CET 00:00:00 - 02/12/2009

مساحة رأي

بقلم: نبيل المقدس
منذ فترة أخذني الخيال وتمنيتُ أن أنتقل إلي العالم الآخر، ليس من باب اليأس أو فشل في صفقة تجارية أو تفليسة أدت بي إلى الحضيض أو فشل في حب تمنيته لنفسي؛ بل اشتياقًا بأن أتعرف علي أجدادي القدماء المصريين وأسمائهم وعلي جذوري الأصلية، وعندما لمحني جدي جَري إلي واحتضني وأحسستُ لأول مرة أنني لست غريبًا في بلدي بالرغم كان الزمن حينها في آواخر العصر الحجري بعشرة آلاف سنة قبل الميلاد وعلمتُ منه أننا في الأصل كنا أمة قائمة بذاتها وأطلقوا علي أنفسهم (أهل مصـــر) والتي تعني (شعب الأرض).
وقال لي يا ابني يجب أن تكون فخورًا بمصريتك ... فقد كُنا مَملكتين احداهما في الشمال وعاصمتها بوتو في غرب الدلتا وشعارها البردي وتعبد الإله حور والذي يُرمز به بالثعبان، أما المملكة الثانية فهي في الجنوب عاصمتها نخن وشعارها اللوتس وتعبد الإله ست، قلت له وكيف تم التعايش مع بعضكما البعض بالرغم من اختلاف الأديان؟؟  قال لي أولاً نحن نقبل بعضنا البعض لأن التعامل بيننا ليس علي أساس الديانة أو العرق بل علي أساس الإنسانية .... إندهشت من كلامه فكيف جاءتهم فكرة الإنسانية وهم في العصور الحجرية؟؟!

وازددت دهشة عندما صرح لي أنه كان هناك محاولات مستميتة ورغبة شديدة في كل من المملكتين أن يتوحدا، ثم أضاف أن نهر النيل هو الرباط الأصلي الذي ربط بين الشمال والجنوب فإستقينا منه ثقافة واحدة وعادات واحدة.
أتنقلتُ بفكري إلي عصر مينا في حوالي 3200 سنة قبل الميلاد الذي نجح أخيرًا في توحيد المملكتين الشمالية والجنوبية وأنشأ عاصمة الدولة المتحدة عند رأس الدلتا والتي عُرفت فيما بعد بإسم (ممفيس أو منف) حتي أصبحت مصــــــــر ((أول دولة في التاريخ تظهر كوحدة سياسية لها عاصمة وحكومة مركزية وجهاز اداري من جيش وشرطة وأعضاء تدريس وأيضًا أول دولة نظمت عملية القضاة)) ...
قال جدي لي: ما يؤسفني يا ابني أن جذورك مصرية لكن تنتمي إلي عرق ثاني ليس هو عرقك الأصلي ... فلماذا يا بُني تمسكتم بهذا الإسم مع أننا اجتزنا نحن القدماء غزوات واحتلال من بلدان كثيرة لكن لم يستطع الغزاة أن يمسوا حرفًا واحدًا، كان بالزيادة أو بالنقص لكلمة مصـــــــــــــــر، كما أنهم لم يستطيعوا أن يغيروا من هويتنا نحن المصريين أبناء النيل العظيم؟؟!!

 فقد تم احتلالنا من الهكسوس ولم يتجرأ أحد منهم أن يغير إسم مصـــــر إلى (مصر الهكسوسية) حتى طردهم أحمس في سنة 1560 قبل الميلاد ثم جاء الحيثيين سنة 1271 ولم يتغير اسم مصـــــــــر إلى (مصر الحيثيانية)  وفي سنة 1285 قبل الميلاد تمت اتفاقية سلام مع رمسيس الثاني وملك الحيثيين وتعد أول اتفاقية سلام مدونة في تاريخ العالم وهذا فخر لمصـــــــــر العظمي.
صحيح وفي آخر عهد رمسيس الثالث (1198ـ1167) قبل الميلاد آخر فراعنة مصر العظام ضعفت الدولة المركزية وقوى نفوذ الكهنة وحكام الأقاليم حتى أنهم سيطروا على مصر وكانت بداية عصر الإضمحلال لمصـــر، وفي سنة 750 قبل الميلاد يستولى الملك كاشتا ملك النوبة على مصر ويعلن نفسه فرعون وابن للإله آمون، لكن لم يتغير اسم مصــــــــر إلي (مصر النوبية) ... وفي 671 قبل الميلاد يحتل الآشوريون مصر ويقضون على الأسرة النوبية ولم يتغير اسم مصـــــــــر إلي (مصر الآشورية) .... وفي 525 قبل الميلاد يغزو الأخمينيون مصر ويحكموها لسنة 405 قبل الميلاد، لكن لم نسمع أن مصر قد تم تحويل اسمها إلي (مصــــــر الأخمينية).

وأيضًا في سنة 343 قبل الميلاد يأتي الفرس لكي يحتلوا مصر مرة ثانية حتي 332 قبل الميلاد، لكن لم يتجرأ الفرس بتحويل اسم مصر إلي (مصــــــــر الفارسية)، وأتى الإسكندر الأكبر في سنة 332 قبل الميلاد يغزو مصر ويؤسس مدينة الإسكندرية، وبالرغم من قوته وعظمته لم يستطيع التاريخ تغيير اسم مصـــــــر إلى (مصر المقدونية)، وفي سنة 305 قبل الميلاد كانت بداية حكم البطالمة الذي انتهي بإنتحار كليوبترا في 30 قبل الميلاد ولم يذكر التاريخ أن مصـــــر كان اسمها (مصر البطالمــة)، ثم بدأت الديانة المسيحية تنتشر حتى أصبحت هي الديانة المعروفة لكنها لم يتحول إسمها إلي ( مصر المسيحية ) لأن المسيحية تقبل جميع الطوائف وتقبل كل من يختلف عنها في العقيدة أو في الرأي، ثم جاء البيزنطييون الروم في سنة 330 م ليحكموا مصر ولم يُطلق علي اسم مصـــــــــر (بمصر الرومانية أو حتي مصر البيزنطينية )....

وأخيرًا في سنة 639 م دخل الإسلام مصر وبدأت مصر العظمى والتي كانت من ضمن أكبر ثلاثة حضارات في العالم القديم والتي لعب فيها وجود أنهار كبري مثل نهر النيل العظيم في مصر ونهري دجلة والفرات في العراق  وأخيرا نهر السند في الهند، بدأت تتخبط وتهتز وتضيع معالمها وبدءوا يَمحون تاريخها العظيم من حضارات وثقافة وعلوم وآدب وفن بجميع أنواعه، وبدأ اسم مصر يتبدل طبقًا لأسماء الحكام والخلفاء فأصبحت مصـــر الإسلامية، ثم مصر الفاطمية تحت الخلافة الفاطمية، ثم مصر الأيوبية تحت الخلافة الأيوبية، ثم مصر المملوكية  في عصر المماليك، ثم مصر العثمانية في عصر الخلافة العثمانية، إلى أن جاءت أسرة محمد علي وبدأ يلوح في الأفق ما يسمي بالأمة العربية حتي جاءت الثورة واثبتتها علي مصر بأننا نتبع الأمة العربية والتي تضم البلدان التي غزاها العرب وأجبروهم علي الإسلام ... فأصبح كلمة العروبة تشير علي اسلامية الدولة، ثم تحولت بعد ذلك إلي القومية العربية التي تعني القوم المنحدرين نسبًا من صُلب جِد واحد.

ومع التطور التاريخي انسلخ مصطلح القومية عن جذوره اللغوية فأصبح معناه قريبًا من معنى الأمة وأصبح ذا دلالة سياسية،وهي تعني أن جميع الدول التي تدين بالإسلام هي أمة واحدة فتحولت مصـــــــر العظمى إلى مصـــــــر العربية (تتبع الأمة العربية).
التصقت كلمة العروبة بمصر في غفلة من الزمن وأصبحت مصر لها أشقاء عرب ليس من صُلبهم، لذلك وإلى الآن لم يتوحد هؤلاء الإخوة في كلمة واحدة إلا في ديانتهم بالرغم من وجود العديد من الطوائف المتنازعة علي من هو له كلمة الحق، بالإضافة أن كل شعب له لهجته وله جذوره الخاصة وله ثقافته المتوارثة من أجداده وله حضارة تختلف في النوعية والمستوى عن شعب آخر وربما لم يكن له حضارة في الأصل.
مصـــــــر العظمي كان بين أيديها الفرصة أن تكون من البلدان المتقدمة لولا التصاقها بهذا النسب العربي!!
تحسرتُ علي بلدي مصـــــــر العظمى التي قدمت للعالم كله خدمات وحضارات وثقافات وعلوم في كثير من المجالات لم يصل إليها أكثر البلدان امكانية الآن، قد توقف عطاؤها من أجل ارتباطها بما يسمي بالأمة العربية.

حان يا اخوتي المصريين أن نقتنع أن مصـــــــر بجميع طوائفها مسيحيين أو مسلمين أو ملة أخري بالإنفصـــال عن كلمة العروبة، فالديانة لا ترتبط بوحدة الشعوب، نحن نريد اتاتورك فرعوني لكي ينشلنا من هذا الكابوس الثقيل والجاسم علي صدورنا!!
تمنيت أن لا أفوق من تفكيري وأترك أجدادي العظام أصحاب أقدم الحضارات، وفعلاً عندما فوقت عرفت الفرق بين مصــــر القديمة ومصـــــــــر العروبة .... شتان بين الإثنين.
والآن حالاً جاي ليكم من أرض مصـــــــــر العظمي لكي نأخذ عهدًا بأننا نكافح ونقنع اخوتنا أننا من أصل مصــــري ولسنا من أصل عربي!!
فلتحيــــــــــــا مصــــــــــــر العظمـــــــــي !!!

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ١٦ صوت عدد التعليقات: ٣٩ تعليق