بقلم: ناهد صبري
لقد أصبح واضحًا أن النظام العرفي بدأ في التراجع أمام القانون لما أظهره لنا من قصور وعجز في حل المنازعات بين المواطنين المختلفين، ويعيش الصعيد هذه الأيام حالة واضحة لهذا المبدأ حيث وقعت أحداث عنف في قرية فرشوط الواقعة على بعد 545 كم جنوب القاهرة تبعتها أحداث عنف وتخريب في قرى أبو شوشة وفرشوط والكوم الأحمر وبعض القرى الأخرى، إثر مزاعم باعتداء أحدهم ويدعى جرجس جرجس على فتاة مسلمة وهتك عرضها، وكان من جراء ذلك حرق وتخريب عدد من المتاجر والصيدليات المملوكة لأقباط من قبيل أفراد هم عبده الشيطان لكنهم يرددون أن الله أكبر، وقد حاولت الجهات الأمنية بمركز فرشوط التحفظ على بعض الأقباط لإجبارهم على التنازل عن حقوقهم وإيهام الرأي العام برغبة الأقباط في توقيع محضر صلح بالرغم من رفض الكنيسة أي محاولات للصلح إلا بعد تعويض المضارين وقد وصلت الخسائر إلى أربعة ملايين جنيه.
ويبقى السؤال.. هل تصلح الجلسات العرفية ومحاضر الصلح للقيام بما ينبغي أن يقوم به القانون؟
الإجابة في رأيي لا.
ويرجع فشل النظام العرفي في حل المنازعات الطائفية إلى ما يلي:
- إن ممارسه القانون العرفي المتشدد يكرس للانتماء الديني الضيق والمغلق، ويترتب عليه نبذ فكرة المواطنة ومعاني الوحدة الوطنية والتاريخ والذكريات المشتركة والوقائع التاريخية الكبرى للكفاح المشترك للمسيحيين والمسلميين معًا والمؤسسة لتاريخ الدولة والأمة الواحدة.
- إعمال القانون العرفي يؤدي إلى الغلو الديني والميل لإرضاء الأغلبية وسيطرة ذلك على تفكير المتفاوضين والوسطاء من رجال الأمن والوسطاء وكبار العائلات وذوي النفوذ.
- إشاعة معنى عجز الدولة أيضًا فقدان القضاة مصداقيتهم وبروز ظاهرة التشكيك في الأحكام القضائية والبحث في نوايا بعض القضاة وتجريح نزاهتهم.
- الأحكام العرفية أدت إلى ظهور دور وسلطة رجال الدين في الحياة المدنية وفرض سلطتهم وتوجيهاتهم على المواطنين في القضايا الاجتماعية، مما أدى إلى تمديد المجال العام إسلاميًا ومسيحيًا إلى قضايا هي بالأصل اجتماعية واقتصادية وهو ما كرس إلى تسييس الدين.
وبعد.. إن الخلافات الطائفية تتعلق بقضايا موروثة ومعقدة للغاية تحتاج وقت طويل وخبرة عميقه وقواعد لحلها، ومن ناحية أخرى هناك تخوف شديد من حلها بالطريق العرفي مع ظهور ثقافة الغلو الديني السلفي التي تنتشر وبسرعة شديدة داخل النفوس. |