CET 00:00:00 - 01/12/2009

مساحة رأي

بقلم: ذاكر آل حبيل
إذا كان معتقلي الرأي في العالم يقاربون (وفق احصائية أوردها الناشط الحقوقي الدولي الدكتور هيثم مناع في معايدته الحقوقية لأجل معتقلي الرأي في العالم العربي) يبلغون أكثر  62 ألف يرزحون في السجون عبر العالم، فلا شك بأن غالبيتهم يقبعون في السجون العربية بلا منازع -وإن كانت النسبة تتفاوت من دولة عربية لأخرى- نقول هذا وندرك بأن عدد سجناء الرأي في بعض الدول العربية يتفوق على سجناء الجرائم الجنائية، بل ونكاد نجزم أنه كان هناك أحكام بحق مُعتقلي الرأي، ولم تكن المحكومية مفتوحة بحقهم، ففي الكثير من الأحكام بحقهم تفوق تلك الأحكام التي صدرت بحق أعتى المجرمين، وقد تصل إلى عشرات السنين، إن لم يكن بعضهم قد يقضي نحبه وهو في السجن.
ففي ظل وجود أنظمة عربية قمعية عتيدة واستمرار لمنهج القمع وارهاب الدولة تجاه مواطنيها التي لا تؤمن بحقوقهم الطبيعية المشروعة على الإطلاق، وفي ظل غياب مفهوم "الدولة المعاصرة" إلا في شكلها الصوري وغياب تعريف بنيوي قانوني يقوم عليه سلوك السلطة العربية، فإن هدف الدولة الرئيس هو ارهاب الناس واخضاعهم لسلطتها قسرًا وبالحديد، والنار إذا تمادى أي مواطن ونطق برأي يخالف فيه السلطة.
 وهذا التصرف هو مقلوب ما عناه الفقه السياسي لنشوء الدولة المعاصرة، والذي كتب عنه الفيلسوف "سبينوزا" في كتابه الشهير"رسالة في اللاهوت والسياسة"  (أن الغاية القصوى من تأسيس الدولة ليست السيادة، أو إرهاب الناس، أو جعلهم يقعون تحت نير الآخرين، بل تحرير الفرد بالقدر المستطاع بحقه الطبيعي في الحياة وفي العمل دون الحاق الضرر بالغير، وليس الغاية من تأسيس الدولة تحويل الموجودات العاقلة إلى مجرد حيوانات أو آلات صماء، بل المقصود منها هو اتاحة الفرصة لأبدانهم وأذهانهم لكي تقوم بوظائفها كاملة في آمان تام، بحيث يتسنى لهم  أن يستخدموا عقولهم استخدامًا حرًا دون اشهار لأسلحة الحقد أو الغضب أو الخداع، وبحيث يتعاملون معًا دون ظلم أو اجحاف، فالحرية إذن هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة). ترجمة حسن حنفي، القاهرة  1971ص 446.
فما الذي فعله أو يفعله أي صاحب رأي مختلف عما تقول به السلطة في العالم العربي، من معتقلين في السجون، أو من هم محاصرين ومهددين في خارجه، أم بالمراقبة أو بالمضايقة بكافة أشكالها، أو بالمنع من السفر أو حتى بقطع الأرزاق بفصلهم من وظائفهم أو خفض مستواها، أو من هم صامتين (وهم غالبية الشعوب العربية) خوفًا وكمدًا من بطش السلطة ويد أجهزتها الأمنية الطولية التي تعيث في البلاد فسادًا دون رادع من ضمير أو خوف من محاسبة.
إن الجريمة الكبرى والخيانة العظمى في العالم العربي باتت في أن ينطق أي مواطن عربي بكلمة  "إصلاح" فضلاً عن المطالبة بآلياتها (من حقوق انسانية طبيعية، وحريات عامة، وحق المواطنين في المشاركة في صنع القرار، وشفافية المعلومة والمحاسبة على الفساد المستشري، أو ربما كانت المطالبة بتحسين مستوى الخدمات العامة، وغيرها من وسائل المطالبة السلمية، الذي لا تكلف المواطن سوى الكلام الصريح أو الكتابة  حولها، أو ربما الحلم بها فقط).
فهل يستوجب الكلام أو الكتابة أو الحلم بالتغيير إلى الأفضل ..كل هذا الإستعراض أو الإستعضال للقوة وغطرستها من قِبل أجهزة أمن الدولة أمام مواطن حي وشريف يريد أن يحلم بوطن خال من الآفات التي تسبب تآكل البلدان وخراب الأنظمة؟!!
فبالرغم من عدم وصول أي مطالب "بالإصلاح" في عالمنا العربي إلى مستوى أن يقترف جريمة يستحق من خلالها تهمة "السجين السياسي" الذي  يجب
محاسبته نظامًا، والتي تعرفها الأدبيات السياسية على أنه ( الشخص الذي يرتكب جريمة جنائية لدوافع سياسية)، فبالرغم من ذلك تُصر أجهزة أمن السلطة العربية أن تعامل كل مطالبة بالإصلاح بمستوى الجريمة السياسية التي قد تصل في بعض ادعاءات تلك الأجهزة على أنها جرائم مقاربة للإرهاب أو داعمة له، تلك التهمة "الشماعة" التي صارت متكًا للتهم الأمنية الجديدة عند أجهزة الأمن العربي التي تُبرر من خلاله ما تقوم به من اعتقالات أو ملاحقات أو مضايقات لكل من لا يصمت عن حق أو يقوم بتعرية فساد واقع.
فلكل صاحب ضمير حي ولكل صاحب صوت يعلي صوته لأجل الحقيقة ومقارعة الخلل والفساد المستشري في أوطاننا وللظلم الواقع من حولنا، ولكل من يتحمل جراء نُطقه مطالبًا بحقوقنا الإنسانية الأساسية، وبالحرية، والمساواة، وسيادة النظام، وبأن نكون في دول يسودها الأمن والسلم، له كل الأماني الجملية بقرب الفرج، وتحقيق آمالكم التي طالما حلمتم بها، وتصحيح مسار حكوماتنا التي نتمنى أن تسعى إلى حكمها الرشيد، فضلاً عن سيرها على خطي الإصلاح المنشود، وأولها أن يطلق سراحكم وتعودون إلى أحبائكم وذويكم وبيوتكم، ويخفف عن كل ملاحق ومضايق بفسحة من الحرية، وبتحقيق دولة الحريات العامة والعدالة والديموقراطية وسيادة القانون، فإلى حين قرب ذلك "كل عام وأنتم بألف حرية".

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق

الكاتب

ذاكر آل حبيل

فهرس مقالات الكاتب
راسل الكاتب

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

مواضيع أخرى للكاتب

كل عام ومعتقلي الرأي في العالم العربي بألف حرية

جديد الموقع