جميعنا نتكلم لغة الضاد (اللغة العربية)، بينما بعضنا يجيد لغة الدوت كوم (لغة الإنترنت)، هؤلاء هم غالباًَ الجيل الجديد الذي بدأ يتعلم هذه اللغة مع تعلمه للكلام ولكن غالبيتنا مايزال يكافح في فك طلاسم هذه الظاهرة الجديدة وفى معرفة كيفية التعامل مع المتغيرات التي أحدثتها في حياتنا.
لا شك أن الإنترنت كان له تأثيره الجذري على كل شيء في حياتنا فقد أحدث ثورة في طريقة حصولنا على المعلومات، وأعطانا وسائل جديدة للتواصل، ومدنا بأساليب عديدة للترفيه، وغيّر تماماًَ من الطرق التي تتحكم في كافة العلوم والتكنولوجيا.
ولقد تأثرت الحركة القبطية الحقوقية كثيراًَ منذ ظهور الإنترنت فإستخدمته بفاعلية في عملية الحصول على المعلومات المتعلقة بالقضية وفي بثها إلى العالم الخارجي ولكن مثل أي ظاهرة جديدة، ومع كل الإيجابيات التي حققتها، فمن الطبيعي أن يكون هناك سلبيات في كيفية التعامل معها.
وبالتالي أصبح الإنترنت ليس فقط أداة في يدنا بل أيضاًَ أداة ضدنا، وفي المقال السابق كتبت عن بعض مشاكل الإنترنت التي تأتينا من الخارج مثل محاولة الآخرين إختراق مواقعنا بقصد تثبيط هممنا وتحطيم عملنا وفي هذا المقال سأتناول بعض المشاكل التي تنبع من الداخل وتنتج عن سوء تصرفنا نحن وبالذات فيما يتعلق بما يكتب في التعليقات على المقالات.
مرة أخرى أحذر من إساءة فهم ما أقصده ومحاولة التخصيص فيظن البعض أنني أقصدهم بالذات أو التعميم فيعتقدون أنني أدين جميع الناس، ليس هدفي هنا إدانة أحد من الناس بل مناقشة مواقف بغرض تصحيحها، وأريد أن أؤكد أنه رغم كل العيوب في التعليقات فهناك عدد ضخم من المعلقين لهم الفضل في إثراء المواقع بإضافاتهم القيمة وهم يقدمون مستوى رفيعاًَ من التعليقات تعكس فكراًَ مستنيراًَ وعلماًَ غزيراًَ وأخلاقاًَ راقية ووعياًَ وإخلاصاًَ لا غبار عليه، فلهم منا جميعاًَ واجب الشكر والعرفان.
۱. التعليقات الشللية
عندما نتفحص التعليمات في موضوعات بالذات نكتشف أن عدداًَ من المعلقين ينقسمون في توجهاتهم إلى مجموعات أو( شلل) فهناك مثلاًَ شلة التيار العلماني ويواجهها التيار الكنسي، وهناك شلة الإتجاه العنيف ويقابلها الإتجاه المسالم ثم هناك شلة من يحبذوا الإقتصار على الجانب الحقوقي ويعارضها من يصروا على ضرورة مناقشة الأديان، ورغم أن هناك مواقع خاصة لكل إتجاه ولكن نجد أفراداًَ من هذه الإتجاهات تدخل في مواقع لها سياسة مخالفة ويحاولون أن يعترضوا على ما يكتب رغبة منهم في تغيير سياسة الموقع لتتمشى مع توجهاتهم، وأحياناًَ تجد كل شلة تحاول أن تؤثر على الكتاب بطريقة أو أخرى ليضموهم إلى مجموعتهم، فاذا عرض الكاتب فكرة تعجب شلة معينة يظنون أنه إنضم إلى شلتهم (وأصبح في جيبهم) فيغدقون عليه المديح، أما إذا عاد وكتب فكرة لا تعجبهم فيظنون أنه إنشق عليهم وإنضم للعدو فيصبون عليه جامات غضبهم.
٢.التعليقات التملكية
بعض الناس يعتقدون أنهم يمتلكون الكون بما فيه، فهم يظنون أنهم وحدهم يمتلكون الحق المطلق وما عداهم على ضلال ثم قد يظنون أنهم يمتلكون الكتاب فلا يحق لهم أن يخرجوا عن توجهاتهم.
وأحيانا يتصرفون كمن يمتلكون الموقع بل وإدارة الموقع ويتجاسرون بإملاء مطالبهم لما يجب أن يسير عليه الموقع وإلا يهددوا بالإنسحاب وفي غرورهم قد يعتقدوا أن الموقع سينهار في حالة غيابهم.
