بقلم : حمدي رزق |
أضغاث أحلام، عدد من الحركات الثورية القبطية ظن أن تحلق الكنائس المصرية الثلاث فى سماء المواطنة الحقة التى تنشدها مصر، وتضرب مثلا بترشيح أساتذة قانون أو وجهاء أو علماء (رجالا ونساء) بغض النظر عن ديانتهم لتمثيلها فى لجنة الخمسين، ولكن الكنيسة لم تحلق، بل حطت على أرض الواقع المبللة بالطائفية، واستمسكت أو استسهلت أو بحكم العادة- كالأزهر تماما- بحقها فى ترشيح رجل دين من كل طائفة، بل زادت نفس الوجوه الثلاثة: الأنبا بولا رئيس المجلس الإكليريكى بالكنيسة (أرثوذكس)، والدكتور يوحنا قلتة، نائب البطريرك (كاثوليك)، والقس صفوت البياضى، رئيس الطائفة الإنجيلية (بروتستانت). لا جديد تحت شمس الكنيسة، تماهت مع وضعية طائفية فرضت فرضا على الواقع المصرى، شباب الكنيسة الذين ثاروا مع إخوانهم المسلمين، صوتا بصوت وذراعا بذراع، ضاقوا ذرعا بتماهى الكنيسة مع الواقع دون رغبة حقيقية فى تغييره، أو فك أسر الوطن طائفيا، ويرون أن موجة التغيير نحو المواطنة الحقة كان يمكن أن تبدأ من الكنيسة، لو أنها خرجت من ردائها الكهنوتى إلى رحاب أوسع، وابتعدت برجالها وبمسافة، وتركت أمر تعديل الدستور برمته للمدنيين، مسلمين ومسيحيين.
خشية الكنيسة ربما كانت مبررة لدى كهنتها فى ظل وضع طائفى صار طقسا فى كل أعمال الوطن، ولكن خشيتنا مضاعفة من حرص الرئاسة على تمثيل رجال الدين فى عمل من أعمال السياسة، حرص لا محل له من الإعراب، فكل مصرى ممثل فى لجنة الخمسين يمثل أمته وليس طائفته التى جاء منها، فحقوق المسيحيين فى الدستور فرض عين على ممثلى المصريين، كما أن الدين الإسلامى له وضعيته المقدرة فى صلب الدستور، لا حاجة للكنيسة أن تظهر بردائها فى الصور التذكارية مقابل العمامة الأزهرية، وليس أدل على ذلك من أنها كانت ممثلة سابقا، ولم تغير شيئا فى دستور طائفى بامتياز ثار عليه المصريون مسلمين ومسيحيين.
كثير من المصريين كان يطمع فى خيال أزهرى يقابله خيال كنسى يذهب بعيدا عن المحاصصة الطائفية، وإذا كانت الرئاسة خصصت مقاعد ثلاثا للمسيحيين، ومثلها للأزهر الشريف فى تأصيل مقيت للطائفية التى بات عليها الوطن، كان أولى بالأزهر والكنيسة أن يترفعا ويبتعدا وأن يرشحا من المصريين من يمثلهما، ولو كان على غير الديانة، فى تأصيل حميد لمعنى المواطنة فى أعمال الدستور.
شباب الأقباط يلوم على الكنيسة الأرثوذكسية وسيتظاهر نفر منه قبالتها رفضا لترشيحها الأنبا بولا موضوعا واسما، ونحن بدورنا نلوم الرئاسة (المؤقتة) التى لم تغادر الطائفية وذهبت إلى محاصصة مقيتة، فى محاولة لترضية الكل على حساب الوطن، ما للمؤسسات الدينية بصناعة دستور، لماذا إدخال الدين طرفا فى معادلة دستور للوطن، ما معنى تخصيص كوتة للكنيسة ومثلها للأزهر؟ كوتة لرجال الدين، ناقص كوتة للعلمانيين، قسمة ضيزى كما يقولون، قسمة معيبة، كان أولى بالرئاسة ألا تقسمها ككيكة، لكل نصيب، بل تحقق النصاب بقامات أكاديمية وقانونية وسياسية وحزبية، تطرزها بمن يتمثل سماحة الوطن، ويتفهم معنى المواطنة، ويجلِّس شعارات الثورة المصرية فى الدستور، الشيخ والقسيس، ع الحلوة والمرة مش كنا متواعدين ع الدستور، معادلة غبية تقر الواقع المشحون بالطائفية، وتنقله إلى مناقشات الدستور، الذى بدلا من أن يأتى محققا لرغبات الشعب، سيأتى مشوها من تناقض مطالب الفئات والطوائف لا يلبى أبدا مصالح الوطن العليا.
كنا نبغى دستورا جديدا، ولكن ترقيع دستور 2012 لن يأتى بجديد، فالرقع ماثلة فى تشكيلة لجنة الخمسين بأرديتها الحزبية والطائفية، نفس الأفكار التى أنتجت دستور 2012 هى نفسها التى ستقوم على تعديله، بالله عليكم كيف يتعدل المايل؟!
المصرى اليوم |
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع |
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا |
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا |
تقييم الموضوع: | الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت | عدد التعليقات: ٠ تعليق |