بقلم: مينا ملاك عازر
ليست هذه هي المرة الأولى التي أتحدث فيها عن الرئيس محمد حسني مبارك بل أنه سبق لي أن خاطبته، وسبق لي أن تخيلت نفسي مكانه وتوقعت ماذا عليّ أن أفعل لتحسين الوضع السياسي للبلد، وهنأته في مرة أخرى بمناسبة عيد ميلاده، وناقشته حول الوضع السياسي لبلادنا، ذلك الوضع السياسي المتردي، ولذا في هذه المرة وعلى عكس كل مرة لا أشعر بالخشية ولا بالتردد اللذان كنت أستشعر بهما في كل مرة، خاصةً وأنا في هذه المرة انتوي أن أكتب عنه وليس له.
واسمحوا لي قبل أن أكتب، أن أوضح أنه ليس لي أي أطماع شخصية في أي كرسي من كراسي السلطة ولا أحبها خاصةً في مصر، كما أنني أؤكد أمام الكل أنني كثيرًا ما أختلف مع سياساته الداخلية، وذلك ليس أمر يعيبني ولا يعيبه، إذ يعيب من يفشلون دائمًا ويضربون لخمة أمام أي كارثة أو أي مشكلة وطالما ينتظرون تعليماته، وقد يقول قائل أنها اختياراته، ولذا فقط أنا أختلف معه لأنني أرى أنه يختار رجال يسيئون للنظام، والأمثلة على ذلك كثيرة للأسف، ولكنني أعجب به حينما أراه يتكلم عن السياسة الخارجية للبلد فهو بارع ومحنك وله خبرات رهيبة، يكفيه أنه الذي استطاع أن يعيد علاقاتنا الدبلوماسية والسياسية مع الدول العربية بعد القطيعة التي نجمت عن زيارة السادات للقدس، ويكفيه أنه يدير علاقاتنا الخارجية مع إسرائيل وسط أنواء الأزمات الإسرائيلية الفلسطينية وتحت ضغوط العرب المتغطرسين والمتطرفين.
ودعونا نحلل موقفه حيال الأزمة المصرية الجزائرية الراهنة ومن خلال خبراتنا عن مواقف رؤسائنا السابقين في أزمات موازية، ومن خلال رؤياتنا للموقف، لم يتفوه الرئيس بكلمة ضد الجزائر حكومة وشعبًا، وفي نفس الوقت لم يمنع ولده علاء ليقل ما يريده وليمتص غضب الشعب المصري، وآثر أن يحد من تصريحات جمال لأنها بلا شك تصتبغ بصبغة رسمية وسياسية لشَغلِه منصب أمين السياسات في الحزب الوطني، كما أنه حينما أطلق العنان لعلاء تركه يقول أقصى وأقسى ما يمكن قوله في البرامج التليفزيونية الفضائية والأرضية ليحقق تواصل بالشعب المصري الذي استجدعه جدًا، في حين أنه حينما حاول أعضاء مجلس الشعب استدراجه من خلال هتافاتهم أثناء خطابه في افتتاح الدورة البرلمانية 2009/2010 أصر على موقفه الراسخ، وآثر أن يطمئنهم بسياسة أكسبته ثقة الشعب المصري بطمأنة جماهيره القلقة على ذويها في الخارج، حيث قال أن رعاية المواطنين في الخارج مسؤولية الدولة، وأضاف، أنا بضايق بس بأصبر، والصبر الرئاسي له معاني كثيرة، فهو يعرف أن لأبنائه في الخارج الكثير من الأموال غير مؤمنة فيجب أن ينتظر إلى أن يطمئن عليها، ويعرف أن الصوت العالي لا يحل ولا يربط كما كان يفعل سابقيه من جعجعة فارغة، ويعرف أن الحرب ليست الحل كما فعل الرئيس السادات الذي دك ليبيا في عام 1977، عندما اقتحمت القوات المسلحة الليبية الحدود المصرية وأصابت وأسرت جنود مصريين.
ولا أخفي عليكم أن الرئيس مبارك يبهرني بكلماته الموزونة والتي تحمل معاني عميقة للمتأمل بها وللمدرك لعمق الألفاظ السياسية، والراصد لخطاباته عامةً ولخطابه الأخير على وجه الخصوص يستطيع أن يدرك عمق ضيق الرئيس وتحفظه وتحفزه، فهو أشار إشارة واضحة لضيقه وهذا أمر لا يعتاد إلا في الحالات التي تكون النفس فيها مُرة.
ولا ننسى أن الرئيس في هذه الحالة المصرية الجزائرية استطاع أن يتعامل ببراعة حيث تمكن من التخلي عن شعوره كأب، كان أبنائه مهددين من دولة وحكومة أرسلت بلطجيتها رغم معرفتها المسبقة بأن أبني الرئيس سيكونا متواجدين، وتخلي الرئيس عن مشاعر الأبوة وعدم إظهارها لأمر يعبر عن حنكة سياسية، وهو أمر ليس بجديد على الرئيس الذي كان ثابتًا في رد فعله حيال محاولة اغتياله في أثيوبيا عام 1996 فلم يكن رده انفعاليًا بل هادئًا واثقًا، ولذا أتمنى يا سيادة الرئيس أن تولي شطرًا من خبرتك الرائعة هذه وحكمتك إلى أمورنا الداخلية فحينها وحينها فقط سيتحسن الكثير من الأحوال الداخلية، وأنا أعرف أن ذلك لن يتم إلا بإيجاد قناوات فعالة تنقل لك الأوضاع الداخلية بشكل حقيقي.
وما دمت قد أشرت لأبوة الرئيس مع أبنائه فلا مانع من أن أشير لأبنائه أنفسهم بشكل مباشر، فكم كانا رائعين حينما رفضا العودة إلي مصر قبل أن يطمئنا على أحوال معظم البعثة وأجلا سفرهما لوقت متأخر ولم يسلكا كأبناء الرؤساء ويغادران مبكرًا، حتى أنهما بسلوكهما هذا أخرسا الكثير من الألسنة التي حاولت التشكيك في أنهما سافرا مستهينين بمصير من معهم من مواطنين. كما أنهما أبيا أن يتابعا المباراة من أمام شاشة التلفاز في السفارة المصرية بالسودان مما يؤكد أنهما يتعاملان على أنهما مواطنين على درجة أبناء رئيس.
وهكذا يكون الرئيس مبارك وأبنائه قد كتبا شهادة نجاح جديدة في مجال السياسة الخارجية، وأبنائه على وجه الخصوص يكونا قد اخترقا صدورًا طالما كانت مغلقة في وجههما خاصةً السيد علاء مبارك الذي تصرف على حد قول أحدهما كأبناء البلد. |