بقلم: القس رفعت فكري
في البداية لابد أن أقر وأعترف عزيزي القارئ إنني لست من هواة كرة القدم, ولا أعرف كيف ألعبها , كما إنني لست من هواة متابعتها إلا فيما ندر, ولكنني قررت أن أتابع وأشاهد مباراة مصر والجزائر والتي جرت أحداثها على أرض مصر, والتي جرت أحداثها في السودان, وقراري كان منبعه إنني رأيت اهتماماً إعلامياً وجماهيرياً بهذه المباراة فخشيت أن أٌتهم من البعض بالجهل لعدم متابعتي لمبارايات على درجة كبيرة من الأهمية كهذه, على أي حال تابعت المباراتين بين مصر والجزائر اللتان أقيمتا في القاهرة والسودان ووردت في ذهني بعض الخواطر قررت أن أشاركك بها عزيزي القارئ :-
أولاً : - الاهتمام الشعبى والإعلامي بكرة القدم يؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن الانشغال بالمباريات هو المتنفس الوحيد الذي يستطيع المصريون من خلاله أن يتحدثوا بأعلى صوت, ومن الواضح والمؤكد أن الشعب المصري يهتم بكرة القدم أكثر من اهتمامه بأي شئ آخر, فالوضع السياسي لا يعنيه كثيراً وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين جميع المواطنين ليس لها أي درجة من الأهمية مثل الاهتمام بكرة القدم , وهذا في حد ذاته أمر خطير, ويبدو أنه من المقصود لهذا الشعب أن يظل مغيباً عما يجري من أحداث سياسية وثقافية واجتماعية ويستمر لاهياً في كرة القدم , والتي لاأقلل من شأن الاهتمام بها بقدر ما أدعو إلى وضعها في حجمها الطبيعي دون أن نغفل الأولويات الأكثر إلحاحاً .
ثانياً :- تأثرت كثيراً بالأغاني الوطنية المصرية التي كان يبثها الإعلام قبل المباراة, حتى في مترو الأنفاق كانت إذاعة المترو تذيع يوم المباراة أغنية" ياحبيبتي يامصر يامصر" فقلت في نفسي أخيراً تذكرنا هويتنا الأصلية ومصريتنا الأصيلة بعد طول غياب قصده لنا بعض السياسيين, فلقد قادنا البعض دون أن ندري إلى أن ننسى مصريتنا ونذوب في القومية العربية, ونتضامن مع دول عربية لم نجن من ورائها سوى تصدير الفكر الديني الرجعي المتخلف الذي أحدث الكثير من التوترات الطائفية والدينية في مصر, ولم نأخذ منهم إلا الهجوم على مصر وسمعتها , ولم نجن من الدفاع عنهم سوى ضرب وزير خارجية مصر بالأحذية , ولم نأخذ منهم كما حدث في المباراة الأخيرة إلا كل إهانة وبذاءات وحركات وإيماءات يعف القلم ويترفع عن ذكرها, لأن ذكرها قبيح .
لكم أتمنى أن نتذكر مصرنا في كل يوم وليس وقت مباريات كرة القدم مع الدول العربية فقط , ولكم أتمنى أن تذيع محطة مترو الأنفاق طوال أيام الأسبوع حتى في أيام الجمعة تلك الأغنية الجميلة الغالية على قلب كل مصري أغنية" ياحبيبتي يامصر يامصر", ولكم أتمنى أن تُنزع جميع الملصقات وتوضع ملصقات تحثنا جميعاً إلى الانتماء لهذا البلد الحبيب مصر .
