى تنتهي القضية، ومن المتوقع أن تحدث مرة أخرى لتتكرر نفس الحالة الجدلية.
وقد سبق وجادلنا في قضية النقاب وانقسم المجتمع لفريق يتبع تيار مستنير يعتبر النقاب ليس فريضة، وفريق آخر يتبع السلفيين يرى أن النقاب فريضة دينية لتتبادل الإتهامات بين مَنْ يكفر الآخر وبين مَنْ يرى الآخر داعيًا للظلام الفكري، ولا ثمار سوى مزيد من الجدل الذي لا يقنع بل يثبت تشبث كل طرف برأيه فيكفي أنه يدافع عن وجهة نظره بكل انفعاله وتخمد القضية وربما تتكرر فيما بعد لإننا نهوى الجدل في قضايا شكلية لنُستغرق فيها مبتعدين عن قضايا جادة لعل التطرق لها سيجعلنا أكثر عقلانية وهدوء لمحاولة تطوير أنفسنا، مبتعدين عن أزمات ربما افتعلتها الدولة وبالغت في عواقبها لإلهاء المواطن عن قضايا جادة في حياته تحتاج منه أن ينظر للأمام دون النظر تحت أقدامه في كل قضاياه.
نحن لا نناقش قضايا من أجل وضع حلول بل نتحدث في قضايا من أجل اشباع رغبتنا في الحديث بها لخلق مزيد من الجدل وهذا كافي إلى أن تنتهي القضية من نفسها بإستنفاذ الحديث بها.
بلا شك إن ما عبر عن المصريين لما حدث لأبناء مصريتهم دليلاً على استمرارية حبهم لوطنهم وغيرتهم عليه بالرغم من ....... لكن تمنيت أن تكون هذه الإنفعالات الجارفة التي شحنت كل مواطن حتى من لا يرغب في مشاهدة مباراة كروية أن تُستغل فيما بعد لأزمات حقيقية قادمة ربما تكون أكثر مأساة مما تعرض له المصريين بالسودان، (ككارثة الدويقة) التي أثبتت بالوقائع تخاذل القيادات المصرية، بل وهناك مأساة أكثر وهي (حادثة العبارة) التي لم تتحرك فيها الحكومة لملاحقة الجناة بل أمنت خروجهم ليواصلوا نشاطهم من الخارج والدولة لم تتحرك بمؤسساتها وشعبها بكل ما أوتيت به من مشاعر غاضبة وتحاول أخذ موقف مثلما فعلوه تجاه (ماتش كورة).
أتمنى أن نحسم قضايانا بدلاً من الإنغماس في الحديث الجدلي الوقتي دون حل لتتكرر نفس القضية بشكليتها. |
|
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك
أنقر هنا
|
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر
أنقر هنا
|