۳. التعليقات المتسرعة
يبدو أن عصر السرعة قد ترك بصماته على ما يكتب من تعليقات، فهناك من يكتبون تعليقات على مقالات بعد مجرد قراءة العنوان أو ما لا يزيد عن بضع سطور من المقال بل أن البعض الآخر لا يكلف نفسه عناء حتى قراءة هذا القدر القليل من المقال ولكن يبنى تعليقه على تعليقات الغير وتكون النتيجة إعتراض على أشياء لا وجود لها في المقال، وحدوث زوبعة لا أساس لها وكان في الإمكان تجنبها لو إستخدم المعلقون قدراًَ من التأني قبل أن يصدروا أحكامهم.
٤. التعليقات الدردشية
يبدو أن بعض المعلقين قد تعودوا على طريقة غرف الدردشة وهم يظنوا أن جميع مواقع الإنترنت يجب أن تعمل بنفس النظام فيحاولوا أن يدخلوا في دور دردشة طويل مع الكاتب أو مع المعلقين الآخرين، الكاتب مسئول عن كتابة ما يؤمن به والقارئ ليس ملزماًَ بقبوله وأمامه الفرصة أن يعترض أو يؤيد أو يصحح ما يراه أنه خطأ في تعليقاته، وأيضاًَ في إمكانه أن يوجه أسئلة للكاتب. ولكن عليه أن يدرك أن الكاتب ليس دائماًَ في وضع يمكنه من الإجابة على إستفسارات القراء.
فأحياناًَ يكون غير متواجد أو غير متابع لما يكتب من تعليقات لأسباب كثيرة. وأحياناًَ تكون كمية التعليقات أو عدد الأسئلة أكثر من أن يرد عليها الكاتب. وعندما لا يحصل المعلق على إهتمام الكاتب الفوري قد يغضب ويلجأ إلى أساليب إستفزازية يظن أنه بها يحرج الكاتب ويضعه أمام الأمر الواقع فيتهمه مثلاًَ بالعجز عن إجابة تساؤلاته.
وإعتقادي أن الطريقة الفعالة لمن يريد أن يوجه إستفساراًَ للكاتب أن يرسله إليه مباشرة عن طريق بريده الإلكتروني، ونصيحة لمن يستخدم هذه الطريقة أن يجعل سؤاله واضحاًَ ومحدداًَ ومباشراًَ وأن يقدمه باسلوب بعيد عن التجريح أو الإهانة فالكلمات المهذبة تجذب إجابة من نفس النوع والعكس صحيح.
٥. التعليقات المسيطرة
هناك من يظنون أنهم بصوتهم العالي يستطيعون أن يطغوا على أصوات الآخرين المخالفين في الرأي وهناك من يظنون أنهم بإستعمالهم للألفاظ البذيئة يستطيعوا أن ينتصروا على الآخرين الذين لا تمكنهم أخلاقهم من مجاراتهم في نفس المستوى.
وهناك من يظنون أنه بكثرة تعليقاتهم يستطيعوا أن يكتسحوا الجو ويسيطروا على الموقف فنجدهم يستخدمون أسماء مختلفة كثيرة لمداخلات مختلفة من نفس الأشخاص ليوحوا أنهم كثرة.
وقد يدخلوا من أجهزة كومبيوتر أخرى حتى لا يتكرر رقم الكود الخاص بالكومبيوتر، والغرض من هذا إعطاء الإنطباع الخاطىء أن هناك غالبية من القراء لها رأي مؤيد أو معارض، بينما الواقع أن معظم هذه التعليقات تكون صادرة من شخص واحد أو يكون هو المحرك الخفي من ورائها.
هذه مجرد أمثلة لممارسات خاطئة تجرى بإستمرار في التعليقات وهي ليست شاملة جامعة فهناك أيضاًَ التعليقات العنترية والإستفزازية والإستبدادية والإنتقامية والشخصية والمجاملتية والتملقية.... وغيرها، ويستطيع القارئ أن يضيف المزيد ولكني قصدت من هذا مجرد أن ألفت النظر إلى وضع سيء ويزداد سوءاًَ، ولا نستطيع أن نلوم عليه أحداًَ سوى أنفسنا.
وليس هدفي هنا أن أنادي بحظر النقد أو المعارضة أو أفترض إمكانية الإتفاق الدائم في الرأي فهذا مطلب خيالي لا يحدث في عالم الواقع ولكن أتمنى أن نتعلم كيف نتعامل مع ثقافة الخلافات، ونبتعد عن الطرق الملتوية للوصول لأغراضنا، فالخط المستقيم هو أقصر الطرق بين نقطتين، واللف والدوران يبعدنا عن الهدف وقد يؤدى بنا إلى أن نضل الطريق.
|