ثالثاً :- لفت نظري أن معظم المصريين على اختلاف أديانهم وانتماءاتهم السياسية والحزبية والثقافية حملوا الأعلام المصرية , فلقد رأيت بعيني رأسي منتقبات يحملن علم مصر, ورأيت مسيحيين يحملون علم مصر, ورأيت لافتات كبيرة وضعتها العديد من الكنائس من أجل تشجيع المنتخب المصري , لقد نسي المتعصبون العبارة القميئة " طظ في مصر وأبو مصر " ولكم تمنيت أن تبقى هذه الروح الجميلة على طول الأمد, لكم تمنيت أن يعلو انتماءنا لوطننا مصر فوق أي انتماء آخر, فهل يمكن أن نعلى من الاهتمام بهذا الانتماء بدلاً من الارتماء في حضن الانتماءات الضيقة الأكثر تعصباً .
رابعاً :- مزج الدين بالمناخ العام والزج به في كل شئ أصبح أمراً غير محبب, ففريق الساجدين انهزم وانبطح أمام الجزائريين , فماذا نفعه السجود؟!! وهل نجح الدعاة في دفعهم للفوز؟ وهل أُستجيبت الدعوات بالفوز؟ إن السجود لا مكان له إلا في المسجد والكنيسة, أما المستطيل الأخضر فلا مكان فيه إلا لكرة القدم ولمجموعة من اللاعبين لايصح أن ينتموا لدين واحد, ولا لمذهب واحد ولا لطائفة واحدة, ولكن يجب أن يكون ما يجمعهم المهارة العالية والأخلاق الرفيعة والروح الرياضية والحب الأصيل لمصر, وحتى الدعوة لاعتناق أي دين من الأديان ليس لها مكان على أرض الملعب .
خامساً :- بات من الواضح أن التعصب ملأ قلوب الأغلبية, وبات من الواضح أن التسامح لم يعد له مكان في القلوب, وأصبح من المؤكد أننا خسرنا الكثير من القيم والمبادئ الأخلاقية , ألا من عودة ؟!! إن خسارة مبارة أمر هين ويمكن تعويضه , أما خسارة الأخلاق والمبادئ فهو أمر لا يمكن تعويضه بأي حال من الأحوال !!
سادساً :- أتمنى أن ينشغل المصريون بشئون مصر أكثر من اهتمامهم بأي شأن آخر, أتمنى أن ينشغل المصريون بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة, أتمنى أن يجد المصريون حلاً ناجعاً للتوترات الطائفية المختلفة في معظم ربوع مصر, إن - القضايا العربية التي شغلتنا عن وطننا - لم نجن من ورائها إلا الإهانة والخسارة وضرب الأحذية واتهامنا بالخيانة والعمالة, فاهتمامنا بمصر وبمستقبلها وبتقدمها وبرفاهيتها سيجعل العالم يحترمنا ويقدرنا.
سابعاً :- نحتاج أن نتسق مع أنفسنا ونحن ندافع عن الكرامة الإنسانية, فما يتعرض له مصريون أبرياء في بعض قرى ونجوع مصر لا لشئ إلا لأنهم مسيحيين لا يقل أهمية عما حدث لمصريين أبرياء في الخرطوم , وعما يحدث للمصريين في الجزائر, إن حقوق الإنسان لا تتجزأ , والكرامة الإنسانية يتساوى فيها جميع البشر على اختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية والثقافية, فهل من وقفة شجاعة لمعاقبة المتطرفين المصريين الذين يعتدون على شركائهم في الوطن ؟!! وهل من إعلام نزيه ومحايد يقدم لنا حقيقة ما يحدث في ديروط وفرشوط وغيرهما الكثير من قرى ونجوع في مختلف أنحاء مصر ؟!!
أخيراً :- أتمنى أن يتمالك المصريون أعصابهم, ويتحلوا بالهدوء والسكينة , فليس من الأخلاق أن نواجه العنف بعنف مضاد , وليس من الإيمان أن نعامل الآخرين بمثل معاملاتهم السيئة, فلقد علمنا السيد المسيح لا تجازوا أحداً عن أحد بشر, أحبوا أعدائكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم, ويقيني أن هذه الروح الراقية والنبيلة والتي تتسامى فوق الجراح ستجعل المُخطئ يشعر بخطأه ويتوب ويرجع إلى جادة الصواب . |