بقلم : مشعل السديري |
قال لي: لقد تعلمت من أمي درسًا لن أنساه وقد أثر على مسيرة حياتي. فقد كانت شبه أمية، فهي بالكاد تقرأ وتكتب، وفي أحد الأيام دخلت عليها في المطبخ، وإذا هي تسلق بالقدر عدة حبّات من البطاطس، وفجأة وإذا بها تخرج ثمرة بطاطس من الماء المغلي ثم تلقيها علي قائلة: هيا أمسك بها يا ابني. أمسكت بها ولكنها لسعتني و(شعوطتني) وأخذت أتقافز وأصرخ من شدة الألم، فما كان مني لا شعوريًا إلا أن ألقيها على أمي مرة ثانية، فأمسكت بها وألقتها سريعًا داخل القدر، ثم قالت لي: سوف تذكر هذا الموقف طوال حياتك، فعندما يقذفك أحد بثمرة بطاطس ساخنة فاقذف بها إليه، واستمرت في مخاطبتي قائلة: إن ثمرة البطاطس الساخنة هي بمثابة الموقف الذي يصعب علاجه، أو السؤال الذي يكون الرد عليه عسيرًا. فقلت له: إنني لا أحسدك ولكنني أهنئك على أمك تلك (شبه الأميّة) التي حولت البطاطس من مجرد ثمرة تؤكل، إلى فلسفة ودرس هو غاية في التعقيد. رد علي قائلاً: من الصعب الآن أن أتقبل تهنئتك لأن تلك التي علمتني ذلك الدرس العملي قد انتقلت إلى رحمة الله، ثم إن ذلك الدرس كان بسيطًا وليس معقدًا مثلما تظن، فهو يعني أنك ستقابل طوال حياتك أشخاصًا أذكياء يتظاهرون بالغباء، إنهم يجلسون يستفزونك محاولين تعلم ما تعرفه أنت، ويدرسون كيف تعالج المسألة ـ أي ماذا ستفعل بثمرة البطاطس الساخنة؟! ـ وربما تتردد طويلاً حتى تفقد سخونتها، عندئذ تصبح هي لهم، أو قد تظهر لهم مراقبتهم لك وأنت تحتال لإمساكها، كيف تستطيع إمساكها دون أن تحرقك؟! ومن بعدها أصبحت كلما واجهت سؤالاً ما في اجتماعاتنا الدورية في العمل، أحيله ببراعة فائقة إلى شخص آخر مستعينًا بشيء من التملق قائلاً له: إنك تعرف عن هذا الأمر أكثر مما أعرفه أنا بكثير، فما رأيك؟! وأردف قائلاً: لقد تعلمت أهمية الانتظار والتفكير، وأن أحصل على الوقت اللازم لهما لكي يتسنى لي قذف ثمرة البطاطس الساخنة، إنها حيلة صغيرة نافعة. قلت له: لا أدري إن كنت سأستفيد أنا شخصيًا من هذا الدرس العملي الذي أمليته علي، لأنني للأسف لم أتعلم في صغري درساً في فلسفة البطاطس، وهو الذي تعلمته أنت من أمك في صغرك، ولكنني تعلمت فقط فلسفة العصا والجزرة ـ أي الترهيب والترغيب ـ لهذا أصبح الكثير من الناس في عالمنا العربي شأنهم شأن البهيمة المركوبة التي تضرب طوال الطريق على مؤخرتها بالعصا إن هي (حرنت) أو تباطأت بالسير، في الوقت الذي يمدون أمامها جزرة مربوطة لا تستطيع أن تطالها أو تأكلها، لأنها كلما تقدمت للأمام ابتعدت عنها الجزرة أكثر. ولكنني أصدقك القول عن مبدأ (الثرثرة)، فأنت حقًا عندما تتحدث فإنما أنت تكرر ما تعرفه فعلاً، أما إذا أصغيت، فإنك قد تتعلم شيئًا. نقلاً عن :الشرق الاوسط |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |