كنت فى سفرة سريعة إلى دبى لعمل برنامج حوارى مع التليفزيونية البحرينية اللامعة د. بروين حبيب التى عشقت اللغة العربية فذرتها وتعمقت حتى «التفتيش» فى خفايا شاعرنا الذى يعيش فينا نزار قبانى.
دبى تجعل الرقاب ترتفع لتستحضر نهاية البنايات.. ولكن دعوة كريمة من سيدة بيت الشعراء آل العويس.. دعوة لمناخ آخر.. باب الشمس مكان فى الصحراء يدعم فكر الصحراء بالاتساع الأفقى ومفردات الصحراء من طعام وسكن، ثم دخول فكر التعامل مع التراث والموروثات بشكل مباشر.
وبرامج من رقص وغناء وموسيقى تراثية حملها مصريون جاءوا ليقدموا كل ليلة البهجة بداية من العزف على العود والناى، وصولاً إلى راقص التنورة.. كفاءات ومواهب شديدة المقدرة وهبوط اضطرارى من أجل المال ولكن بتجربة وحنكة جعلتهم جزءاً من هذا المشروع الضخم المثير الذى يبعد عن مدينة دبى بمسيرة ساعة بالسيارة.. والمكان يعج بالبشر.. خلايجة وأجانب وما أكثرهم وكلهم جاءوا من أجل التغيير.
سألت أحد المشاركين فى البرنامج:- هذا عملك فى مصر؟
- لا أنا هنا مضطر.. أنا بكالوريوس تجارة!
وسألت آخر يحضر الطعام: - لماذا لا تعمل فى أى فندق فى مصر.
ابتسم فى حب لاسم مصر وقال:
- أنا لا أعمل فى هذا العمل.. أنا مدرس لغة عربية؟
وأخرج بكم قرائى الأحباء إلى مكان آخر لأحاور الشباب فهى هوايتى حينما أخرج من مصر.
فى صيدلية شاب يروح ويجىء ويعمل بجد ونشاط فى قسم التجميل:
- إنت دارس صيدلة؟
- لأ أنا بكالوريوس زراعة.. لكن مالقيتش غير كده!
وفى محل آخر لكهربائيات ثلاثة من الشباب يتسابقون للبيع لى.
- إنت هيه؟.. إنت ماما نعم!
- أيوا مظبوط.. أنا جايه اشترى كاميرا.
- عاوزة إيه.. أخدمك بعينى.. إيه رأيك فى الكاميرا دى؟
أختصر طريقى.
- بتاخد كام فى الشهر؟
- أولاً أنا خريج إعلام.. يعنى أنا زميلك.. مالقيتش شغل فى مصر. اشتغلت سنتين فى الصحافة المستقلة ولم يعينونى.. أنا باخد هنا ١٨٠٠ درهم ونحن نعيش فى شقة كل ٤ فى حجرة صغيرة وصاحب البيت قسم الصالة غرفتين، لكن أصبح عندنا ٥ غرف.. أنا تركت زمايلى لأنى تزوجت وعملت سلفة ستة وثلاثين ألف درهم وسكنت فى شقة وحدى والقرض على ثلاث سنوات.
- وأنت خريج إيه؟
- أنا خريج آداب عربى المنصورة.. أنا مشرف بيع وراتبى ثلاثة آلاف درهم.. وساكن مع زمايلى.. نعمل إيه مضطرين لغاية ما ربنا يفرجها.
ـ وإنت يا حبيبتى دراستك إيه؟ (تقف على أحد منافذ البيع).
- آداب إنجليزى.. كنت مدرسة لكن، اتخطبت وقسمنا العفش علينا أنا حجرة النوم والصالون وهو السفرة والأنتريه وإحنا الاتنين المطبخ.. أنا هنا ساكنة مع خمس مصريات فى حجرة واحدة.. واحدة كلية تربية والثانية آداب دراسات تربوية والثالثة كلية تربية والرابعة كلية تجارة وأنا..
- حتقعدى أد إيه علشان تحوشى؟
- مش أقل من ٣ سنوات.. واتنين مننا سايبين أولادهم لأمهاتهم.. لكن كله يهون..!
وهكذا.. هبوط اضطرارى لشبابنا. وكلهم من كفاءات شابة من عمق الوطن واحتياجاته.. مدرسين.. تصوروا مدرسين يعملون بياعين وجرسونات وأى حاجة.. تصوروا.
تصوروا.. بلد مثل بلدنا محتاجة لكل شاب وشابة لقاطرة التنمية ولكن يضطرون للهبوط الاضطرارى فى أى أرض وأى بلد لماذا لا نفكر لهم..؟ لماذا لا ندرس المشكلة للبحث عن حل؟ لماذا تفرغ مصر دون أن تدرى من كفاءاتها وخيرة شبابها.
قبل الطبع:
مشروع باب الشمس فى صحراء دبى والذى يقوم على إدارته وتقديم الجرعة الوجدانية الفنية فيه مصريون.. إنه مشروع سياحى ضخم يعتمد على مفردات الصحراء.. لماذا لا نفكر فى هذا المشروع ولدينا من الصحراوات ذات الطابع الخاص الكثير.. رجال الأعمال فى مصر الذين يفكرون فى الجولف - ولدينا أزمة مياه حالية وقادمة - لماذا لا يستثمرون أموالهم فى الصحراء.. إنها بإعلانات بسيطة فى صحف العالم سوف تصبح جزءاً مهم من السياحة، حيث نفتقد سياحة الصحراء.
نقلا عن المصري اليوم |